لا شك أن الطلاق يحمل في طياته الكثير من الضرر على طرفي العلاقة الزوجية وأبنائهما، ما يشتت شمل الأسر دون مبررات واقعية في بعض الأحيان، وأبرزها الطلاق المزاجي لأسباب واهية.
والواقع أن قانون الأحوال الشخصية السابق لم يكن يتصدى لها حتى أصبح البعض يصفه بأنه «يتساهل مع الطلاق» كونه يتعامل معه كأنه أمر واقع ومحتوم على حد القول، فتحصل عليه المرأة سواء أثبتت الضرر الواقع عليها أو لم تثبته وتتحمل الأسرة أتباعه، ويبقى الأطفال الضحية الأكبر تضرراً منه، وذلك حتى صدور المرسوم بقانون اتحادي رقم 8 لسنة 2019 بتعديل بعض أحكام القانون الاتحادي رقم 28 لسنة 2005 في شأن الأحوال الشخصية والذي تضمن تعديلات مهمة وجوهرية من ضمنها رفض دعوى الطلاق في حال عدم ثبوت الضرر.
وفي هذا الإطار، أكد أعضاء في المجلس الوطني الاتحادي وقانونيون أن تعديلات قانون الأحوال الشخصية الأخيرة تسهم في الحد من حالات الطلاق في حال عدم إثبات الضرر خاصة قضايا «الطلاق المزاجي» وغير العقلاني ولأسباب بسيطة، مشيرين إلى أن إثبات الضرر يتطلب صدور حكم جزائي أو شاهدين أو اعتراف الطرف المدعى عليه.
وذكروا أن التعديلات تطرقت إلى مصلحة الأسرة بشكل عام وعدم السماح لحدوث الطلاق لأسباب واهية، متوقعين أن تسهم هذه التعديلات في انخفاض معدل الطلاق إلى أكثر من 50%.
قال ضرار بالهول الفلاسي، رئيس لجنة الشؤون الاجتماعية والعمل والسكان والموارد البشرية للمجلس الوطني الاتحادي: «منذ قيام اتحاد دولة الإمارات، حرص المشرع الإماراتي، على أن يكون القانون حامياً لأبناء الوطن من دون تمييز، ويؤمن الطمأنينة والسعادة لكل أفراد المجتمع».
مضيفاً: «جاءت تعديلات المادة 118 والخاصة برفض دعوى الطلاق في حال عدم ثبوت الضرر، حرصاً على حماية الأسرة واستمرارها وزيادة الترابط الأسري، وحماية حقوق المرأة والرجل والطفل بالدرجة الأولى في حالات النزاع والطلاق».
وتابع: «لو نظرنا إلى التعديلات بإمعان نلاحظ أن مشروع القانون أوضح الحقوق والواجبات الزوجية المتبادلة، وحقوق المحضون، حيث إن الإمارات حرصت على كيان الأسرة، وأولت استقرارها اهتماماً خاصاً، إيماناً بأهمية الأسرة في بناء مجتمع متفهم مواكب للمتغيرات، حيث يقف القانون في الدرجة الأولى في مصلحة المحضون، ويراعي تنشئته تنشئة سليمة ضمن بيئة إيجابية».
وبين أن مواد القانون تؤكد أيضاً على حق المرأة بالخروج من بيتها في حال العمل أو الضرورة، وأن على القاضي مراعاة مصلحة الأسرة في ذلك، كما أولت مواد القانون أهمية محاولة التوفيق بين الزوجين في حالات الشقاق، والدور الذي تلعبه لجان التوجيه الأسري قبل الطلاق. حقوق وواجبات
وأكدت ناعمة المنصوري عضو لجنة الشؤون الاجتماعية بالمجلس الوطني الاتحادي أن التعديلات التي طرأت على القانون الاتحادي رقم 28 لسنة 2005 في شأن الأحوال الشخصية تساهم في استقرار الأسرة الإماراتية وضبط الحقوق والواجبات بين الزوج والزوجة، إضافة إلى مراعاة التنشئة الاجتماعية السليمة للأطفال.
وأضافت أن التعديلات من شأنها أن تحد من ارتفاع حالات الطلاق في المجتمع بشكل ملحوظ، مشيرة إلى أن القانون يراعي الظروف المعاصرة التي تعيشها الأسرة بكل تغيراتها وفقاً للشريعة الإسلامية بالإضافة إلى أن القانون تمكن من سد الثغرات الموجودة في السابق التي كانت سبباً في ارتفاع حالات الطلاق.
وأشارت إلى أن القانون منح حقوقاً جديدة للمرأة ومساحة أكبر من الحرية في مزاولة نشاطها التجاري والعمل بحيث يكون دورها مسانداً للزوج في الأمور المالية التي تخص الأسرة، لافتة إلى أن القانون أرجع وقوع ضرر على الأسرة والمنزل من حيث تقصير الزوجة تجاه بيتها، إلى سلطة تقدير القاضي. سقوط النفقة
وأوضح المستشار إبراهيم التميمي أن تعديلات قانون الأحوال الشخصية شملت مواضيع مهمة من حيث السماح للمرأة بأن تعمل بدون موافقة زوجها في حال رفضه، كما حددت حالات لسقوط نفقة الزوجة بأسباب سائغة تضمنت مواضيع حياتية واقعية تحدث بين الأزواج مثل منع نفسها من الزوج أو امتناعها عن الانتقال إلى بيت الزوجية دون عذر شرعي أو منع الزوج من الدخول إلى بيت الزوجية أو الامتناع عن السفر معه، أو الرجوع إلى بيت الزوجية.
وفي المقابل، رأى أن تعديلات قانون الأحوال الشخصية حدت من حق المرأة في طلب الطلاق والتفريق، كما أنها لم تحدد موقف دعاوى الطلاق الحالية التي مازالت منظورة ولم يصدر بحقها حكم بعد، فلم تشر إليها إن كانت التعديلات ستطبق بأثر رجعي في ذات القانون أم لا، مطالباً بضرورة تسريع مراحل دعاوى الطلاق في حال معاودة رفعها للضرر والشقاق للفصل فيها من الجلسة الثانية طالما أصر الطرفان على عدم الصلح.
واقترح تعديل قانون الأحوال الشخصية من حيث حق الأب في رؤية أبنائه لأكثر ما يحق له الآن وتمكينه من رؤيتهم لعدة أيام متواصلة بدلاً من عدد ساعات معينة أسبوعياً بحسب سن الأطفال. تعديلات جيدة
وأوضحت المحامية هدية حماد أن التعديلات ستجعل المرأة تستصعب الطلاق بدلاً ما كانت تستسهله، حيث إن المادة 118 من القانون المعدل يقضي برفض دعوى الطلاق في حال عدم إثبات الضرر، فبذلك سيحد التعديل من حالات الطلاق في حال كان الضرر غير مثبت ويخضع لرغابتها فقط دون وقوع ضرر. 3 نقاط مهمة
ورأت المحامية ربيعة عبد الرحمن أن تعديلات قانون الأحوال الشخصية شملت 3 نقاط مهمة، الأولى رفض الدعوى في حال عدم إثبات الضرر وعلى أن يرفع المتضرر دعوى جديدة في حال استمرار الشقاق، وهذا التعديل جوهري وسيشكل فارقاً كبيراً في شأن الحد من قضايا الطلاق والتفريق بين الزوجين.
وأضافت: «أما الثانية فهي تمكين الزوجة من العمل حتى ولو رفض زوجها، إلا إذا تعارض ذلك مع مصلحة الأسرة، والتي تقضي بحرية عمل المرأة دون تسلط زوجها وإجبارها على عدم العمل في حال كان ذلك لا يضر بأسرتها».
وتابعت: «أما النقطة الثالثة فهي تحديد حالات سقوط النفقة والتي استمدت أحكامها من صحيح الدين الإسلامي وشريعته الغراء، وجاءت لتحديد الأطر التي يجب على الزوجة اتباعها مع زوجها، فلا يجب أن تمنع الزوجة نفسها عن زوجها، أو منعه من الدخول إلى بيت الزوجية». الإصلاح بين الزوجين
وقال المحامي سعود بالحاج إن «الناظر في المرسوم بقانون رقم 8 لسنة 2019 والمعدل لبعض أحكام القانون الاتحادي رقم 28 لسنة 2005 في شأن الأحوال الشخصية، يرى بوضوح وجلاء أنه ما جاء إلا محافظاً على كيان الأسرة، مرسخاً دعائمها، ومعلياً لواء رباطها المقدس».
وأضاف «لعل أبرز ما تناولته نصوص التعديل الجديد هو حكم المادتين (118-120) فاستلزمت المادة (118) ثبوت الضرر للقضاء بالتطليق وإلا رفضت الدعوى، فإذا ما استفحل الشقاق بين الزوجين واستمر كان للمتضرر أن يرفع دعوى جديدة، وهنا ولاستحكام الشقاق بين الزوجين فإن القاضي يعين حكمين للإصلاح بينهما وذلك إذا ما تعذر على لجنة التوجيه الأسري والقاضي الإصلاح. إثبات الضرر
وأوضح المحامي علي مصبح أنه يجوز للمحكمة رفض دعوى الطلاق في حال لم يتم إثبات الضرر بين الزوجين. وبين أن ثمة أسباباً واقعية مصيرية تستحق الزوجة أو الزوج بموجبها طلب الطلاق، ويكون منصوصاً عليه بموجب القانون، سواء بعد تقديم المستندات أو عند سماع الشهود أو بتقرير الحكمين.
قصص من الواقع نسي الاحتفاء بذكرى زواجهما فطلبت الانفصال
لا أحد يختلف أن الطلاق قد يكون الحل الأمثل لبعض الخلافات الزوجية خصوصاً إذا تعذر استمرار العلاقة بين الطرفين بعد استنفاد جميع الحلول والمحاولات، ولكنه في المقابل قد يكون جريمة اجتماعية، وقراراً أرعن مجرداً من المسؤولية، مثل حالات الطلاق لأسباب واهية، ومن هذه الحالات أن زوجة طلبت الطلاق لأن زوجها نسي الاحتفاء بذكرى زواجهما، كما أصرت أخرى على الطلاق بسبب شعورها بالملل مع زوجها، فحياتهما خالية من التجديد الذي رأته أمراً أساسياً في استمرارية حياتهما معاً.
وهناك نساء لا يترددن في طلب الطلاق لأسباب يرينها مقنعة بالنسبة لهن كالزوجة التي طلبت الطلاق لممارسة زوجها الكذب في كل شيء، وعندما طلبت منه أن يكون واضحاً وصادقاً في أفعاله وتصرفاته أوضح لها أنها لا تستحقه، وأخرى أيضاً طلبت الطلاق لاكتشافها أن فكر زوجها يعد طفولياً مقارنة بفكرها، واتهمته بأنه ذو أحلام تافهة.
وهناك مَن طلبت الطلاق لأنها ترى زوجها ذا شخصية ضعيفة لاحترامه الكبير لوالديه، وتعلقه بأخواته، وهي تفضل أن يكون زوجها صاحب شخصية قوية.