كيف أدب النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه
كيف أدب النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه
وما زال عهدُ وأيَّامُ الرَّعيلِ الأوَّلِ يضع علاماتٍ ورؤوس أقلامٍ على صفحات أيَّام المسلمين في أوج تَخلِّيهم عن عمود الدِّين وأصلِه وأساسِه، مِن أخلاق ونقاءٍ وحُسْن معاملة، مع أنَّ أصْل دينِنا هو الأخلاقُ التي أصبحَت الآن عملةً نادرةً نتندَّر بها للبُكاء على ماضٍ مِن التُّراث الغابرِ، الَّذي أصبح يُسمَّى بالوهم والخيال، أو يُسبق بمقدمة تُقال للأساطير القصصيَّة، وهي: "كان ياما كان على عهد النبي عليْه الصَّلاة والسَّلام"، على اعتبار أنَّها حكاية أو "حدّوتة" تُقال على سبيل التَّسلية والطُّرفة والخيالات المليئة بالأوهام.
ولأنَّ دينَنا سماويٌّ، ونزل به أفضلُ الملائكة على أفضلِ البشَر ممَّن خَطَوْا على وجه هذه الأرض، وهو النبي محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم؛ ما كان يُراد لهذه الأمَّة إلَّا أن تكون فاضلةً، تَضْرب المثلَ الأعلى على أنَّها تَحْمِل عقيدةً سليمة صحيحة، وتنتهِج نهجًا يَقُود مَن ينتهجه إلى الجَنَّة.
ولعلَّ أحد أسباب التحوُّل العجيب والغريب، الذي قاده صانع النجوم الأوحد على وجه الأرض صلَّى الله عليه وسلَّم، في أن يحوِّل رعاة الغنم والأجلاف الأشداء إلى سادة وقادة يقودون العالم، وهم حُفاة لا يبحثون ولا يَنظرون إلا إلى طريقٍ واحد: رضا اللهِ ورسولِه، هو الطَّريق إلى الجَنَّة؛ لذلك تجِد العجائبَ التي تصطدم بها في مواقف هؤلاء النجوم والأبطال، وقد نبع هذا التحوُّل مِن داخلهم ليضربوا المثَل والقدوة لِمَن خلفهم، كيف تكون الحياة هادئة مُريحة بعد أن تعلَّموا كيف تكون الأخلاق، وقد تلقَّوها ممَّن قال: ((أدَّبَني ربي فأحسَنَ تأديبي)).
وممَّا يَزيدك عجبًا واندِهاشًا أنَّه صلَّى الله عليه وسلَّم - رغْم أنَّ الله عزَّ وجلَّ زكَّاه وأثنى عليه بقوله سبحانه: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4]، وهو الذي أَخْبَرَ عن سبب رسالتِه ودعوته إلى أهل الأرض بقوله: ((إنَّما بُعِثتُ لأتمِّم مكارم الأخلاق))؛ أي: إنَّ أهَمَّ أسبابِ رسالةِ الإسلام هي الأخلاقُ، وهو الذي قال: ((ألا وأنا حبيبُ الله ولا فخر، وأنا حاملُ لواء الحمْد يوم القيامة ولا فخْر، وأنا أوَّلُ شافعٍ وأوَّلُ مشفَّع يوم القيامة ولا فخر، وأنا أوَّل مَن يحرِّك حلقَ الجَنَّة، فيفتح اللهُ لي فيُدخلُنيها ومعي فُقراء المؤمنين ولا فخر، وأنا أكرم الأوَّلين والآخرين ولا فخر))، وهو الذي قال: ((مَثَلي ومَثَل الأنبياء قبْلي كمثَل رجلٍ بَنَى بنيانًا فأحسَنَه وأجمَلَه إلَّا موضع لَبِنةٍ في زاوية مِن زواياه، فجَعَل النَّاسُ يطوفون به ويتعجَّبون له ويقولون: هلا وُضِعَتْ هذه اللبنة))؛ أي: ليكتمل جمال البنْيان وجلاله، يقول المصطفى: ((فأنا اللبنةُ وأنا خاتم النَّبيِّين))، وهو الذي لمَّا سُئِلَت السيدةُ عائشة رضِيَ الله عنْها عن خُلُقه قالت: "كان خُلُقه القرآن"، كان قرآنًا يَمشي على الأرض؛ لذلك قاد مَن حوله بمجرَّد نظرهم إليْه صلَّى الله عليْه وسلَّم إلى أن قادوا العالَمَ بأخْلاقهم وأدبِهم ومعاملتهم.
فهو صلَّى الله عليْه وسلَّم رجلٌ إنساني مِن طرازٍ فريد، كأنَّه ما خُلِق في الأرض إلَّا ليمسح دموعَ البائسين، وليضمِّد جراح المجروحين، وليُذهب آلامَ البائسين المتألمين، وهو رجُلُ عبادةٍ قام بين يدَي الله حتَّى تورَّمَت قدماه، فلمَّا قيل له: أولم يغفِر اللهُ لك ما تقدَّم من ذنبك وما تأخَّر؟ قال قولتَه الجميلة: ((أفلا أكون عبدًا شكورًا))، ومع ذلك - وأرجو أن تتعجَّب مِن هذا جدًّا - كان من صحيح دعائه صلَّى الله عليْه وسلَّم: ((اللَّهُمَّ اهدني لأحسَنِ الأخلاقِ، لا يهْدي لأحسنِها إلَّا أنتَ، واصْرِف عنِّي سيِّئَها، لا يصرِف عنِّي سيِّئَها إلَّا أنتَ)).
يا الله! ما رأى أنَّه الأفضل أو الأطْهر أو أنَّه حبيب الله، بل والأعجب أنَّه يذكر نفسَه الشَّريفة الطَّاهرة دائما كلَّما نظر في المرآة بقوله الشَّريف: ((اللَّهُمَّ كما حسَّنْتَ خَلْقي فحسِّن خُلُقي)).
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|