امتن الله عز وجل في الآيات السابقة على المؤمنين بتوجيههم إلى الكعبة قبلة أبيهم إبراهيم عليه السلام؛ إتماماً لنعمته عليهم وهدايتهم، ثم ذكرهم بسابق إنعامه عليهم بما هو أعظم بل بما هو أصل كل نعمة وهو إرسال محمد صلى الله عليه وسلم فيهم.
قوله: ﴿ كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ ﴾ الكاف للتشبيه، وهي محل نصب نعت لمصدر محذوف، والتقدير: وَجَّهتكم إلى الكعبة قبلة أبيكم إبراهيم لأتم نعمتي عليكم ولهدايتكم، وذلك كإنعامنا عليكم في إرسال محمد صلى الله عليه وسلم فيكم.
أي: أن إنعامنا عليكم باستقبال الكعبة ليس ببدع من نعمنا عليكم ولا بأولها بل أنعمنا عليكم قبل ذلك بما هو أجل وأعظم وهو إرسالنا فيكم رسولاً منكم؛ استجابة لدعوة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام في قولهما: ﴿ رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [البقرة: 128، 129].
﴿ وَيُزَكِّيكُمْ ﴾ أي: يطهركم من الشرك والأخلاق الرذيلة، وينمي في نفوسكم الأخلاق الحسنة الكريمة، كما قال صلى الله عليه وسلم: "إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق "[1].
﴿ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ ﴾ الجملة معطوفة على قوله:﴿ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَة ﴾ مقررة لها، من عطف العام على الخاص.
و"ما": موصولة، أي: ويعلمكم الذي لم تكونوا تعلمونه من أمر الدين والدنيا وغير ذلك، كما قال تعالى: ﴿ وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [النحل: 78]، وقال تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ﴾ [البقرة: 282].