المرأة والواقع المر
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجًا، هو الإله الحق لم يتخذ صاحبةً ولا ولدًا.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله تفرد بالبقاء، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله المصطفى.
الجذعُ حنَّ إليْكَ يا خيْرَ الورَى *** كيفَ النفوسُ إليكَ لا تشتاقُ
صلَّى عليكَ اللهُ ما لاحتْ لنا *** شمسٌ وما اهتزتْ هُنا أوراقُ
اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: فيا عباد الله، أيها المسلمون: تحرص الدول والحكومات على استقرارها، وتبذل أسباب عزها وبقائها، وتسد كل طريق يوصِّل لزعزعتها وزوالها، وهذا أمر متقرر في الشريعة الإسلامية والتي جاءت بالدعوة إلى كل خير، والتحذير من كل شر، وسد الطرق الموصلة إلى ما يقدح في المعتقد أو يفسد الأخلاق أو يؤدي إلى ظهور الفاحشة في المجتمع.
ومن تأمل نصوص الوحيين الكتاب والسنة، وجدها مليئةً بهذا، فقد حذر -عليه الصلاة والسلام- من انحرافات وتجاوزات إذا وقعت فسَد المجتمع، وإذا فسَد المجتمع حلَّت النكبات ووقعت العقوبات.
ومن ذلك أنه -عليه الصلاة والسلام- حذَّر من انفلات النساء وخروجهن عن أوامر الشرع؛ لأن هذا الانفلات سيؤدي إلى الافتتان بهن، عندها تظهر في المجتمع الفواحش والمنكرات.
قال -عليه الصلاة والسلام-: "إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ, وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا, فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ، فَاتَّقُوا الدُّنْيَا, وَاتَّقُوا النِّسَاءَ؛ فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ".
فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء، النساء من الدنيا لكن فتن الدنيا كلها في كفة وفتنة النساء في كفة؛ لذا لما ذكر الله شهوات الدنيا بدأ بذكر النساء، فقال –جل وعلا-: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ) [آل عمران: 14].
لذا قال بعض السلف: "لو ائتمنتُ على بيت من مال لكنت أمينًا، ولا آمنُ نفسي على أَمَةٍ شوْهاء".
وقد اشتد تحذير النبي –صلى الله عليه وسلم- من الافتتان بالنساء حتى قال: "إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ" فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ؟ أي قريب الزوج، قَالَ: "الْحَمْوُ الْمَوْتُ".
وقال -عليه الصلاة والسلام-: "مَا خَلَا رَجُلٌ بِامْرأةٍ إلَّا كَانَ الشَّيْطانُ ثَالِثَهُمَا"، ما خلا رجل بامرأة ولو كان أخًا لزوجها أو عمًّا له أو خالاً، ولو كان الرجل ابن عمها أو ابن خالها أو ابن عمتها أو ابن خالتها، ولو كان سائقًا أو خادمًا، ولو كان طبيبًا بمريضة، ولو كانت المرأة موظفةً عنده، ولو كانت خادمةً في البيت؛ "مَا خَلَا رَجُلٌ بِامْرأةٍ إلَّا كَانَ الشَّيْطانُ ثَالِثَهُمَا".
نصوص نبوية تحذر من فتنة تقع إذا فسدت النساء، وعلى هذا الطريق سار الصحابة الكرام، والأئمة الأعلام، فكانوا إذا رأوْا بداية انحراف وانفلات لَدَى النساء ارتفعت أصواتهم بالإنكار تحذيرًا للأمة قبل حلول الكارثة.
هذه الصدِّيقة بنت الصدِّيق فقيهة النساء، أم المؤمنين عائشة –رضي الله عنها- تقول: "لو رأى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ما رأينا من النساء لمنعهن المساجد كما مُنعت نساءُ بني إسرائيل".
من المساجد؟ من بيوت العبادة يا ابنة الصديق؟ يا أم المؤمنين، هذا في زمان التابعين، كيف لو رأت أم المؤمنين –رضي الله عنها- نساء اليوم؟! كيف لو وقفت على أسواقنا؟! كيف لو دخلت قصور أفراحنا؟! كيف لو أبصرت حال نسائنا؟! ما تقول؟!
وهذا معاوية –رضي الله عنه وأرضاه- أمير المؤمنين يصعد المنبر ثم يتناول قُصَّةً من شعر كانت في يد حرسي، ثم قال: يا أهل المدينة، أين علماؤكم؟َ سمعت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ينهى عن مثل هذه ويقول: "إِنَّمَا هَلَكَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ حِينَ اتَّخَذَ هَذِهِ نِسَاؤُهُمْ ".
قُصَّةً من شعر تزيد بها المرأة شعرها ينكر معاوية –رضي الله عنه- على أهل المدينة وجودها، وتساءل: أين علماؤكم؟
كيف لو رأى معاوية المشاغل النسائية ومراكز التجميل، وما يحدث فيها من نمص ووصل، ووشر وتفليج، وتغيير لشكل الأنف والشفتين؟! وتلاعب بخلق الله وتغيير له؟! مما يدل على أن من النساء من لم تقنع بخلق الله ولم ترض به.
وهذا الطاهر بن عاشور –رحمه الله- خرج يومًا من الأيام ليخطب بالناس الجمعة في جامع الزيتونة بتونس، ثم رأى نساءً متبرجاتٍ في الطريق، فصعد المنبر وحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: "نساءُ مَن اللاتي في الأسواق؟ فسكت الناس، فقال –رحمه الله-: لا خيرَ في صلاتكم ونساؤكم عرايا"، ثم أمر بإقامة الصلاة.
واليوم وأنا أرى من النساء ما يجرح الفؤاد، لا أقول أين الرجال، ولكن أقول: أين ذهبت نصوص الكتاب والسنة من حياة النساء والرجال؟! أين أثر القرآن والسنة على رجال ونساء يسمعون كلام الله في الصباح والمساء؟! أين ذهبت آيات الأحزاب؟! أم أن القلوب أصبحت خراب؟ أين ذهبت آيات النور؟ أم أن أنوارها لم تشرق على حياتنا؟!
أما قال الله في سورة الأحزاب: (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى) [الأحزاب: 32، 33].
أما قال الله في سورة الأحزاب: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) [الأحزاب: 59].
أما قال الله في سورة النور: (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [النور: 31].
عباد الله: نبئوني بعلم إن كنتم تعلمون، كيف حدث هذا الانحراف الذي نراه، ما الذي حدث لكثير من الناس؟ لماذا نزلت العباءة من على الرأس إلى الكتفين؟ لماذا قضي على غطاء الوجه واستبدل بنقاب يظهر الحاجبين والوجنتين؟
هذه النساء اللاتي تلبس البنطال والقصير، وتلبس العباءة الملونة والمخصرة والضيقة، هذا التفسخ والعري الذي نسمع عنه في الحفلات والمناسبات حتى أظهرت بعض النساء صدرها وبطنها وسرتها، ولبست ما يقرب من الركبة أو يجاوزها.
هذه النساء أما سمعت يومًا كلام الله؟! أما سمعت يومًا كلام الله وكلام رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أما سمعن قوله -عليه الصلاة والسلام-: " صِنْفَان مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا" وذكر: "نِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ، رُؤُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ، لَا يدْخُلْنَ الجنةَ ولَا يجِدْنَ رِيحَهًا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا".
هذه النساء اللاتي يركبن مع السائقين في سيارة مغلقةً، لا يدري عنهم إلا الله ثم يقال: ليست خلوةً. وإذا حانت منك التفاتةً بدون قصد إلى إحدى السيارات عند فتح بابها رأيت تساهلاً بالحجاب، وسمعت الضحكات، وشممت رائحة العطر تفوح، كأن السائق محرم لهن.
هذه النساء كيف تركن كتاب الله وسنة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وراء ظهورهن؟!
هؤلاء الرجال الذين قبلوا من نسائهم بهذا ألا يغارون؟! ألا يغارون؟! ألا يعلمون أن الله يغار وأن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يغار؟!
قال -عليه الصلاة والسلام-: "أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ؟ فَوَاللهِ لأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ، وَاللهُ أَغْيَرُ مِنِّي، ومِنْ أَجْلِ غَيْرَةِ اللهِ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ".
وقال -عليه الصلاة والسلام-: "إِنَّ اللَّهَ يَغَارُ وَإِنَّ الْمُؤْمِنَ يَغَارُ وَغَيْرَةُ اللهِ أَنْ يأتي الْمُؤْمِنُ مَا حَرَّمَ عَلَيْهِ"
عباد الله: تذكروا دائمًا أن الله يغار، تذكروا دائمًا أن الله يغار، وإذا غار عذب.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم: 6].
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|