في موقعة القادسية أسرع القعقاع بن عمرو – رضي الله عنه – حتى قدم بهم على جيش القادسية صبيحة يوم أغواث، وكان أثناء قدومه قد فكر بعمل يرفع به معنويات المسلمين، فقسم جيشه إلى مائة قسم، كل قسم مكون من عشرة، وأمرهم بأن يقدموا تباعا كلما غاب منهم عشرة عن مدى إدراك البصر، سرحوا خلفهم عشرة .
فقدم هو في العشرة الأوائل وصاروا يقدمون تباعا كلما سرح القعقاع بصره في الأفق فأبصر طائفة منهم كبر فكبر المسلمون، ونشطوا في قتال أعدائهم .
وهذه خطة حربية ناجحة لرفع معنويات المقاتلين، فإن وصول ألف لا يعني مددا كبيرا لجيش يبلغ ثلاثين ألف، ولكن هذا الابتكار الذي هدى الله القعقاع إليه قد عوض نقص هذا المدد بما قوي من عزيمة المسلمين، وقد بشرهم بقدوم الجنود بقوله :
يأيها الناس قد جئتكم في قوم، والله أن لو كانوا بمكانكم حسدوكم، وحاولوا أن يطيروا بها دونكم، فاصنعوا كما أصنع، فتقدم ثم نادى: من يبارز ؟
فقالوا فيه بقول أبي بكر : لا يهزم جيش فيهم مثل هذا وسكنوا إليه، فخرج إليه ذو الحاجب ( قائد من قادة الفرس ) فقال له القعقاع: من أنت ؟
فقال : أنا بهمن جاذويه ، وهنا تذكر القعقاع مصيبة المسلمين الكبرى وهزيمتهم يوم الجسر على يد هذا القائد فأخذته حميته الإسلامية فنادى فقال : يا لثارات أبي عبيد وسليط وأصحاب الجسر .
ولابد أن هذا القائد الفارسي بالرغم مما اشتهر به من الشجاعة قد انخلع قلبه من هذا النداء، فقد قال أبو بكر – رضي الله عنه – عن القعقاع : لصوت القعقاع في الجيش خير من ألف رجل ، فكيف سيثبت له رجل واحد مهما كان في الشجاعة وثبات القلب .
ولذلك لم يمهله القعقاع فأوقعه أمام جنده قتيلا، فكان لقتله بهذه الصورة أثر كبير في زعزعة الفرس ورفع معنويات المسلمين، لأنه كان قائدا لعشرين ألف مقاتل من الفرس، ثم نادى القعقاع مرة أخرى : من يبارز ؟
فخرج إليه رجلان ، فانضم إلى القعقاع الحارث بن ظبيان بن الحارث أخو بني تيم، وقُتل الرجلان المبارزان من الفرس على يد القعقاع والحارث، وهكذا قضى القعقاع في أول النهار على قائدين من قادة الفرس الخمسة، ولا شك أن ذلك أوقع الفرس في الحيرة والاضطراب، وساهم ذلك في تدمير معنويات أفراد الجيش الفارسي .