تشهد العلاقات المصرية الليبية، تطورا ملموسا خلال الآونة الأخيرة، عكسه بشكل لافت، اتفاقيات اقتصادية ضخمة، وتوقيع العديد من مذكرات التفاهم بين الجانبين، واستحواذ مصر على حصة كبيرة من مشاريع إعادة الإعمار الضخمة التي تسعى ليبيا لتنفيذها خلال الشهور المقبلة.
ومنذ أيام، وقع رئيس الحكومة الليبية عبد الحميد الدبيبة عقودا مع شركات مصرية لتنفيذ مشروع استكمال الطريق الدائري الثالث، المتوقف منذ مطلع عام 2007، والذي يبلغ طوله الإجمالي 23.8 كلم، وقيمته نحو 930 مليون دولار.
كما كانت الحكومة الليبية قد وقعت قبل ذلك عقودا مع ائتلاف شركات مصرية، لتنفيذ مشروعي صيانة وتوسعة طريقي "أوباري- غات" (غرب)، "أجدابيا- جالو" (شرق) واللذين يأتيان في إطار مشاريع متفق عليها بمليارات الدولارات، ضمن قطاعات الطاقة، الكهرباء، النّفط، مجالات البنية التّحتيّة، الصحة والتعليم، الإسكان، الإدارة والخدمة العامة.
وقدرت دراسة للجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا التابعة للأمم المتحدة "إسكوا" أن تستأثر دول جوار ليبيا بنحو 160 مليار دولار من قيمة المشاريع المخصصة للإعمار، خلال 4 سنوات، وهو ما يسهم في خفض معدل البطالة بنحو 6% في تونس، 9% في مصر، 14% في السودان.
ويتوقع مراقبون أن تستحوذ الشركات المصرية على نسبة تتراوح بين 60 و70% من مشاريع إعادة الإعمار في ليبيا، مما يمثل نقلة نوعية في مستوى العلاقات، يرى خبراء أنه سيكون له أثر إيجابي كبير على الاقتصاد المصري، كما سيمثل قيمة مضافة للاستقرار السياسي في المنطقة.
رهان مصري
الخبير الاقتصادي مصطفى عبد السلام يؤكد أن الاقتصاد الليبي مهم جدا لنظيره المصري، ويعتبر رهان القاهرة على طرابلس، ويمكن أن يخرج اقتصادها من عدة أزمات، مشيرا في هذا السياق إلى أن ليبيا كانت في عهد الرئيس الراحل معمر القذافي مصدرا مهما للنقد الأجنبي، كما أنها كانت مقصدا رئيسيا لصادراتها ومنتجاتها.
وأوضح، في حديثه للجزيرة نت، أن شركات المقاولات المصرية كانت تعتبر ليبيا سوقها الثاني، ومن ثم كانت مصر تحصد مليارات الدولارات سنويا، سواء في شكل صادرات أو تحويلات بنكية، وهو الأمر الذي تسعى إلى استعادته، من خلال ما تقوم به مؤخرا من إعادة تموضع في العلاقات مع جارتها.
ورغم إبرام الحكومة المصرية مع نظيرتها الليبية هذه الاتفاقيات والتعاقدات، وإعلان وزير الاقتصاد الليبي جاهزية بلاده لاستقبال مليون عامل مصري سيتم رفعهم إلى 3 ملايين خلال 3 سنوات، يرى عبد السلام أنه من المبكر توقع جاهزية ليبيا لتنفيذ ذلك، حيث إن حكومتها انتقالية، ومع تأجيل الانتخابات لا يمكن اعتبارها مهيأة لبدء مشاريع إعادة الإعمار الضخمة.
ولفت عبد السلام إلى أنه رغم هذه الاتفاقيات، فإن العمالة المصرية تواجه منافسة شرسة سواء من قبل العمالة الأفريقية الرخيصة أو من ناحية شركات مقاولات عالمية كبرى، ومن ثم فإنه لابد من انتظار إجراء الانتخابات، ليتضح بعدها ما إذا كانت الحكومة الجديدة ستمضي قدما في اتفاقات سالفتها، أم يمكن أن تراجع تلك التعاقدات.
وفي حال تم إقرار تلك الاتفاقيات، فإن عبد السلام يتوقع أن ينعكس ذلك بشكل قوي على الاقتصاد المصري الذي يبحث عن موارد دولارية إضافية، ستتمثل حينها في تحويلات المصريين المرتقبة، وإيرادات شركات المقاولات والصادرات، وهو ما يدفع مصر إلى الحرص على أن تكون رقم واحد في مشاريع إعادة الإعمار.
ويضيف الخبير الاقتصادي، بهذا السياق، أنه في ظل قراءة المشهد الحالي، فمن الواضح أن الحكومة الليبية متحمسة للحضور المصري، كما أن الجانب المصري حريص على هذا لأسباب تتعلق بحرصه على استقرار الحدود، وإيجاد الموارد الدولارية التي يمكن أن تكون بديلا عن الاقتراض الخارجي.