موانع إجابة الدعاء أن يدعو الإنسان وقلبه غافل
المؤمن صاحب الحياة الطيبة، صاحب الإيمان يُلح على الله في المسألة، في الدعاء، في اللجوء.
إن الله يحب الملحين في الدعاء، لو دعوت الله ليلًا ونهارًا وسرًّا وجهارًا، فلن تزداد منه إلا قربًا وتوفيقًا.
اللهُ يَغْضَبُ إِن تَرَكْتَ سُؤَالَهُ
وَبُنَيَّ آدَمَ حِينَ يُسْأَلُ يَغْضَبُ
لكن الدعاء واللجوء إلى الله تعالى، والانطراح بين يديه لقبوله أسبابٌ، إذا وُفق لها العبد، حصلت الإجابة؛ ذكرها ابن القيم رحمه الله فقال: "إذا اجتمع مع الدعاء حضور القلب، وصادف وقتًا من أوقات الإجابة الستة؛ وهي: الثلث الأخير من الليل، وعند الأذان، وبين الأذان والإقامة، وأدبار الصلوات المكتوبات، وعند صعود الإمام يوم الجمعة على المنبر حتى تقضى الصلاة، وآخر ساعة بعد العصر من ذلك اليوم، وصادف خشوعًا في القلب وانكسارًا بين يدي الرب، واستقبل الداعي القبلة، كان على طهارة، ورفع يديه إلى الله، وبدأ بحمد الله، وصلى على رسول الله، وألح على الله، وتوسل إليه بأسمائه وصفاته، فإن هذا الدعاء لا يكاد يرد"؛ [الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي].
وهناك موانع تمنع إجابة الدعاء؛ منها: أن يكون العبد مضيعًا لفرائض الله، ومتعديًا لحدوده، فهذا بعيد مقطوع الصلة بربه، فيه من المشركين شبه؛ قال الله عنهم: ﴿ فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ ﴾ [العنكبوت: 65]، فتعرف إلى الله في الرخاء، يعرفك في الشدة، عامِلِ الله في رخائك، وفي صحتك وعافيتك وقوتك بالطاعة والانقياد، وشكر النعم والابتعاد عن المحرم، حتى يعاملك في شدتك وفقرك، وحاجتك بالإجابة والفرج، والإغاثة والتوفيق.
قال الله عن يونس عليه السلام: ﴿ فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ [الصافات: 143، 144]، لولا أنه كان يذكر الله ويطيع الله في رخائه، للبث في بطن الحوت إلى يوم القيامة.
وفرعون الملعون قال في وقت الرخاء والقوة والملك: ﴿ فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴾ [النازعات: 24]، وقال لملئه: ﴿ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي ﴾ [القصص: 38]، فلما غضب الله عليه، وجاءته الشدائد من كل مكان، وتلاطمت عليه أمواج البحر من كل جانب، وذهبت القوة، وتفرق الجيش، وضاع الملك، وأحسَّ بالهلاك؛ قال: آمنت: ﴿ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [يونس: 90]، فهل نفعه ذلك؟ هل استفاد من إيمانه في تلك الساعة التي هي أصعب ما مر عليه في حياته؟ قال الله: ﴿ آلْآنَ ﴾ [يونس: 91]؛ يعني: الحين تؤمن، وكنت تقول وقت الرخاء والقوة: أنا ربكم الأعلى؟ ﴿ آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ ﴾ [يونس: 91، 92].
ومن موانع إجابة الدعاء: أكل الحرام، وشرب الحرام، ولبس الحرام.
يبيع المخدرات والدخان والحشيش، ويلبس منها، ويتغذى من ثمنها، فإذا جاءته الأورام والأسقام، والجلطات والسكتات، مد يديه إلى السماء، يدعو ويدعو؛ والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أشْعَثَ أغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إلى السَّماءِ، يا رَبِّ، يا رَبِّ، ومَطْعَمُهُ حَرامٌ، ومَشْرَبُهُ حَرامٌ، ومَلْبَسُهُ حَرامٌ، وغُذِيَ بالحَرامِ، فأنَّى يُسْتَجابُ لذلكَ؟...؛ الحديث))؛ [صحيح مسلم].
ومن موانع إجابة الدعاء: عدم الإخلاص لله؛ والله تعالى يقول: ﴿ فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ﴾ [غافر: 14]، الدعاء دِين، فلا بد أن يُخلص لله وحده.
فلا أصنام ولا أموات ولا أولياء، ولا قبور ولا موتى ولا أحياء، وهذه ليست عندنا ولله الحمد، لكنها وإشْرَاكُهَا في الدعاء عدم إخلاص لله تعالى، ومن موانع الإجابة.
ومن موانع إجابة الدعاء أن يدعو الإنسان وقلبه غافل ساهٍ لاهٍ؛ والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((ادْعُوا اللهَ وأنتمْ مُوقِنُونَ بالإجابةِ، واعلمُوا أنَّ اللهَ لا يَستجيبُ دُعاءً من قلْبٍ غافِلٍ لَاهٍ))؛ [حسَّنه الألباني في صحيح الجامع].
ومن موانع إجابة الدعاء: ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكلٌّ على حسب قدرته واستطاعته، المهم لا ترى منكرًا وتسكت عليه، ولو بكلمة ولو بنصيحة.
قال صلى الله عليه وسلم: ((والَّذي نَفسي بيدِهِ لتأمُرُنَّ بالمعروفِ ولتَنهوُنَّ عنِ المنكرِ، أو ليوشِكَنَّ اللَّهُ أن يبعثَ عليكُم عقابًا منهُ ثمَّ تَدعونَهُ فلا يَستجيبُ لَكُم))؛ [حسَّنه الألباني في صحيح الترمذي].
فالله الله عليكم بالدعاء، ألحوا على الله ولا تستعجلوا الإجابة، فالله الحكيم، وهو العليم، وهو الخبير؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((لَا يَزَالُ يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ، ما لَمْ يَدْعُ بإثْمٍ، أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ، ما لَمْ يَسْتَعْجِلْ...؛ الحديث))؛ [صحيح مسلم].
الدعاء والقدر يختصمان بين السماء والأرض، ولا يرد القضاء إلا الدعاء.
الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، فعليكم عباد الله بالدعاء؛ كما قال صلى الله عليه وسلم.
ترك الدعاء سبب من أسباب دخول النار: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾ [غافر: 60].
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|