الحمد لله، أشهد ألا إله إلا هو وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أشهد ألا إله إلا الله الحي القيوم، مالك الملك، ملك يوم الدين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله؛ إمام المتقين، وقائد الغر المحجلين، صاحب الشفاعة العظمى، وحامل لواء الحمد، وصاحب الحوض المورود، اللهم أوردنا حوضه، واجعلنا من أهل شفاعته، ومن أتباعه يوم الدين، وارزقنا مجاورته في جنات النعيم.
وقفات مع أشجار القرآن الكريم
عباد الله:
شجرة نعمة من الله امتن بها على نبي من أنبيائه؛ إذ أخرجه ضعيفًا متهالكًا، قد لبث في بطن الحوت، في ظلمات ثلاث، ظلمة الليل، وظلمة الأمواج المتلاطمة فوق، تعلوه، وظلمة بطن الحوت، خرج جائعًا مرهقًا، ضعيفًا، يونس ، نبذه الحوت، لا يستطيع حراكًا، لكن نعمة الله على عبده، وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ [سورة الصافات:146]، القرع يستظل بظلها، ويأكل منها؛ حتى نيئًا، فالله ينبت لكم من الشجر نعمة منه ، النخل، والزيتون، والرمان، والعنب، ومتشابهًا وغير متشابه، انظُرُواْ إِلِى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ [سورة الأنعام:99]، واشكروه -يا عباد الله- على هذه الثمار، وهذه الفواكه التي تجدونها متنوعة، قد جعلها لكم تستطيبونها في طعامكم، فجعل الغذاء من اللحم وغيره، وجعل الفاكهة من هذه الثمار، وجعل الطعام من هذه الخضار.
اشكروه -يا عباد الله- على هذه الثمار، وهذه الفواكه التي تجدونها متنوعة، قد جعلها لكم تستطيبونها في طعامكم، فجعل الغذاء من اللحم وغيره، وجعل الفاكهة من هذه الثمار، وجعل الطعام من هذه الخضار.
وشجرة بايع عندها أصحاب -رسول الله ﷺ نبيهم، بيعة الموت في سبيل الله، بايعوا على الموت في سبيل الله، في معركة الحديبية أثنى الله عليهم، أصحاب بيعة الرضوان، إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ [سورة الفتح:18]، فكان ذلك المكان الذي شهد هذه البيعة العظيمة؛ تذكيرًا لنا بالبيعة مع الله، نحن بايعنا الله، وبيعتنا مع الله أن نطيعه وألا نعصي أمره، أن نوحده وألا نشرك به شيئًا.
وشجرة ضل أصحابها، فعبدوها من دون الله، وصارت شركًا، ووبالاً، أصحاب الأيكة، الأيكة الشجرة الغيظة العظيمة، الملتفة المتشابكة، كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ [سورة الشعراء:1
]، كذبوا المرسلين، من؟ شعيب أخوهم، شعيب، بعث الله رجلاً منهم يدعوهم كذبوه وعبدوا الشجر من دون الله، وهكذا أهل الأوثان في العالم، عبدوا الشجر والحجر والبشر، وكم تجد لهم من معلقات في الأشجار! يلتمسون منها البركة، والبركة من الله ليست من الشجر، ولا من الحجر، ولا من البشر، البركة من الله، الله مصدر البركة، يطرح البركة فيما يشاء، وفيمن يشاء من عباده ومخلوقاته، والكتاب مبارك، رسول مبارك، وماء زمزم مبارك، البركة في الجماعة، البركة في الثريد، والسحور، البركة مع أكابركم، البركة في أشياء كثيرة، كما ورد في الشرع المطهر، لكن هؤلاء ضلال، عبدوا الشجر، وجعلوا يلتمسون يقدسونها، ويتمسحون بها، وبعضهم يقول: أعطني ولدًا، والآخر يستشفي، اشفي مريضًا منها، وهكذا كم كانت بعض الأشجار، بدلاً من أن تكون تذكيرًا بالتوحيد، وشكر للنعمة، تصبح مصدر شرك، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط[3].
وشجرة -يا عباد الله- فيها موعظة عظيمة لنا، إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعَامُ الْأَثِيمِ كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ كَغَلْيِ الْحَمِيمِ [سورة الدخان:43-46]، طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ [سورة الصافات:65]، في آيات أخرى، شجرة جعلها الله فتنة للظالمين من مشركي العرب، كأبي جهل، كيف كانت فتنة؟ قال الله تعالى: والشجرة الملعونة في القرآن، هذه الشجرة وخيمة، هذه شجرة عذاب، تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ [سورة الصافات:64]، أنبتها الله في أصل الجحيم، قال المشرك أبو جهل: كيف تنبت شجرة في قعر النار؟ والنار تأكل الشجر يعني: اعتراض على الله، أليس الله على كل شيء قدير؟ لقد خلق الإنسان من تراب، فإذا رميت رأسه بتراب متحجر، وطين يابس، أفلا تراه يشجه ويدميه؟ والله قادر يخلق الجن من النار، ويعذبهم بالنار، وينبت شجرة الزقوم في قعر النار، الشجرة الملعونة في القرآن؛ فتنة للظالمين، قبيحة المنظر، طلعها كأنه رؤوس الشياطين، هذه شجرة تذكير لنا، بأن نتقي عذاب الله.
اللهم قنا عذاب النار، يا غفار، قنا عذاب النار، يا غفار، واجعلنا في ظل عرشك يوم الدين، وفي ظل شجرة طوبى في الجنة، يا أرحم الراحمين، اللهم اغفر لنا أجمعين، وتب علينا، يا رب العالمين، اللهم اجمع كلمتنا على الحق المبين، يا غفار اغفر ذنوبنا، يا قهار كف شر عدونا، يا جبار اجبر كسرنا يا أرحم الراحمين، لا تفرق جمعنا إلا بذنب مغفور، وعمل مبرور، وسعي متقبل مشكور، اللهم إنا نسألك في مقامنا هذا أن تصلح نياتنا، وذرياتنا، وقلوبنا، اللهم وسع لنا في دورنا، وبارك لنا في أموالنا، واجعلها عونًا على طاعتك، اقضِ ديوننا، واستر عيوبنا، واغفر ذنوبنا، واشف مرضانا، وارحم موتانا، واجمع على الحق كلمتنا، وانصر إخواننا المستضعفين، يا رب العالمين، ثبت علينا الإيمان والأمن، ومن أراد بلدنا هذا بسوء وبلاد المسلمين فابطش به، وامكر به، واجعله نكالاً وعبرة يا رب العالمين، اللهم إنا ضعفاء وأنت القوي، اللهم إنا فقراء وأنت الغني، اللهم اجبر كسرنا، وارحم ضعفنا، واغفر ذنبنا يا رب العالمين، آمنا في الأوطان والدور، وأصلح الأئمة وولاة الأمور، واغفر لنا يا عزيز يا غفور، ربنا اغفر لنا ولوالدينا وللمؤمنين يوم يقوم الحساب، سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.