نحن نمضي في طريق الحياة حاملين معنا أوجاع الماضي وأحداثه، ومخطِّطين للمستقبل وأهدافه، غير عابئين بعيش اللَّحظة؛ حتَّى أصبحت اللحظة مجرَّد زمنٍ يمضي بين الماضي والمستقبل، ويخلو من المشاعر والمتعة والأهمية.
لقد فقدَتْ اللحظة خصوصيَّتها، وأصبحت مُستباحةً من قبل الأزمنة الأخرى، فيعيش الإنسان لحظته الحاليَّة مُفكِّراً بالماضي أو مُخطِّطاً للمستقبل، غير مُدركٍ أنَّ متعة الحياة من متعة عيش لحظاتها، فما هو معنى الحياة إن فقدت فيها اللحظة قيمتها وبهجتها؟
يتخلَّص أكبر تحدٍّ نواجهه اليوم في السؤال التالي: "كيف نعيش لحظتنا في وسط كلِّ الكمِّ الكبير من المتغيِّرات الخارجيَّة، والأحداث المُتسارعة، والأزمات الخانقة التي تضرب بحياتنا؟"
يتطلَّب عيش اللَّحظة إحساساً عاليَّاً بالقبول والرضا فكيف يصل إنسانٌ يعيش في بلدٍ مضطرب إلى حالة الأمان والقبول؟ قد يكون هذا الأمر تحدِّيَّاً آخر من التحديَّات الكبيرة التي تواجه الإنسان.
سنحاول من خلال هذا المقال الإضاءة على أهميَّة إدراك اللحظة في حياتنا، وكيف نستطيع الولوج إليها بحكمةٍ وهدوء، مُؤكِّدين على أنَّ الحلول تبدأ من الداخل أولاً؛ وذلك بالسعي إلى تغيير داخلك، ليتغيَّر واقعك.
ما هي "اللحظة"؟
اللحظة ببساطةٍ هي "الآن"، وهي كلُّ ما نملكه، وما نستطيع التحكُّم فيه، وهي فرصةٌ لعيش حرية اتهاذ القرار والاختيار بين البدائل المتاحة؛ فأنتَ حرٌّ في هذه اللحظة، وأمامك الملايين من الخيارات التي تستطيع المفاضلة فيما بينها، ومن ثمَّ اختيار البديل الأمثل منها.
نحن نتعلَّم من تحارب الماضي ونستنبط الدروس القيِّمة منها؛ لكنَّنا لا نملك الماضي، فقد انتهى وأصبح ذكرى. وبالمقابل، نحن نستطيع التخطيط للمستقبل، والتفاؤل بأنَّ تخطيطنا سيتحوَّل إلى حقيقة؛ لكنَّنا لا نملكه.
هل "عيش اللحظة" قضيةٌ هامَّة؟
الحياة عبارةٌ عن لحظات، وكلُّ لحظةٍ فرصة لبدايةٍ جديدةٍ في حياتنا، وهذه من نعم اللَّه علينا؛ فعيش اللحظة هو مدى إدراكها وجعلها حاضرةً في حياتنا، فكم نُهدر من لحظاتٍ في حياتنا دون أن ندركها؟
كم من لحظاتٍ عائليَّةٍ كانت تستحقُّ أن تُعاش بإدراكٍ وعمقٍ أكبر، لكنَّها مرَّت كلحظاتٍ عابرةٍ غير هامَّة، لنصل بعد فوات الأوان والبعد عن الأهل لأسبابٍ معيَّنة، إلى حالةٍ قاسيةٍ من الندم وجلد الذَّات على تضييع تلك اللحظات المقدَّسة؟
من جهةٍ أخرى؛ إن سألتك: "ما هي أجمل لحظات حياتك؟"، فقد تتذكَّر أكثر لحظاتٍ كنتَ فيها سعيداً ومنطلقاً وإيجابياً، والتي غالباً ما تكون قليلة العدد.
إنَّ لحظات السعادة والمتعة قليلةٌ في حياتنا إذا ما قُورِنت مع لحظات الحزن والتعاسة التي تطغى على جانبٍ كبيرٍ من حياتنا، فهل يتعلَّق الأمر بميكانيكيَّة الحياة وقساوتها؟ أم أنَّه يندرج تحت سوء إدارة اللحظة من قِبَلنا؟ وإن كان الجواب عن السؤال يكمن في مدى إمكانية إدراة لحظات حياتنا، فتُرَى كيف لنا أن نصل إلى عيش لحظات حياتنا بمتعةٍ وسرور؟
ما يُعطِي المعنى لحياتنا هي لحظات السعادة بلا منازع؛ لذلك تستحقُّ منَّا السعي من أجل إدراكها وعيشها.
هل يتطلَّب "عيش اللحظة" لياقةً نفسيَّة؟
يسأل سائل: "كيف لي أن أعيش لحظتي، بينما
لا يكف عقلي عن التفكير ؟
تشير الدراسات إلى أنَّ متوسط عدد الأفكار في اليوم الواحد: 60 ألف فكرة، ممَّا يعني أنّه يوجد حالةٌ هائلةٌ من تدفُّق الأفكار، الأمر الذي يُعرِّض الإنسان إلى نوعٍ من الاضطراب والتشويش، ويُعِيقه عن عيش لحظته الحالية. فكيف لنا أن نُهدِّئ عقولنا قليلاً، وأن نوقِف أفكارنا، بحيث نصبح المتحكِّمين بها وليس هي مَن يَحكُمنا؟ إنَّ السيطرة على أفكارنا من أخطر تحديَّات الحياة، وكلُّ إنسانٍ ناجحٍ هو إنسانٌ اتقن التحكم بافكاره ومشاعره، وبالنتيجة استطاع عيش لحظته دون جعل لحظةٍ أخرى تُرخِي بظلامها على لحظته الحالية؛ لذلك علينا مراقبة أفكارنا باستمرار، وعدم السماح للمشاعر السلبية بالسيطرة علينا بل مواجهتها، والعمل على إعادة تصويب الأفكار الكامنة خلفها. يتطلَّب هذا الأمر وعياً كبيراً، وتدريباً مُكثَّفاً للتصدِّي للأفكار المُعرقِلة، لكنَّ نتائجه رائعةٌ ومُبهرِة.
عندما يكون الإنسان في وضعٍ مُضطرب، يُصدِر عقله موجات "بيتا"؛ بينما عندما يكون في وضع الرَّاحة والأمان، يُصدر عقله موجات "ألفا". إذاً علينا السَّعي لكي نحظى بوجود موجات "ألفا" طوال لحظاتنا؛ لكن يا تُرَى هل نستطيع استدعاءها؟
إليكَ تمرينات استحضار موجات "ألفا":
تمرين ملاحظة التنفس نأخذ نفساً عميقاً من الأنف إلى أن يمتلئ البطن، ومن ثمَّ يكون الزفير من الفم على دفعات. يؤدِّي هذا التمرين إلى الاسترخاء والهدوء.
تمرين النظرة المفتوحة: كأن يُلاحِظ الإنسان نظرته، فإن كانت نظرته "شمولية" إلى المكان الجالس فيه -أي منتبهٌ إلى الموجودات في كلِّ الاتجاهات- وليست نظرةً "بؤريةً" مُحددةً في اتجاه واحد؛ عندها سيكون أكثر هدوءاً وقدرةً على التركيز والانتباه واتخاذ القرارات المناسبة. في حين تؤدِّي النظرة "البؤرية" إلى اضطرابٍ في التفكير، وإلى حالةٍ من الرفض وعدم القبول.
تمرين عظم الترقوه: يُدلِّك الإنسان الجزء الواقع تحت عظم الترقوه من 7 إلى 8 مرات، إذ من شأن هذا التمرين أن يُعِيد التوجيه السليم لمسارات الطاقة في الجسم عندما يكون الإنسان في وضعٍ مضطرب.
تمرين تغيير الحالة الجسمانيَّة: إنَّ حالتنا الجسديَّة انعكاسٌ لأفكارنا ومشاعرنا، حيث يصبح وجهنا أحمراً عندما نشعر بمشاعر الخجل؛ لذلك من شأن تغيير الحالة الجسدية أن تُغيِّر من حالتنا الشعورية، فإن كنَّا جالسين وغضبنا من موقفٍ ما؛ فسنشعر بتحسُّنٍ كبيرٍ إذا غيَّرنا نمط حركتنا كأن نقف أو نمشي.
5 أعضاء قالوا شكراً لـ ألينَا على المشاركة المفيدة: