قصة الفتاة اليتيمة وجد

وجد فتاة يتيمة فقدت أبويها فأظلمت الدنيا في عينيها ولم تجد من يؤويها، فخرجت هائمة على وجهها في طرقات المدينة، وتبدو شاحبة الوجه، حزينة القلب، هزيلة الجسد، ثيابها بالية، شعرها أشعث، ونظراتها تملأ المكان باحثة عن لقمة تسد بها رمقها، الناس من حولها في هرج ومرج تتقاذفها أمواج المدينة الصاخبة بلا رحمة ولا شفقة .
بحثت وجدّت في البحث فلم تجد من يحنو عليها أو يشبع جوعها ففكرت في حيلة لتحصل عن طريقها على الطعام، فلم تجد أمامها سوى بائع الفواكه الذي استنجدته أن يعطيها تفاحة واحدة ولكنه رفض فما كان منها إلا أن تغافلته وأخذت التفاحة ..
وفي ذاتِ اللحظة رمقها بعينِه وهي تهُمّ بأكل التفاحة فأتجه إليها و أراد أن يوقفها غاضباً ولكنها فجأة توقفت ودمعت عينيها فاتجهت نحو بائع الفاكهة واعتذرت منه واستسمحته ولامت نفسها كثيراً وارجعت له تفاحتُه ..! لم يصدق البائع ما يراه وما يسمعه وهو يرى حالها وما وصلت إليه فهي بإمكانها أن تأخذ التفاحة وتهرب مُسرعة ولكنها فضلت أن تعيدها إليه فهي بإمكانها أن تأخذ التفاحة وتهرب مسرعة ولكنها فضلت أن تعيدها رُغم جوعها فأدارت له ظهرها وهمّت بالذهاب ولكن البائع استوقفها !
سألها عن اسمها؟ ولما اعادتها حيث ان بإمكانها الهرب وقد لا يستطيع اللحاق بها لكونه رجلاً كبيراً وسميناً .
"وجد" قالت له إسمي وجد تُوفي والدي من فترة ليست بالبعيدة كثيراً وقد تركاني وحيدة لاحول لي ولا قوة وليس لي أخوه ولا يوجد من يرعاني بعدهما سوى الله وقد بحثت وبحثت وجدت بالبحث ولم أجد من يحنُو علي أو يشبع جوعي أو يكسوني لا من بعيد ولا من قريب سوى جدران منزلي الخالية ولكنهما ربياني جيداً ولن أنساهما ما حييّت وقد تذكرت قول أمي: "مهما ضاقت بك الدنيا فلا تذهبي للحرامِ أو تأكلي حراماً ورأيت أبي وهو يقول لي أنتِ ابنتي الغالية انتِ من سأفخر بها في حياتي وبعد موتي تذكري يا ابنتي دائماً إذ لم يراكِ الناس فالله يراكِ ومن توكل على الله فهو حسبُه وأتقي شر دعوة المظلوم".
فخشيتُ يا عمّ أن أقع بالحرام وأدخل في جوفي حراماً واستحيت من الله أن يراني على معصيه ثم خشيت دعوتك فهذه تفاحتُك وأن أعتذر على ما بدر منِّي .
وقف بائع الفاكهة مذهُولاً مما سمِع ومتعجباً ومبسوطاً أيضاً من حديثها، ودّعتهُ وهمّت بالذهاب ولكن أوقفها بقولِه: يـا أبنتي .. وجد .. التفتت إليه وقد سقطت دمعتها وقالت يا عم لم أسمع أحداً يُناديني يا ابنتي منذ وفاة أبي فقال لها البائع: خذي! فقد حمِل لها كيساً ملؤه بأنواع الفاكهة المختلفة وسلمها إياه وقال: يا ابنتي كل ما تحتاجين إليه من اليوم تأتي وتأخذيه مني ولكن وجد رفضت إلا بمقابل أن تعمل لديه لكي تأكل من كسب يدها ولا تتكل عليه وأصّرت على ذلك على أن تعمل على تنظيف محله وترتيبه مقابل ثمن بسيط أو مقابل الفاكهة التي ستأكلها.
وافق البائع أمام إصرار وجد ورفضها على أن تعمل لديه من غدٍ وانصرفت .
أقفل البائع محله وأتجه نحو منزِله وما زالت صورة وجد وكلامها في ناضره فقد تأثر بها كثيراً إلى أن وصل منزله فرحاً .. حزيناً .. حائراً.. منبهراً وشاغله التفكير وعلى مائدة العشاء تحدث مع زوجته الطيبة البسيطة وأبنه المثقف الواعي وقص لهم ما حدث معه والحالة التي رأى عليها وجد من خُلقٍ ودين، وأخيراً قال لأبنه بعد أن تشاورا مع زوجته: يا بُني والله أني أرى أنها فتاة من يظفر بها زوجه فقد ظفر بدنياه فلن أقول لك إلا كما قال عمر رضي الله عنه أمير المؤمنين لأبنه عاصم عندما سمع فتاة اللبن وأمها وأعجبه ما سمع منها ( أنظر هذه الفتاة فإن أعجبتك فتزوجها فقد يرزقك الله منها ولداً له شأنه ) .
و أخذت الأم بيد أبنها وشجعته وفعلاً كان للأب البائع الحنون ما أراد ووسع الله رزقه وتجارته بسبب تفريجه على تلك الفتاة اليتيمة وكذلك فتح الله على ابنه أبواب الرزق ورزقهُ البنين والبنات من وجد الفتاة الصالحة اليتيمة و أصبح لكلاً منه شأنه .