الحديث الثاني : خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ
والنبي عليه الصلاة والسلام يقول ، عَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(( خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ))
[رواه البخاري]
لو فرضنا أخوين في دكان ، واحد منهما ملتزم بحضور مجالس العلم ، فإذا غادر الشريك الأول، الأخ الأول الدكان قبل المغرب بساعة ليصل إلى مجلس العلم ، الثاني الذي يبقى في الحانوت لا ينبغي أن يتألّم ، لا ينبغي أن يضجر ، يجب أن يعلم علم اليقين أنه مأجور بتساهله مع شريكه ، إذا كان طالب علم ، أما لو دخل شريكه ليصلي نفلا في المسجد فإنه لا يؤجر ، لأن هذا الوقت وقت العمل ، لو ذهب ليصلي الفريضة هذه لا شك فيها ، و لكن لو ذهب الشريك ليصلي وقت الضحى ثماني ركعات في المسجد تقربا إلى الله عز وجل هذا ليس عملا صالحا ، لأنه لم يبذل جهدا مكافئا لجهد شريكه في المحل ، إنه يتعبّد الآن ، العبادة شيء والعلم شيء آخر، قال :
(( لَعَلَّكَ تُرْزَقُ بِهِ ))
هذا الحديث يجب أن يوضع بين يدي كل مؤمن ليعلم أن طلب العلم لا شيء يعدله ، ولا شيء يفوقه ، ولا شيء يسمو عليه ، إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم ، وإذا أردتهما معا فعليك بالعلم ، والحقيقة أن أيَّة مشكلة تنشأ في حياتك سبب ها الجهل ، كم أسرة انهارت ، كم من امرأة طُلقت ، كم من زوج لقي جزاء عمله بسبب جهله ، لو أنه طلب العلم لما وقع في شر عمله ، لو أنه عرف حدود الله لما دفع الثمن غاليا ، لو أنه طبق الشرع الذي يجهله لما وقعت هذه المشكلة ، لو أنه عرف كيف ينبغي له أن يقرض وكيف ينبغي أن يستقرض ، وكيف ينبغي له أن يبيع ، و كيف ينبغي له أن يحترف ، من خلال مجالس العلم لما وقع في هذه الورطة الكبيرة ، لذلك ما من مشكلة ، وما من ورطة ، ومن مأساة إلا وراءها جهل مطبق ، أو إلا وراءها معصية لله عز وجل ، وما من معصية إلا وراءها جهل مطبق ، فلذلك طلب العلم فريضة ، و الذي يؤكده أن طلب العلم فرض عين ، أي على كل مسلم تقول لي : أنا اختصاصي محاماة ، طلب العلم عليك فريضة ، أنا نختص بالطب ، أنا مهندس ، أنا تاجر ، أنا صاحب مهنة ، أنا صاحب مصلحة ، طلب العلم فرض على كل مسلم ، هو نفسه هذا الطلب يرفع من شأن المسلم لأن الله سبحانه وتعالى ما اتخذ وليا جاهلا ، ولو اتخذه لعلمه ، ما اتخذ وليا جاهلا .
فائدة .
يفيد هذا الحديث أيضا أنه من انقطع لطلب العلم والتفقه في أحكام الدين لحفظ شريعة لله عز وجل فإن الله سبحانه و تعالى يهيئ له من يقوم بشؤونه و يكفيه حاجاته ، سبحان الله طلب العلم مطلب ثمين ، ربنا عز وجل يكافئ طالب العلم بأنه ييسِّر له أعماله في الدنيا ، من طلب العلم تكفل الله برزقه ، بمعنى أنه يعمل عملا قليلا ويكسب قوت يوه من دون حرج ، ومن دون ضيق ، ومن دون مشكلة ، لأن الله سبحانه وتعالى أول مكافأة له هذا الكلام لكم أيها الإخوة الأكارم ، أول مكافأة تكافؤون بها من قِبل الله عز وجل أنهم لما كنتم تطلبون العلم لوجه الله عز وجل فالله سبحانه و تعالى حق عليه أن ييسر لكم أموركم ، في أعمالكم ، الحديث القدسي :
(( ابن آدم خلقت لك السموات و الأرض و لم أعي بخلقهن ، أفيعييني رغيف أسوقه لك كل حين ، ليعليك فريضة ، ولك علي رزق ، فإذا خالفتني في فريضتي لم أخالفك في رزقك ، وعزتي و جلالي إن لم ترض بما قسمته لك فلأسلِّطن عليك الدنيا تركض فيها ركض الوحش في البرية ، ثم لا ينالك منها إلا ما قسمته لك و لا أبالي ، وكنت عندي مذموما " أنت تريد و أنا أريد ، فإذا سلمت لي فيما أريد كفيتك ما تريد ، وإن لم تسلم لي فيما أريد أتعبتك فيما تريد ، ثم لا يكون إلا ما أريد ))
[ ورد بالأثر ]
هذا الكلام كلام النبي عليه الصلاة و السلام ، ولا ينطق عن الهوى ، إن هو إلا وحي يوحى .
أنا أستمع إلى قصص كثيرة ، أن إنسانا آثر الدنيا على الآخرة فخسر الدنيا و الآخرة ، واللهِ وفق هذا الحديث آلاف القصص ، من آثر دنياه على آخرته خسرهما معا ، ومن آثر آخرته على دنياه ربحهما معا.
فمن خلال هذا الحديث الشريف الأول :
(( لَعَلَّكَ تُرْزَقُ بِهِ ))
يتضح لكم قيمة طلب العلم ، هذا الوقت لله ، الإنسان حينما يؤدي زكاة ماله يجب أن يعلم علم اليقين أنه يجب عليه أن يؤدي زكاة وقته ، زكاة الوقت أن تقتطع من وقتك الثمين وقتا تتعرف فيه إلى الله عز وجل ، إلى كتابه ، إلى سنة نبيه ، إلى أحكام دينه ، إلى سيرة أصحاب رسول الله عليهم رضوان الله ، هذا الوقت حينما تبذله رخيصا الله سبحانه وتعالى يبارك لك في وقتك .
كان بودّي أن تعلموا أنه يمكن أن يُستهلك وقتُك استهلاكا رخيصا لا حدود له ، قطعة في ماكينة عندك ، تستهلك لك عشر ساعات ، أو عشرين ساعة ، أو أياما عديدة ، من دون طائل ، فلذلك : احفظ الله يحفظك ، ابذل وقتك في سبيل معرفة الله يبارك لك الله في وقتك .
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|