وقفات مع القدوم إلى الله (3)
وقفات مع القدوم إلى الله (3)
القدوم إلى الله هو رحلة مستمرة طوال حياة المؤمن، يسعى فيها للتقرب من الله تعالى في كل لحظة، وفي كل عمل.
فقه القدوم إلى الله:
هو العلم الذي يهتم بدراسة كيفية الاستعداد للقاء الله، وما يتضمنه ذلك من أعمالٍ وأخلاقٍ.
ويسعى إلى توضيح كيفية تحقيق الفوز في الحياة الآخرة من خلال العمل الصالح في الدنيا، والعمل بمرضاة الله تعالى، والحرص على ذلك.
ومما يسهِّل ويساعد الإنسان للقدوم إلى الله اليقينُ الجازم والصادق.
ورحلةُ اليقين بالله هي رحلة مستمرة، تتطلب جهدًا وتفكُّرًا وتجربة، إنها رحلة تزيد من قوة الإيمان والصلة بالله، وتجعل الحياة أكثرَ سعادة وراحة.
مفهوم اليقين:
• قال ابن سعدي: "اليقين: هو العلم التام الذي ليس فيه أدنى شكٍّ، الموجب للعمل".
• قال أبو بكر بن ظاهر: "العلم تعارضه الشكوك، واليقين لا شكَّ فيه".
• قال سهل: "اليقين من زيادة الإيمان".
• قال ابن خفيف: "هو تحقُّق الأسرار بأحكام المغيبات".
• قال ذو النون: "اليقين يدعو إلى قِصر الأمل، وقصر الأمل يدعو إلى الزهد".
مراتب اليقين:
ذكر العلماء أن لليقين ثلاثَ مراتب: علم اليقين، وعين اليقين، وحق اليقين.
ومثَّلوا ذلك بقولهم: "من أخبرك أن عنده عسلًا وأنت لا تشك في صدقه، ثم أراك إياه فازددتَ يقينًا، ثم ذُقت منه، فالأول علم اليقين، والثاني عين اليقين، والثالث حق اليقين".
واليقين بالله هو الإيمان الراسخ، والثقة المطلقة بقدرة الله وعلمه، وحكمته ورحمته، وهو من أعظم الصفات التي يمكن أن يتحلى بها المؤمن، وله فوائدُ جمَّة في الدنيا والآخرة؛ ومن هذه الفوائد:
1. طمأنينة القلب وراحته:
اليقين بالله يمنح القلب طمأنينة وراحة لا تضاهيها أي راحة أخرى، فالمؤمن يعلم أن الله معه في كل لحظة، وأن كل ما يحدث له هو بقضاء الله وقدره؛ قال تعالى: ﴿ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28].
2. قوة التوكل على الله:
اليقين بالله يقوِّي التوكل على الله، فالمؤمن يعلم أن الله هو المدبِّر لكل شيء، وأنه لا يحدث شيء في الكون إلا بإذنه.
قال تعالى: ﴿ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [المائدة: 23].
3. الثبات على الحق:
اليقين بالله يمنح المؤمن الثباتَ على الحق، فلا يزعزعه شيء عن دينه وعقيدته، مهما كانت الظروف والتحديات؛ قال تعالى: ﴿ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ﴾ [إبراهيم: 27].
4. حسن الظن بالله:
اليقين بالله يدفع المؤمن إلى حسن الظن بالله، فيعلم أن الله لا يقدر له إلا الخير، وأن كل ما يحدث له هو لحكمة بالغة.
قال صلى الله عليه وسلم: ((قال الله عز وجل: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حيث يذكرني))؛ [متفق عليه].
5. قوة العزيمة والإرادة:
اليقين بالله يمنح المؤمن قوةَ العزيمة والإرادة، فيسعى لتحقيق أهدافه وغاياته، ولا يستسلم لليأس والإحباط.
قال تعالى: ﴿ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾ [آل عمران: 159].
6. النجاة من الشدائد:
اليقين بالله يكون سببًا لنجاة المؤمن من الشدائد والمحن، فالله تعالى ينجِّي عباده المؤمنين من كل سوء؛ قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴾ [الطلاق: 2، 3].
7. الفوز بالجنة:
اليقين بالله هو من أعظم أسباب الفوز بالجنة، فالمؤمن الذي يُوقِن بالله حقَّ اليقين يكون من أهل الجنة.
قال صلى الله عليه وسلم: ((من شهد أن لا إله إلا الله مستيقنًا بها قلبه، دخل الجنة))؛ [رواه مسلم].
اليقين بالله هو كنز عظيم، فمن رزقه الله إياه، فقد رُزق خيرًا كثيرًا، فنسأل الله أن يرزقنا اليقين به، وأن يجعلنا من عباده الموقنين.
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|