حديث: لا يجلد فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله
حديث: لا يجلد فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله
الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك
عن أبي بردة هانئ بن نيار البلوي - رضي الله عنه - أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لا يجلد فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله".
قوله: (لا يجلد فوق عشرة أسواط)، وفي رواية: لا تجلدوا فوق عشرة أسواط وفي رواية: "لا عقوبة فوق عشر ضربات".
قوله: (إلا في حد من حدود الله).
قال الحافظ: (ظاهره أن المراد بالحد ما ورد فيه من الشارع عدد من الجلد أو الضرب مخصوص أو عقوبة مخصوصة، وقال: وذهب بعضهم إلى أن المراد بالحد في حديث الباب حق الله، قال ابن دقيق العيد: بلغني أن بعض العصريين قرَّر هذا المعنى بأن تخصيص الحد بالمقدرات أمر اصطلاحي من الفقهاء، وأن عرف الشرع أول الأمر كان يطلق الحد على كل معصية كبرت أو صغرت، وتعقبه ابن دقيق العيد أنه خروج عن الظاهر، ويحتاج إلى نقل، والأصل عدمه، قال: ويرد عليه أنا إذا أجزنا في كل حق من حقوق الله أن يزاد على العشر، لم يبق لنا شيء يختص المنع به؛ لأن ما عدا المحرمات التي لا يجوز فيها الزيادة، هو ما ليس بمحرم، وأصل التعزير أنه لا يشرع فيما ليس بمحرم، فلا يبقى لخصوص الزيادة معنى، قال الحافظ: والعصري المشار إليه أظنه ابن تيمية، وقد تقلَّد صاحبه ابن القيم المقالة المذكورة، فقال: الصواب في الجواب أن المراد بالحدود هنا الحقوق التي هي أوامر الله ونواهيه، وهي المراد بقوله: ﴿ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [البقرة: 229]، وفي أخرى: ﴿ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ﴾ [الطلاق: 1]، وقال ﴿ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا ﴾ [البقرة: 187]، وقال: ﴿ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا ﴾ [النساء: 14]، قال فلا يزاد على العشر في التأديبات التي لا تتعلق بمعصية كتأديب الأب ولده الصغير، قلت: ويحتمل أن يفرق بين مراتب المعاصي فما ورد فيه تقدير لا يزاد عليه، وهو المستثنى في الأصل، وما لم يرد فيه تقدير، فإن كان كبيرة جازت الزيادة فيه، وأطلق عليه اسم الحد كما في الآيات المشار إليها والتحق بالمستثنى، وإن كان صغيرة فهو المقصود بمنع الزيادة، فهذا يدفع إيراد الشيخ تقي الدين على العصري المذكور إن كان ذلك مراده، قال: وقد اختلف السلف في مدلول هذا الحديث، فأخذ بظاهره الليث وأحمد في المشهور عنه، وإسحاق وبعض الشافعية، وقال مالك والشافعي وصاحبا أبي حنيفة: تجوز الزيادة على العشر)[1]؛ انتهى.
عن عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط، فاقتلوا الفاعل والمفعول به"؛ رواه الخمسة إلا النسائي رواه أبو داود.
قال الشوكاني: وفي الباب عن أبي هريرة عند ابن ماجه والحاكم: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "اقتلوا الفاعل والمفعول به أحصنا أو لم يحصنا"، وإسناده ضعيف، قال ابن الطلاع في أحكامه: لم يثبت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه رجم في اللواط ولا أنه حكم فيه، وثبت عنه أنه قال: "اقتلوا الفاعل والمفعول به"؛ رواه عنه ابن عباس وأبو هريرة انتهى، وأخرج البيهقي عن علي - رضي الله عنه - أنه رجم لوطيًّا، فقال الشافعي وبهذا نأخذ يرجم اللوطي محصنًا كان أو غير محصن، وأخرج البيهقي أيضًا عن أبي بكر أنه جمع الناس في حق رجل ينكح كما ينكح النساء، فسأل أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك، فكان من أشدهم قولًا يومئذ قول علي - رضي الله عنه – قال: هذا ذنب لم تعص به أمة من الأمم إلا أمة واحدة صنَع الله بها ما قد علِمتم، نرى أن نحرقه بالنار، فاجتمع أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على أن يحرقه بالنار، فكتب أبو بكر إلى خالد بن الوليد يأمره أن يحرقه بالنار، وفي إسناده إرسال، ورُوي من وجه آخر عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي في هذه القصة، قال: يُرجم ويحرق بالنار، وأخرج البيهقي أيضًا عن ابن عباس أنه سئل عن حد اللوطي، فقال: ينظر أعلى بناء في القرية، فيُرمى به منكسًا، ثم يُتبع الحجارة، وذهب عمر وعثمان إلى أنه يلقى عليه حائط وذهب ابن عباس إلى أنه يلقى من أعلى بناء في البلد، وقد حكى صاحب الشفاء إجماع الصحابة على القتل، وما أحق مرتكب هذه الجريمة ومقارف هذه الرذيلة الذميمة بأن يعاقب عقوبة يصير بها عبرة للمعتبرين، ويعذب تعذيبًا بكسر شهرة الفسقة المتمردين، فحقيق بمن أتى بفاحشة قوم ما سبقهم بها من أحد من العالمين أن يَصلى من العقوبة بما يكون في الشدة والشناعة مشابهًا لعقوبتهم، وقد خسف الله بهم، واستأصل بذلك العذاب بكرهم وثيبهم[3]؛ انتهى ملخصًا.
قال ابن القيم: ولم يثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قضى في اللواط بشيء؛ لأن هذا لم تكن تعرفه العرب ولم يرفع إليه -صلى الله عليه وسلم- ولكن ثبت عنه أنه قال: اقتلوا الفاعل والمفعول به؛ رواه أهل السنن الأربعة، وإسناده صحيح، وقال الترمذي: حديث حسن، وحكم به أبو بكر الصديق، وكتب به إلى خالد بعد مشاورة الصحابة، وكان علي أشدَّهم في ذلك، وقال ابن القصار وشيخنا: أجمعت الصحابة على قتله، وإنما اختلفوا في كيفية قتله، فقال أبو بكر الصديق: يُرمى من شاهق، وقال علي - رضي الله عنه - يهدم عليه حائط، وقال ابن عباس: يقتلان بالحجارة، فهذا اتفاق منهم على قتله وإن اختلفوا في كيفيته، وهذا موافق لحكمه -صلى الله عليه وسلم- فيمن وطئ ذات محرم؛ لأن الوطء في الموضعين لا يباح للواطئ بحال، ولهذا جمع بينهما في حديث ابن عباس - رضي الله عنه - فإنه روى عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوه، وروى أيضًا عنه من وقع على ذات محرم، فاقتلوه، وفي حديثه أيضًا بالإسناد من أتى بهيمة فاقتلوه، واقتلوها معه وهذا الحكم على وَفق حكم الشارع، فإن المحرمات كلما تغلظت تغلظت عقوباتها، ووطء من لا يباح بحال، أعظم جرمًا من وطء من يباح في بعض الأحوال، فيكون حده أغلظ، وقد نص أحمد في إحدى الروايتين عنه أن حكم من أتى بهيمة حكم اللواط سواء، فيقتل بكل حال أو يكون حده حد الزاني.
واختلف السلف في ذلك، فقال الحسن: حده حد الزاني، وقال أبو سلمة عنه يقتل بكل حال، وقال الشعبي والنخعي: يعزَّر وبه أخذ الشافعي، ومالك وأبو حنيفة وأحمد رواية، فإن ابن عباس - رضي الله عنه - أفتى بذلك وهو راوي الحديث[4]؛ انتهى والله الموفق.