حديث (مَنْ ءَاتَاهُ اللَّهُ مَالاً فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ مُثِّلَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعً
رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ ءَاتَاهُ اللَّهُ مَالاً فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ مُثِّلَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ لَهُ زَبِيبَتَانِ يُطَوَّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ يَأْخُذُ بِلِهْزِمَتَيْهِ (يَعْنِي شِدْقَيْهِ) ثُمَّ يَقُولُ أَنَا مَالُكَ، أَنَا كَنْزُكَ، ثُمَّ تَلا ﴿وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا ءَاتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ الآيَةَ سُورَةَ ءَالِ عِمْرَان 180).
قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ الْعَسْقَلانِيُّ فِي فَتْحِ الْبَارِي فِي شَرْحِ هَذَا الْحَدِيثِ (وَالْمُرَادُ بِالشُّجَاعِ وَهُوَ بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ ثُمَّ جِيمٍ الْحَيَّةُ الذَّكَرُ وَقِيلَ الَّذِي يَقُومُ عَلَى ذَنْبِهِ وَيُوَاثِبُ الْفَارِسَ، وَالأَقْرَعُ الَّذِي تَقْرَعُ رَأْسُهُ أَيْ تُمْعَطُ لِكَثْرَةِ سُمِّهِ، وَفِي تَهْذِيبِ الأَزْهَرِيِّ سُمِّيَ أَقْرَعَ لأِنَّهُ يَقْرِي السُّمَّ وَيَجْمَعُهُ فِي رَأْسِهِ حَتَّى تَتَمَعَّطَ فَرْوَةُ رَأْسِهِ،
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ الأَقْرَعُ مِنَ الْحَيَّاتِ الَّذِي ابْيَضَ رَأْسُهُ مِنَ السُّمِّ وَمِنَ النَّاسِ الَّذِي لا شَعَرَ بِرَأْسِهِ،
قَوْلُهُ (لَهُ زَبِيبَتَانِ) تَثْنِيَةُ زَبِيبَةٍ بِفَتْحِ الزَّايِ وَمُوَحَدَّتَيْنِ وَهُمَا الزَّبْدَتَانِ اللَّتَانِ فِي الشِّدْقَيْنِ يُقَالُ تَكَلَّمَ حَتَّى زَبَدَ شِدْقَاهُ أَيْ خَرَجَ الزَّبَدُ مِنْهُمَا، وَقِيلَ هُمَا النُّكْتَتَانِ السَّوْدَاوَانِ فَوْقَ عَيْنَيْهِ، وَقِيلَ نُقْطَتَانِ يَكْتَنِفَانِ فَاهُ، وَقِيلَ هُمَا فِي حَلْقِهِ بِمَنْزِلَةِ زَنَمَتَيِ الْعَنْزِ، وَقِيلَ لَحْمَتَانِ عَلَى رَأْسِهِ مِثْلُ الْقَرْنَيْنِ، وَقِيلَ نَابَانِ يَخْرُجَانِ مِنْ فِيهِ،
قَوْلُهُ (يُطَوَّقُهُ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ الْوَاوِ الثَّقِيلَةِ أَيْ يَصِيرُ لَهُ ذَلِكَ الثُّعْبَانُ طَوْقًا،
قَوْلُهُ (ثُمَّ يَأْخُذُ بِلِهْزِمَتَيْهِ) فَاعِلُ يَأْخُذُ هُوَ الشُّجَاعُ وَالْمَأْخُوذُ يَدُ صَاحِبِ الْمَالِ كَمَا وَقَعَ مُبَيَّنًا فِي رِوَايَةِ هُمَامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ الآتِيَةِ فِي تَرْكِ الْحِيَلِ بِلَفْظٍ لا يَزَالُ يَطْلُبُهُ حَتَّى يَبْسُطَ يَدَهُ فَيُلْقِمَهَا فَاهُ،
قَوْلُهُ (بِلِهْزِمَتَيْهِ) بِكَسْرِ اللاَّمِ وَسُكُونِ الْهَاءِ بَعْدَهَا زَايٌ مَكْسُورَةٌ وَقَدْ فَسَّرَ فِي الْحَدِيثِ بِالشِّدْقَيْنِ وَفِي الصَّحَاحِ هُمَا الْعَظْمَانِ النَّاتِئَانِ فِي اللَّحْيَيْنِ تَحْتَ الأُذُنَيْنِ وَفِي الْجَامِعِ هُمَا لَحْمُ الْخَدَّيْنِ الَّذِي يَتَحَرَّكُ إِذَا أَكَلَ الإِنْسَانُ،
قَوْلُهُ (ثُمَّ يَقُولُ أَنَا مَالُكَ أَنَا كَنْزُكَ) وَفَائِدَةُ هَذَا الْقَوْلِ الْحَسْرَةُ وَالزِّيَادَةُ فِي التَّعْذِيبِ حَيْثُ لا يَنْفَعُهُ النَّدَمُ وَفِيهِ نَوْعٌ مِنَ التَّهَكُّمِ) انتهى كلام الْحَافِظ ابْن حَجَرٍ.
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|