علو الهمة عند الصحابة رضي الله عنهم
الصحابة الكرام رضى الله عنهم أعلى الأمم هِمّة
أجمع أهل السنة و الجماعة على أنهم رأس الأولياء,وصفوة الأتقياء , وقدوة المؤمنين , وأسوة المسلمين , وخير عباد الله بعد الأنبياء والمرسلين , جمعوا بين العلم بما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم , وبين الجهاد بين يديه صلى الله عليه وسلم , شرفهم الله بمشاهدة خاتم أنبيائه صلى الله عليه وسلم , وصحبته فى السراء والضراء , وبذلوا أنفسهم و أموالهم فى الجهاد فى سبيل الله عز وجل حتى صاروا خيرة الخيرة , وأفضل القرون بشهادة المعصوم صلى الله عليه وسلم ,
فهم خير الأمم سابقهم و لاحقهم , وأولهم و اّخرهم . هم الذين أقاموا أعمدة الإسلام بسيوفهم , وشادوا قصور الدين برمحاهم , واستبحاوا الممالك الكسروية , وأطفأوا الملة النصرانية و المجوسية , و قطعوا حبائل الشرك من الطوائف المشركة عربية و أعجمية ,
وأوصلوا دين الإسلام إلى أطراف المعمورة شرقها و غربها , ويمينها و شمالها , فاتسعت رقعة الإسلام , وطبقت الأرض شرائع الإيمان وانقطعت علائق الكفر , وانقصمت حباله , وانفصمت أوصاله , ودان بدين الله سبحانه الأسود والأحمر , والوثنى و الملى.
عن أبى وائل :قال عبد الله بن مسعود رضى الله عنه: " إن الله تعالى اطّلع فى قلوب العباد , فاختار محمداً صلى الله عليه وسلم , فبعثه برسالته , وانتجبه بعلمه , ثم نظر فى قلوب العباد بعدُ , فاحتار له أصحابا , فجعلهم أنصار دينه . ووزارة نبيه صلى الله عليه وسلم , فما راّه المؤمنين حسنا , فهو عند الله حسنا , وماراّه المؤمنون قبيحا , فهو عند الله قبيح" أخرجه أحمد , والبغوى فى " شرح السنة "
قال الشاعر :
سلام من الرحمن نحو جنابهم .....فإن سلامى لا يليق ببابهم
وقال اّخر :
أولئك قوم شيّدَ الله فخرهم.......فما فوقه فخر وإن عَظُمَ الفخرُ
ثبت فى الصحاح وغيرها أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال يوم خيبر : " لأ عطين الراية غدا رجلا يحب الله و رسوله , ويحبه الله ورسوله , ليس بفرّار يفتح الله على يديه " فبات الناس يدوكون أيهم يُعطاها , حتى قال عمر رضى الله عنه : " ما أحببت الإمارة إلا يومئذ" , فلما أصبح أعطاها عليا, ففتح الله على يديه "
وعن ربيعة بن كعب رضى الله عنه قال " " كنت أخدِمُ النبى صلى الله عليه وسلم نهارى , فإذا كان الليل اّويت إلى باب رسول الله صلى الله عليه و سلم , فبت عنده , فلا أزال أسمعه يقول :" سبحان الله , سبحان الله ,سبحان ربى " , حتى أمَلَّ , أو تغلبنى عينى فأنام , فقال يوماً : " ياربيعة سلنى فأعطيك " , فقلت : " أنظرنى حتى أنظر " , وتذكرت أن الدنيا فانية منقطعة , فقلت : " يا رسول الله أسألك أن تدعو لى أن ينجينى من النار , ويدخلنى الجنة " , فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم , ثم قال : " من أمرك بهذا ؟ " , فقلت : " ما أمرنى به أحد , ولكنى علمت أن الدنيا منقطعة فانية , وأنت من الله بالمكان الذى أنت منه , فأحببت أن تدعو الله لى " , قال : " إنى فاعل , فأعنى على نفسك بكثرة السجود "
ولفظ مسلم : ( كنت أبيت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم , فأتيته بوضوئه و حاجته , فقال لى : " سلنى " , فقلت : " أسألك مرافقتك فى الجنة " قال : " أو غير ذلك ؟ " , قلت : " هو ذاك " ,قال " فأعنى على نفسك بكثرة السجود ".
وعن عطاء بن أبى رباح قال : ( قال لى ابن عباس رضى الله عنهما : ألا أريك امرأة من أهل الجنة ؟ قلت : بلى , قال : هذه المرأة السوداء , أتت النبى صلى الله عليه وسلم فقالت : إنى أصرع , وإنى أتكشف , فادع الله لى , قال : " إن شئت صبرت ِ ولك الجنة , إن شئت دعوت الله عز وجل لأن يعافيك " قالت : " أصبر " , قالت " فإنى أتكشف , فادع الله أن لأ أتكشف " , فدعا لها
ومن تسابقهم فى الطاعات الذى يعكس علو هممهم رضى الله عنهم :
ما رواه عبد الله بن عمرو رضى الله عنهما : ( أن رجلا قال : " يا رسول الله , إن المؤذنين يفّضُلوننا " فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " قل كما يقولون , فإذا انتهيت فسل تُعط "
ومن ذلك أيضاً :- ما راوه أبو هريرة رضى الله عنه : أن فقراء المهاجرين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم , فقالوا : " قد ذهب أهل الدّثور بالدرجات العلى , والنعيم المقيم " , فقال : " وما ذاك ؟ " , قالوا : " يُصلون كما نصلى , و يصومون كما نصوم , ويتصدقون ولا نتصدق , ويعتقون ولا نعتق " , فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " أفلا أعلمكم شيئاً تدركون به من سبقكم , وتسبقون به من بعدكم , ولا يكون أحد أفضل منكم , إلا من صنع مثل ما صنعتم ؟ " قالوا : " بلى يا رسول الله " قال : " تسبحون , وتكبرون , و تحمدون دبر كل صلاة ثلاثا و ثلاثين مرة "-قال أبو صالح : فرجع فقراء المهاجرين إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالوا : " سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا , ففعلوا مثله " , فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء " )
ويُروى عن سليمان بن بلال رضى الله عنه : ( أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لما خرج إلى بدر , أراد سعد بن خيثمة و أبوه الخروج معه , فذكر ذلك للنبى صلى الله عليه و سلم , فأمر أن يخرج أحدهما , فاستهما, فقال خيثمة بن الحارث لا بنه سعد رضى الله عنهما : " إنه لا بد لأحدنا أن يقيم , فأقم مع نسائك " , فقال سعد : " لو كان غير الجنة لاّثرتك به , إنى أرجو الشهادة فى وجهى هذا " , فاستهما , فخرج سهم سعد , فخرج مع رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى بدر , فقتله عمرو بن عبد ود )
هكذا كانوا –رضى الله عنهم – لا تلوح منقبة أخروية , ولا فضيلة دينية إلا صعدوا إليها , واستشرفوا لها , وتنافسوا فيها.
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ