إياك والقنوط
إننا حين نتحدث عن الرجاء في رحمة الله والطمع في مغفرته وحسن الظن به
إنما نريد أن نقول إن باب التوبة والعودة إلى رحاب الله مفتوح أمامنا جميعًا،
وأمام المقصرين في حق الله خصوصا، والعاصين المقل منهم والمكثر،
وكلنا ذلك الرجل ـ فكل ابن آدم خطاء، ومن أعظم الظلم أن يفتحه الله أمام الناس
ونغلقه نحن، أو أن يغلقه العبد أمام نفسه؛
وذلك حين يظن أنه ارتكب من الخطايا ما لا يغفره الله،
فييأس من رحمة الله ويقنط، وهذا القنوط أكبر من كل خطيئة، وأعظم من كل ذنب
، أن نعتقد أن هناك من الذنوب ما تعجز رحمة الله أن تحتويه، أو عفو الله أن يغفره،
وقد قال تعالى: {فلا تكن من القانطين} وقال:
{ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون}.
وقال: {ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون}.
فمهما بلغت ذنوبك ومهما كثرت خطاياك، وعظمت رزاياك،
فماذا فعلت: زنيت، سرقت، شربت الخمر، اسمع إلى حديث شطب الممدود أبي طويل
الذي أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أرأيت رجلاً عمل الذنوب
كلها فلم يترك منها شيئًا، وهو في ذلك لم يترك حاجة ولا داجة إلا اقتطعها بيمينه
فهل لذلك من توبة؟ قال: هل أسلمت؟ قال: أما أنا فاشهد ألا إله إلا الله،
وحده لا شريك له وأنك رسوله. قال: نعم. تفعل الخيرات، وتترك السيئات،
يجعلهن الله لك كلهن خيرات. قال: وغدراتي وفجراتي.
قال: نعم. قال: الله أكبر... فما زال يكبر حتى توارى.
وهذا في كتاب الله في سورة الفرقان:
{والذين لا يدعون مع الله إلهًا آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون
ومن يفعل ذلك يلقى أثامًا * يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانًا *
إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحًا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات
وكان الله غفورًا رحيمًا}.
ورجاء الرحمة في الآخرة أعظم وأكبر إن شاء الله؛
فقد روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: [إن لله مائة رحمة،
أنزل منها رحمة واحدة بين الجن والإنس والبهائم والهوام،
منها يتعاطفون وبها يتراحمون، وبها تعطف الوحش على ولدها...
وأخر الله تسعة وتسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القيامة].
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|