الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم فألقوا السلم : الآية رقم 28 من سورة النحل
» تفسير الوسيط: تفسير الآية
ثم صور- سبحانه- أحوال هؤلاء الكافرين ساعة انتزاع أرواحهم من أجسادهم وساعة وقوفهم للحساب، فقال- تعالى-: الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ، فَأَلْقَوُا السَّلَمَ ما كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ.
.
.
.
.
.
.
قال الآلوسى: وفي الموصول أوجه الإعراب الثلاثة: الجر على أنه صفة للكافرين،أو بدل منه، أو بيان له، والنصب والرفع على القطع للذم.
وجوز بعضهم كونه مرتفعا بالابتداء، وجملة «فألقوا» خبره.
.
».
والمراد بالملائكة: عزرائيل ومن معه من الملائكة.
والمراد بظلمهم لأنفسهم: إشراكهم مع الله- تعالى- آلهة أخرى في العبادة.
أى: إن أشد أنواع الخزي والعذاب يوم القيامة على الكافرين، الذين تنتزع الملائكة أرواحهم من أجسادهم وهم ما زالوا باقين على الكفر والشرك دون أن يتوبوا منهما، أو يقلعوا عنهما.
وقوله: «ظالمي أنفسهم» حال من مفعول تتوفاهم.
وفي وصف هؤلاء الكافرين بكونهم «ظالمي أنفسهم» إشعار إلى أن الملائكة تنتزع أرواحهم من جنوبهم بغلظة وقسوة، ويشهد لذلك قوله- تعالى-: وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ .
.
.
.
وقوله «فألقوا السلم» بيان لما صار إليه هؤلاء المستكبرون من ذل وخضوع في الآخرة، بعد أن كانوا مغترين متجبرين في الدنيا.
وأصل الإلقاء يكون في الأجسام والمحسات فاستعير هنا لإظهار كمال الخضوع والطاعة، حيث شبهوا بمن ألقى سلاحه أمام الأقوى منه، بدون أية مقاومة أو حركة.
والمراد بالسلم: الاستسلام والاستكانة.
أى: أنهم عند ما عاينوا الموت، وتجلت لهم الحقائق يوم القيامة، خضعوا واستكانوا واستسلموا وانقادوا، وقالوا: ما كنا في الدنيا نعمل عملا سيئا، توهما منهم أن هذا القول ينفعهم.
وقد حكى الله- تعالى- عنهم في آيات أخرى ما يشبه هذا القول، ومن ذلك قوله- تعالى-: ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ.
وقوله- سبحانه- بَلى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ تكذيب لهم في دعواهم أنهم ما كانوا يعملون السوء لأن لفظ «بلى» لإبطال ما نفوه.
أى: بلى كنتم تعملون السوء، لأن الله- تعالى- لا تخفى عليه خافية من أعمالكم،وسيجازيكم عنها بما تستحقون وهذا التكذيب لهم قد يكون من الملائكة بأمر الله- تعالى- وقد يكون من قبله- سبحانه-.
» تفسير القرطبي: مضمون الآية
قوله تعالى : الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم فألقوا السلم ما كنا نعمل من سوء بلى إن الله عليم بما كنتم تعملونقوله تعالى : الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم هذا من صفة الكافرين .
و ظالمي أنفسهم نصب على الحال ; أي وهم ظالمون أنفسهم إذ أوردوها موارد الهلاك .
فألقوا السلم أي الاستسلام .
أي أقروا لله بالربوبية وانقادوا عند الموت وقالوا : ما كنا نعمل من سوء أي من شرك .
فقالت لهم الملائكة : بلى قد كنتم تعملون الأسواء .
إن الله عليم بما كنتم تعملون وقال عكرمة .
نزلت هذه الآية بالمدينة في قوم أسلموا بمكة ولم يهاجروا ، فأخرجتهم قريش إلى بدر كرها فقتلوا بها ; فقال : الذين تتوفاهم الملائكة بقبض أرواحهم .
ظالمي أنفسهم في مقامهم بمكة وتركهم الهجرة .
فألقوا السلم يعني في خروجهم معهم .
وفيه ثلاثة أوجه : أحدها : أنه الصلح ; قاله الأخفش .
الثاني : الاستسلام ; قاله قطرب .
الثالث : الخضوع ; قاله مقاتل .
ما كنا نعمل من سوء يعني من كفر .
بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون يعني أن أعمالهم أعمال الكفار .
وقيل : إن بعض المسلمين لما رأوا قلة المؤمنين رجعوا إلى المشركين ; فنزلت فيهم .
وعلى القول الأول فلا يخرج كافر ولا منافق من الدنيا حتى ينقاد ويستسلم ، ويخضع ويذل ، ولا تنفعهم حينئذ توبة ولا إيمان ; كما قال : فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا .
وقد تقدم هذا المعنى وتقدم في " الأنفال " أن الكفار يتوفون بالضرب والهوان وكذلك في " الأنعام " وقد ذكرناه في كتاب التذكرة
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|