04-09-2021
|
04-09-2021
|
#2
|


وأما عود الحياة إلى جسدٍ كانت فيه بإذن الله فعظيم، وهذا أعجبُ وأعظم من إيجاد حياة وشعور في محل ليس مألوفا لذلك لم تكن فيه قبل بالكلية. فسبحان الله رب العالمين.
وقال ابن كثير: قال شيخنا: فهذه جمادات ونباتات، وقد حنت وتكلمت وفي ذلك ما يقابل انقلابَ العصا حية. اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: وآياته صلى الله عليه وسلم المتعلقةُ بالقدرة والفعل والتأثير أنواع:
الأول منها:
ما هو في العالم العلوي كانشقاق القمر، وحراسة السماء بالشهب الحراسةَ التامةَ لما بعث، كمعراجه إلى السماء، فقد ذكر الله انشقاق القمر، وبيّن أن الله فعله، وأخبر به لحكمتين عظيمتين:
أحدُهما: كونه من آيات النبوة، لما سأله المشركون آية، فأراهم انشقاق القمر.
والثانية: أنه دلالة على جواز انشقاق الفلك، وأن ذلك دليل على ما أخبرت به الأنبياء من انشقاق السماوات...
ومعلوم بالضرورة في مطّرد العادة، أنه لو لم يكن انشق لأسرعَ المؤمنون به إلى تكذيب ذلك، فضلا عن أعدائه الكفار والمنافقين، ومعلوم أنه كان من أحرص الناس على تصديق الخلق له، واتباعِهِم إياه، فلو لم يكن انشق لما كان يُخبر به ويقرؤه على جميع الناس، ويُستدل به، ويجعله آية له.
وفي الصحيحين عن أنس بن مالك قال: إن أهل مكة سألوا نبي الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية فأراهم انشقاق القمر مرتين...
وكذلك صعودُه ليلة المعراج إلى ما فوق السماوات، وهذا مما تواترت به الأحاديث، وأخبر به القرآن، أخبر بمسراه ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وهو بيتُ المقدس، وفي موضع آخر بصعوده إلى السماوات، فقال تعالى: ï´؟ سُبْحان الذِي أسْرى بِعبْدِهِ ليْلًا مِن الْمسْجِدِ الْحرامِ إِلى الْمسْجِدِ الْأقْصى الذِي باركْنا حوْلهُ لِنُرِيهُ مِنْ آياتِنا إِنه هُو السمِيعُ الْبصِيرُ ï´¾ [الإسراء: 1].
فأخبر هنا بمسراه ليلا بين المسجدين، وأخبر أنه فعل ذلك ليريه من آياته. ومعلوم أن الأرض قد رأى سائرُ الناس ما فيها من الآيات فعلم أن ذلك ليريه آيات لم يرها عموم الناس...
والنوع الثاني:
آيات الجو، كاستسقائه صلى الله عليه وسلم، واستصحائه [طَلَب الصّحْو]، وطاعةِ السحاب له، ونزولِ المطر بدُعائه صلى الله عليه وسلم.
والنوع الثالث:
تصرفه في الحيوان: الإنس، والجن، والبهائم.
وذَكَرَ مُخاطَبَته صلى الله عليه وسلم للحيوانِ والشَّجرِ والجن.
وذَكَر حديث سَفِينَةَ مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ركبت البحر في سفينة فانكسرتْ، فركبت لوحا منها فطرحني في أجمة فيها أسدٌ، فلم يرعني إلا به، فقلت: يا أبا الحارث، أنا مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فطأطأ رأسه، وغمز بمنكبه شقي، فما زال يغمزني، ويهديني إلى الطريق، حتى وضعني على الطريق، فلما وضعني همهم، فظننت أنه يودعني. رواه الحاكم، وقال هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.
وفي حديث جابر رضي الله عنه، وفِيه: أنّ امرأة أتتِ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقالت: إن ابني هذا به لمم منذ سبعِ سنين، يأخذه كلَّ يوم مرتين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أدنيه، فأدنَتْه منه، فتَفَل في فيه، وقال: اخرُج عدوَّ الله، أنا رَسول الله. رواه ابن أبي شيبة والدارمي.
وفي حديث عثمانَ بنِ أبي العاصِ رضي الله عنه قال: يا رسولَ الله عَرَض لي شيء في صلواتي حتى ما أدري ما أصلي. قال: ذاك الشيطانُ، أدنُه، فدنوتُ منه، فجلستُ على صُدور قَدمي، قال: فضرب صدري بيده، وتفَل في فَمِي، وقال: اخرج عدو الله - ففعل ذلك ثلاثَ مراتٍ - ثم قال: اِلحقْ بعملك. فقال عثمان: فَلعَمْري ما أحسبه خالطني بَعد. رواه ابن ماجه.
النوعُ الرابع:
آثارُهُ في الأشجار والخشب.
وقد تقدّم تكليمُهُ صلى الله عليه وسلم للشجر والحَجَر، واستجابةُ الشجر له، وتسليمُ الحجر عليه.
والنوعُ الخامس:
الماء والطعام والثمار، الذي كان يكثر ببركته فوق العادة، وهذا باب واسع نذكُر منه ما تيسر.
أما الماء: ففي الصحيحين عن أنسٍ أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا بماء، فأُتي بقدح رحراح، فجعل القوم يتوضئون، قال: فحزرت ما بين السبعين إلى الثمانين.
وفي حديث أنس رضي الله عنه: أُتي النبي صلى الله عليه وسلم بإناء وهو بالزوراء، فوضع يده في الإناء، فجعل الماء ينبع من بين أصابعه، فتوضأ القوم. قال قتادةُ: قلت لأنس: كم كنتم؟ قال: ثلاثمائة أو زهاءُ ثلاثمائة. رواه البخاري ومسلم.
وفي الصحيحين عن جابر قال: قد رأيتني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد حضرتْ صلاة العصر، وليس معنا ماءٌ غيرَ فضلة، فجُعل في إناء فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأدخل يده فيه، وفرج أصابعه، وقال: حي على الوضوء، والبركةُ من الله. فلقد رأيت الماءَ يتفجر من بين أصابعه، فتوضأ الناس وشربوا، فجعلت لا آلو ما جعلتُ في بطني منه، فعلمت أنه بركة، قلت: لجابر: كم كنتم يومئذ؟ قال: ألفا وأربعمائة.
ودعا وبارَك في طعام قليل، فكفى أَلْفَ شخص، وذلك يومُ الخندق.
قال جابر: فأقسم بالله لقد أكلوا حتى تركوه وانحرفوا، وإن برمتنا لتغط كما هي، وإن عجيننا ليخبز كما هو. رواه البخاري ومسلم.
قال النووي: وقد تضمن هذا الحديث علمين من أعلام النبوة:
أحدهما: تكثير الطعام القليل.
والثاني: علمه صلى الله عليه وسلم بأن هذا الطعام القليل الذي يكفي في العادة خمسة أنفس أو نحوهم سيكثر فيكفي ألفا وزيادة، فدعا له ألفا قبل أن يصل إليه، وقد علم أنه صاع شعير وبهيمة. اهـ.
وأما النوع السادس:
تأثيره في الأحجار، وتصرفه فيها، وتسخيرها له؛ ففي صحيح البخاري عن أنسٍ قال: صعد النبي صلى الله عليه وسلم أُحدا ومعه أبو بكر، وعمر، وعثمان، فرجف بهم الجبل، فقال: اسكُنْ - وضربه برجله - فليس عليك إلا نبيٌّ، وصديق، وشهيدان.
النوع السابع:
من آياته صلى الله عليه وسلم تأييدُ الله له بملائكته. قال الله تعالى: ï´؟ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ ï´¾ [الأنفال: 9].
وفي الصحيحين عن سعدِ بنِ أبي وقاص قال: رأيت يومَ أحد عن يمين النبي صلى الله عليه وسلم، وعن يساره رجلين عليهم ثيابٌ بيض يقاتلان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أشدَّ القتال، ما رأيتهما قبل ذلك اليومِ ولا بعده، ويعني جبرائيل وميكائيل عليهما السلام.
النوع الثامن:
في كفاية الله له أعداءه، وعصمتِه له من الناس، وهذا فيه آية لِنُبُوّته مِن وُجوه:
منها: أن ذلك تصديقٌ لقوله تعالى: ï´؟ فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ * إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ * الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ï´¾ [الحجر: 94 - 96]، فهذا إخبارُ الله بأنه يكفيه المشركين المستهزئين.
ومنها: أنه كَفَاه أعداءه بأنواع عجيبة خارجة عن العادة المعروفة.
ومنها: أنه نَصَرَه مع كثرة أعدائه، وقوتهم، وغلبتهم، وأنه كان وحده جاهرا بمعاداتهم، وسَبِّ آبائهم، وشَتْمِ آلهتهم، وتسفيهِ أحلامهم، والطعنِ في دينهم، وهذا مِن الأمور الخارقة للعادة، والمستهزئون كانوا مِن أعظم سادات قريش، وعُظماء العَرب.
وقد عَصَمَه الله مِن مَكْر اليهود، ففي حديث أَنَسٍ، أَنَّ امْرَأَةً يَهُودِيَّةً أَتَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِشَاةٍ مَسْمُومَةٍ، فَأَكَلَ مِنْهَا، فَجِيءَ بِهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَسَأَلَهَا عَنْ ذَلِكَ؟ فَقَالَتْ: أَرَدْتُ لأَقْتُلَكَ، قَالَ: مَا كَانَ اللَّهُ لِيُسَلِّطَكِ عَلَى ذَاكِ، قَالَ: أَوْ قَالَ، عَلَيَّ. رواه البخاري ومسلم.
وحَفظه الله وحَرَسَه مِن كَيد المشرِكين وبَطْشِهم.
قال أَبُو جَهْلٍ: هَلْ يُعَفِّرُ مُحَمَّدٌ وَجْهَهُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ؟ فَقِيلَ: نَعَمْ، فَقَالَ: وَاللاَّتِ وَالْعُزَّى لَئِنْ رَأَيْتُهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ لأَطَأَنَّ عَلَى رَقَبَتِهِ، أَوْ لأُعَفِّرَنَّ وَجْهَهُ فِي التُّرَابِ، قَالَ: فَأَتَى رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يُصَلِّي، زَعَمَ لِيَطَأَ عَلَى رَقَبَتِهِ، قَالَ: فَمَا فَجِئَهُمْ مِنْهُ إِلاَّ وَهُوَ يَنْكُصُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَيَتَّقِي بِيَدَيْهِ، قَالَ: فَقِيلَ لَهُ: مَا لَكَ؟ فَقَالَ: إِنَّ بَيْنِي وَبَيْنَهُ لَخَنْدَقًا مِنْ نَارٍ وَهَوْلًا وَأَجْنِحَةً.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: لَوْ دَنَا مِنِّي لاَخْتَطَفَتْهُ الْمَلاَئِكَةُ عُضْوًا عُضْوًا. رواه مسلم. ورواه البخاري مُخْتَصرا مِن حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
وهذا فيه: كفايةِ اللهِ لِنَبِيّه صلى الله عليه وسلم أعداءَه، وعِصْمته له مِن الناس، وتأييده له بالملائكة.
وعَصَمَ الله رَسُوله مِن مُؤامَرات الْمُشْرِكِين.
ففي حديث ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ الْمَلأَ مِنْ قُرَيْشٍ اجْتَمَعُوا فِي الْحِجْرِ، فَتَعَاهَدُوا بِاللاّتِ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةِ الأُخْرَى: لَوْ قَدْ رَأَيْنَا مُحَمَّدًا، قُمْنَا إِلَيْهِ قِيَامَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، فَلَمْ نُفَارِقْهُ حَتَّى نَقْتُلَهُ، قَالَ: فَأَقْبَلَتْ فَاطِمَةُ تَبْكِي حَتَّى دَخَلَتْ عَلَى أَبِيهَا، فَقَالَتْ: هَؤُلاءِ الْمَلأُ مِنْ قَوْمِكَ فِي الْحِجْرِ، قَدْ تَعَاهَدُوا: أَنْ لَوْ قَدْ رَأَوْكَ قَامُوا إِلَيْكَ فَقَتَلُوكَ، فَلَيْسَ مِنْهُمْ رَجُلٌ إِلاَّ قَدْ عَرَفَ نَصِيبَهُ مِنْ دَمِكَ، قَالَ: " يَا بُنَيَّةُ أَدْنِي وَضُوءًا " فَتَوَضَّأَ ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهِمُ الْمَسْجِدَ، فَلَمَّا رَأَوْهُ، قَالُوا: هُوَ هَذَا، هُوَ هَذَا. فَخَفَضُوا أَبْصَارَهُمْ، وَعُقِرُوا فِي مَجَالِسِهِمْ، فَلَمْ يَرْفَعُوا إِلَيْهِ أَبْصَارَهُمْ، وَلَمْ يَقُمْ مِنْهُمْ رَجُلٌ، فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى قَامَ عَلَى رُءُوسِهِمْ، فَأَخَذَ قَبْضَةً مِنْ تُرَابٍ، فَحَصَبَهُمْ بِهَا، وَقَالَ: " شَاهَتِ الْوُجُوهُ " قَالَ: فَمَا أَصَابَتْ رَجُلا مِنْهُمْ حَصَاةٌ إِلاّ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ كَافِرًا. رواه الإمام أحمد، وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط: إسناده قوي على شرط مسلم.
قال ابن الأثير: العَقَر بفَتْحتين: أن تُسْلِمَ الرجُلَ قوائمُه من الخَوف. وقيل: هو أن يفْجَأه الرَّوعُ فَيدْهشَ ولا يستطيعَ أن يتقدَّمَ أو يتأخر. (النهاية في غريب الحديث).
النوع التاسع:
في إجابة دعوته، وإجابةُ الدعاء منه ما تكون إجابتُه معتادةٌ لكثير مِن عباد الله كالإغناء، والعافية، ونحو ذلك، ومنه ما يكون الْمَدْعُوّ به مِن خَوَارق العادات؛ كَتَكْثِير الطعام والشراب كثرةً خارِجةً عن العادة، وإطعامِ النّخْل في العام مَرّتين مع أن العادة في مِثْله مَرّة، وَرَدِّ بَصَر الذي عَمِي، ونحو ذلك.
ومعلوم أن من عوّده الله إجابةَ دعائه لا يكون إلاّ مع صلاحه ودينه.
وقد تقدم دعاؤه للذي ذهَبَ بَصَره فأبْصَر، ودعاؤه في الاستسقاء فما رَدّ يديه إلا والسماءُ قد أمطرت، ودعاؤه في الاستصحاء، وإشارتُه إلى السحاب فتقطع مِن سَاعَته، ودعوته على سُراقة بن جُعْشم لَمّا تَبِعهم في الهجرة فغاصَت فرسُه في الأرض، ودعاؤه يوم بدر، ويوم حُنَين.
ودعا صلى الله عليه وسلم لأنسٍ رضي الله عنه: اللهم ارزقه مالًا وولدًا، وبارِك له فيه. قال أنسٌ: فإني أكثرُ الأنصار مالًا، وحدثتني ابنتي أمينة أنه دفن لصُلبي إلى مقدم الحَجاج البصرة بضع وعشرون ومائة. رواه البخاري.
وفي صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى عروةَ بنَ الجعد البارِقيّ دينارا يشتري له به شاة، فاشترى له به شاتين، فباع إحداهما بدينار وجاءه بدينار وشاة، فَدَعا له بالبَركة في بَيْعه، وكان لو اشترى التّراب لَرَبح فيه.
(الجواب الصحيح لمن بدّل دين المسيح) بتصرف واختصار وزيادةٍ في بعض المواضع.
ودَعَا رسول الله صلى الله عليه وسلم ربَّه يوم بَدْر، واستجاب الله دُعاءه.
ودَعا على قريش فقال: اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِسَبْعٍ كَسَبْعِ يُوسُفَ؛ فأجَاب الله دَعوته. كما في الصحيحين.
وإجابات دعواته صلى الله عليه وسلم وقَعَت كثيرا.
والنّوع العاشِر - مما لم يَذكره شيخ الإسلام ابن تيمية -: تحقق وَعْده، وتَصدِيق الله له في حال حياته وبعد وفاته صلى الله عليه وسلم.
ومن ذلك: أنه أخْبَر بِمَصَارِع أعدائه، وأشار إلى أماكِن قَتْلِهم؛ فكان كما أخبر عليه الصلاة والسلام.
قال أنس رضي الله عنه: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يوم بَدْر: هَذَا مَصْرَعُ فُلانٍ، قَالَ: وَيَضَعُ يَدَهُ عَلَى الأَرْضِ: هَاهُنَا، هَاهُنَا، قَالَ: فَمَا مَاطَ أَحَدُهُمْ عَنْ مَوْضِعِ يَدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. رواه مسلم.
قال النووي: قوله: " فَمَا مَاطَ أَحَدُهُمْ " أَيْ: تَبَاعَدَ. (المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج).
والمعنى: أنه ما تجاوز أحدٌ منهم الموضِع الذي حَدّده النبي صلى الله عليه وسلم لِمَقْتلِه فيه وتَوعَّد الْمُشرِك أن يَقْتُله؛ فَقَتَلَه.
ولَمّا جَاءَ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ الْجُمَحِيُّ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِعَظْمِ حَائِلٍ، فَقَالَ: اللَّهُ مُحْيِي هَذَا يَا مُحَمَّدُ وَهُوَ رَمِيمٌ؟ وَهُوَ يَفُتُّ الْعَظْمَ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: يُحْيِيهِ اللَّهُ، ثُمَّ يُمِيتُكَ، ثُمَّ يُدْخِلُكَ النَّارَ. قَالَ الزهري: فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ قَالَ: وَاللَّهِ لأَقْتُلَنَّ مُحَمَّدًا إِذَا رَأَيْتُهُ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: بَلْ أَنَا أَقْتُلُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. رواه ابن جرير الطبري في " تفسيره " (11/87)، وهو مِن مَرَاسيل الزهري.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: والنبي صلى الله عليه وسلم كان أكمَل الناس في هذه الشجاعة، التي هي المقصودة في أئمة الْحَرَب، ولم يَقتُل بِيدِه إلاّ أُبَيّ بن خَلَف، قَتَلَه يوم أُحُد، ولم يَقْتل بِيدِه أحدًا لا قَبْلها ولا بَعدها. (منهاج السنة النبوية).
وقال ابن القيم: وَأَقْبَلَ أُبَيّ بن خَلَف عَدُوُّ اللَّهِ، وَهُوَ مُقَنَّعٌ فِي الْحَدِيدِ، يَقُولُ: لا نَجَوْتُ إِنْ نَجَا مُحَمَّدٌ، وَكَانَ حَلَفَ بِمَكَّةَ أَنْ يَقْتُلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَاسْتَقْبَلَهُ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، فَقُتِلَ مصعب، وَأَبْصَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَرْقُوَةَ أُبَيّ بن خَلَف مِنْ فُرْجَةٍ بَيْنَ سَابِغَةِ الدِّرْعِ وَالْبَيْضَةِ، فَطَعَنَهُ بِحَرْبَتِهِ، فَوَقَعَ عَنْ فَرَسِهِ، فَاحْتَمَلَهُ أَصْحَابُهُ، وَهُوَ يَخُورُ خُوَارَ الثَّوْرِ، فَقَالُوا: مَا أَجْزَعَكَ؟ إِنَّمَا هُوَ خَدْشٌ، فَذَكَرَ لَهُمْ قَوْلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: بَلْ أَنَا أَقْتُلُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. فَمَاتَ بِرَابِغ. (زاد المعاد).
وأما ما بعد وفاته صلى الله عليه وسلم وتحقق وَعْده، وتَصدِيق الله له؛ فهو كثير، ومِنه:
ما رواه الأئمة وتحقق وقوعه:
إخباره صلى الله عليه وسلم عن الكذّابين المدَّعِين للنبوة مِن بعده.
وإخباره صلى الله عليه وسلم عن مَقتَل عثمان رضي الله عنه، وقد وقَع ما أخبر به صلى الله عليه وسلم.
وإخباره صلى الله عليه وسلم عن إصلاح الحسن بن علي رضي الله عنهما بين فِئتين عَظيمَتين مِن المسلمين. وقد وَقَع هذا حينما تنازل الحسن بن علي رضي الله عنهما عن الخلافة لِمعاوية رضي الله عنه سَنَة 41 مِن الهجرة.
وإخباره صلى الله عليه وسلم عن أسرَع أهله لُحوقا به. كما في صحيح البخاري.
وإخباره صلى الله عليه وسلم عن رجل يكون عطاؤه حَثْيا؛ فكان عُمر بن عبد العزيز رحمه الله، كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم.
وإخباره صلى الله عليه وسلم بِخُروج نار مِن أرض الحجاز، فَوَقَع ما أخبر به بعد وفاته صلى الله عليه وسلم بأكثر مِن 600 سَنة.
وفي الحديث: لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَخْرُجَ نَارٌ مِنْ أَرْضِ الحِجَازِ تُضِيءُ أَعْنَاقَ الإِبِلِ بِبُصْرَى. رواه البخاري ومسلم.
وأخبَر عن قوم يَركَبون البَحر، ودَعا لأُمّ حَرَام بِنْت مِلْحَان رضي الله عنها أن تكون معهم؛ فكَانت، وذلك في زَمن معاوية رضي الله عنه. كما في الصحيحين.
قال الإمام النووي: وفيه معجزات للنبي صلى الله عليه وسلم، منها: إخبَاره بِبقَاء أُمّته بعده، وأنه تكون لهم شَوكة وقُوّة وعَدَد، وأنهم يَغزُون، وأنهم يرَكبون البحر وأن أمّ حرام تعيش إلى ذلك الزمان، وأنها تكون معهم. وقد وُجِد بِحَمد الله تعالى كل ذلك. اهـ.
قال الذهبي: يُقَالُ هَذِهِ غَزْوَةُ قُبْرُسَ فِي خِلاَفَةِ عُثْمَان َ. اهـ.
وكان ذلك في سنة 27 هـ.
وأخبَر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فُتوحات تكون بعده؛ فكانت.
ففي صحيح البخاري قوله صلى الله عليه وسلم لِعَدِيّ بن حاتم: يَا عَدِيُّ، هَلْ رَأَيْتَ الحِيرَةَ؟ قُلْتُ: لَمْ أَرَهَا، وَقَدْ أُنْبِئْتُ عَنْهَا، قَال: فَإِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ، لَتَرَيَنَّ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنَ الحِيرَةِ، حَتَّى تَطُوفَ بِالكَعْبَةِ لاَ تَخَافُ أَحَدًا إِلاّ اللَّهَ، - قُلْتُ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَ نَفْسِي: فَأَيْنَ دُعَّارُ طَيِّئٍ الَّذِينَ قَدْ سَعَّرُوا البِلاَدَ -، وَلَئِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتُفْتَحَنَّ كُنُوزُ كِسْرَى، قُلْتُ: كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ؟ قَال: كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ، وَلَئِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتَرَيَنَّ الرَّجُلَ يُخْرِجُ مِلْءَ كَفِّهِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، يَطْلُبُ مَنْ يَقْبَلُهُ مِنْهُ فَلاَ يَجِدُ أَحَدًا يَقْبَلُهُ مِنْهُ...
قَالَ عَدِيٌّ: فَرَأَيْتُ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنَ الحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالكَعْبَةِ لاَ تَخَافُ إِلاّ اللَّهَ، وَكُنْتُ فِيمَنِ افْتَتَحَ كُنُوزَ كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ، وَلَئِنْ طَالَتْ بِكُمْ حَيَاةٌ، لَتَرَوُنَّ مَا قَالَ النَّبِيُّ أَبُو القَاسِمِ: صلى الله عليه وسلم يُخْرِجُ مِلْءَ كَفِّهِ.
وقد عَقَد أبو نعيم الأصبهاني في " دلائل النبوة " فَصْلا قال فيه:
الفصل السادس والعشرون: ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم مِن الغيوب فتَحقّق ذلك على ما أخْبَر به في حياته وبعد موته؛ كالإخبار عن نُموّ أمْره، وافتتاح الأمصار والبلدان على أُمّته، والفِتن الكائنة بعده، وإخباره بِعَدد الخلفاء ومُدّتهم، والملك العَضوض بعدهم. اهـ.
وخلاصة القول: ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية: وكان يأتيهم بالآيات الدالة على نبوته صلى الله عليه وسلم، ومعجزاتُه تزيد على ألف معجزة.
اللهم صَلّ وسلِّم وزِد وبارك على سيِّد ولد آدم، ما تعاقب الليل والنّهار.
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
04-09-2021
|
#3
|

موضوع في قمة الخيااال
طرحت فابدعت
دمت ودام عطائك
ودائما بأنتظار جديدك الشيق

|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
04-09-2021
|
#4
|
جزاك الله خير الجزاء .. ونفع بك ,, على الطرح القيم
وجعله في ميزان حسناتك
وألبسك لباس التقوى والغفران
وجعلك ممن يظلهم الله في يوم لا ظل الا ظله
وعمر الله قلبك بالأيمان
على طرحك المحمل بنفحات ايمانيه
سررت لتواجدي هنا في موضوعك
لا عدمناك
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
04-09-2021
|
#5
|
سَلَّمَتْ أناملكِم الذَّهَبِيَّةَ عَلَى الطَّرْحِ الرَّائِعِ الَّذِي
أَنَارَ صَفْحَاتِ مُنْتَدَى روآية عِشْقٌ بِكُلِّ مَاهُوِ جَديدٍ
لُكِمَ مَنِّيُّ أَرَقٍ وَأَجْمَلِ التَّحَايَا عَلَى هَذَا التَّأَلُّقِ وَالْأبْدَاعِ
وَالَّذِي هُوَ حليفكِم دُومَا " أَنَّ شَاءَ اللهُ
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
04-09-2021
|
#6
|
جزاك الله خير الجزاء .. ونفع بك ,, على الطرح القيم
وجعله في ميزان حسناتك
وألبسك لباس التقوى والغفران
وجعلك ممن يظلهم الله في يوم لا ظل الا ظله
وعمر الله قلبك بالأيمان
على طرحك المحمل بنفحات ايمانيه
سررت لتواجدي هنا في موضوعك
لا عدمناك
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
أدوات الموضوع |
|
انواع عرض الموضوع |
العرض العادي
|
تعليمات المشاركة
|
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك
كود HTML معطلة
|
|
|
الساعة الآن 07:11 PM
| | | | | |