ولو دخلت عليهم من أقطارها ثم سئلوا : الآية رقم 14 من سورة الأحزاب
تفسير الآية
ثم بين- سبحانه- أن هؤلاء المنافقين جمعوا لأنفسهم كل نقيض، فهم يسرعون إلى ما يؤذى المؤمنين، ويبطئون عما ينفعهم، فقال- تعالى-: وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطارِها ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْها، وَما تَلَبَّثُوا بِها إِلَّا يَسِيراً.
والضمير في قوله- تعالى- دُخِلَتْ للبيوت أو للمدينة.
وفاعل الدخول من يدخل هذه البيوت أو المدينة من أهل الكفر والفساد.
وأسند- سبحانه- الدخول إلى بيوتهم، للإشعار بأن الأعداء يدخلونها وهم قابعون فيها.
والأقطار: جمع قطر بمعنى الناحية والجانب والجهة.
والمراد بالفتنة هنا، الردة عن الإسلام أو قتال المسلمين.
وقوله لَآتَوْها قرأه الجمهور بالمد بمعنى لأعطوها.
وقرأه نافع وابن كثير لأتوها بالقصر، بمعنى لجاءوها وفعلوها والتلبث: الإبطاء والتأخر.
والمعنى إن هؤلاء المنافقين الذين يزعمون أن بيوتهم عورة، هم كاذبون في زعمهم، وهم أصحاب نيات خبيثة، ونفوس عارية عن كل خير.
والدليل على ذلك، أن بيوتهم هذه التي يزعمون أنها عورة، لو اقتحمها عليهم مقتحم من المشركين وهم قابعون فيها، ثم طلب منهم أن ينضم إليهم في مقاتلة المسلمين، لسارعوا إلى تلبية طلبه، ولكانوا مطيعين له كل الطاعة، وما تأخروا عن تلبية طلبه إلا لمدة قليلة، يعدون العدة خلالها لقتالكم- أيها المسلمون-، وللانسلاخ عن كل رابطة تربطكم بهم.
لأن عقيدتهم واهنة، ونفوسهم مريضة خائرة.
قال صاحب الكشاف: قوله: وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ أى: المدينة.
وقيل: بيوتهم.
من قولك: دخلت على فلان داره مِنْ أَقْطارِها أى.
من جوانبها.
يريد: ولو دخلت هذه العساكر المتحزبة- التي يفرون منها- مدينتهم من نواحيها كلها وانثالت على أهاليهم وأولادهم ناهبين سابين، ثم سئلوا عند ذلك الفزع وتلك الرجفة، الْفِتْنَةَ أى: الردة والرجعة إلى الكفر، ومقاتلة المسلمين، لأتوها، أى: لجاءوها ولفعلوها.
وقرئ.
لآتوها، أى لأعطوها وَما تَلَبَّثُوا بِها إِلَّا يَسِيراً ريثما يكون السؤال والجواب من غير توقف.
أو ما لبثوا بالمدينة بعد ارتدادهم إلا يسيرا، فإن الله يهلكهم .
» تفسير القرطبي: مضمون الآية
قوله تعالى : ولو دخلت عليهم من أقطارها ثم سئلوا الفتنة لآتوها وما تلبثوا بها إلا يسيرا .
ولو دخلت عليهم من أقطارها وهي البيوت أو المدينة ; أي من نواحيها وجوانبها ، الواحد قطر ، وهو الجانب والناحية .
وكذلك القتر لغة في القطر .
ثم سئلوا الفتنة لآتوها أي لجاءوها ; هذا على قراءة نافع وابن كثير بالقصر .
وقرأ الباقون بالمد ; أي لأعطوها من أنفسهم ، وهو اختيار أبي عبيد وأبي حاتم .
وقد جاء في الحديث : أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يعذبون في الله ويسألون الشرك ، فكل أعطى ما سألوه إلا بلالا .
وفيه دليل على قراءة المد ، من الإعطاء .
ويدل على قراءة القصر قوله : ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولون الأدبار ; فهذا يدل على لآتوها مقصورا .
وفي الفتنة هنا وجهان : أحدهما : سئلوا القتال في العصبية لأسرعوا إليه ; قاله الضحاك .
الثاني : ثم سئلوا الشرك لأجابوا إليه مسرعين ; قاله الحسن .
وما تلبثوا بها ؛ أي بالمدينة بعد إعطاء الكفر إلا قليلا حتى يهلكوا ; قاله السدي والقتبي والحسن والفراء .
وقال أكثر المفسرين : أي وما احتبسوا عن فتنة الشرك إلا قليلا ولأجابوا بالشرك مسرعين ; وذلك لضعف نياتهم ولفرط نفاقهم ; فلو اختلطت بهم الأحزاب لأظهروا الكفر .