هل عَلِمتَ صلاتك… أم تعلّمتها؟
في لحظة تأمل، تساءلت:
إن كانت الصلاة هي عماد الدين،
فلماذا لم يُفصّلها الله في كتابه
كما فصّل المواريث والطهارة والزكاة؟
فالذي يتأمل القرآن لا بعين الحرف،
بل ببصيرة الروح،
يدرك أن الصلاة ليست فعلًا يُتعلَّم،
بل سرًّا يُعلَم، ونورًا يُلْهَم،
لا تبلغه الكتب ولا تشرحه الدروس.
قال تعالى:
﴿كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ﴾
ولم يقل: تعلَّم.
لأن الصلاة ليست درسًا محفوظًا،
بل معرفة مغروسة، تُستخرج
من عمق الروح لا من ظاهر الشريعة.
الصلاة التي نعرفها نحن أركان
وحدود، أما الصلاة التي يعرفها
أهل الله فهي وصال لا ينقطع،
وخشوع لا يُصطنع، وشهود لا يزول.
إن الله حين فصّل المواريث
بدقة في سورة النساء،
وبيّن لنا الصيام، وشرح الزكاة،
وحتى كيفية الصلاة على النبي ﷺ،
لم يُفصّل لنا القيام والركوع والسجود،
لأنه جلّ في علاه لم يُرِدْ
أن يجعل الصلاة شكلًا محفوظًا،
بل أرادها مقامًا مشهودًا.
فلو كانت الصلاة ظاهرًا فقط،
لذُكرت كما ذُكرت عدة الطلاق
وعدة الوفاة، لكنها أكبر من أن
يُحاط بها رسم أو يُعبَّر عنها بحدود.
الناس يُقيمون الصلاة في أوقاتها،
أما العارفون فيُقيمون أنفسهم في الصلاة،
لا يخرجون منها،
لا بالسلام ولا بانتهاء الأذان،
لأنهم في دوامها،
كما قال تعالى:
﴿الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ﴾.
من ذاق طعم الدوام،
علم أن السجود لا ينتهي برفع الرأس،
وأن القلب إذا سجد لا ينهض
أبدًا من تراب الحضرة.
الصلاة الحقة ليست مشهدًا
تراه العيون، بل أثرًا يراه
الحق في قلبك،
هي بصمة فيك لا تتكرر،
لها نورها الخاص،
وعطرها الخاص،
لا تُشبه صلاة أحد،
ولا يذوقها غيرك.
فاصل ونتواصل
لكم خالص تحياتى وتقديرى
الدكتور علــى