الاخطاء التى تقع في الحج ؟..
أخطاء تقع في الطواف
هذه من الأخطاء التي تقع في الطواف وهي على وجوه :
" الأول :
النطق بالنية عند إرادة الطواف، فتجد الحاج يقف مستقبلا الحَجَر إذا أراد الطواف ، فيقول : اللهم إني نويت أن أطوف سبعة أشواط للعمرة ، أو اللهم إني نويت أن أطوف سبعة أشواط للحج ، أو اللهم إني نويت أن أطوف سبعة أشواط تقربًا إليك .
والتلفظ بالنية بدعة ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفعله ، ولم يأمر أمته به ، وكل من تعبد لله بأمر لم يتعبد به رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يأمر أمته به ، فقد ابتدع في دين الله ما ليس منه ، فالتلفظ بالنية عند الطواف خطأ وبدعة ، وكما أنه خطأ من ناحية الشرع فهو خطأ من ناحية العقل ، فما الداعي إلى أن تتلفظ بالنية مع أن النية بينك وبين ربك ، والله سبحانه وتعالى عالم بما في الصدور وعالم بأنك سوف تطوف هذا الطواف ، وإذا كان الله سبحانه وتعالى عالماً بذلك فلا حاجة أن تظهر هذا لعباد الله .
والنبي صلى الله عليه وسلم قد طاف قبلك ولم يتكلم بالنية عند طوافه، والصحابة رضي الله عنهم قد طافوا قبلك ولم يتكلموا بالنية عند طوافهم، ولا عند غيره من العبادات ؛ فهذا خطأ.
الثاني :
أن بعض الطائفين يزاحم مزاحمة شديدة عند استلام الحَجَر والركن اليماني ، مزاحمة يتأذى بها ويؤذي غيره ، مزاحمة قد تكون مع امرأة ، وربما ينزغه من الشيطان نزع فتحصل في قلبه شهوة عندما يزاحم هذه المرأة في هذا المقام الضنك ، والإنسان بشر قد تستولي عليه النفس الأمارة بالسوء ، فيقع في هذا الأمر المنكر تحت بيت الله عز وجل ، وهذا أمر يكبر ويعظم باعتبار مكانه كما أنه فتنة في أي مكان كان .
والمزاحمة الشديدة عند استلام الحجر أو الركن اليماني ليست مشروعة ، بل إن تيسر لك بهدوء فذلك المطلوب ، وإن لم يتيسر فإنك تشير إلى الحجر الأسود .
أما الركن اليماني فلم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أشار إليه ، ولا يمكن قياسه على الحجر الأسود ؛ لأن الحجر الأسود أعظم منه ، والحجر الأسود ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أشار إليه .
والمزاحمة كما أنها غير مشروعة في هذه الحال ، وكما أنه يُخشى من الفتنة فيما إذا كان الزحام مع امرأة ، فهي أيضًا تُحدث تشويشاً في القلب والفكر ، لأن الإنسان لا بد عند المزاحمة من أن يسمع كلاما يكرهه ، فتجده يشعر بامتعاض وغضب على نفسه إذا فارق هذا المحل .
والذي ينبغي للطائف أن يكون دائما في هدوء وطمأنينة ، من أجل أن يستحضر ما هو متلبس به من طاعة الله ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : إنما جعل الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله .
الثالث :
أن بعض الناس يظنون أن الطواف لا يصح بدون تقبيل الحجر ، وأن تقبيل الحجر شرط لصحة الطواف ، ولصحة الحج أيضًا أو العمرة ، وهذا ظن خطأ ، وتقبيل الحجر سنة وليست سنة مستقلة أيضًا ، بل هي سنة للطائف ، ولا أعلم أن تقبيل الحجر يسن في غير الطواف ، وعلى هذا فإذا كان تقبيل الحجر سنة وليس بواجب ولا شرط ، فإن من لم يقبل الحجر لا نقول إن طوافه غير صحيح أو إن طوافه ناقص نقصا يأثم به ؛ بل طوافه صحيح وإذا وُجد زحام شديد فإن الإشارة أفضل من الاستلام ؛ لأنه هو العمل الذي فعله الرسول صلى الله عليه وسلم عند الزحام ، ولأن الإنسان يتقي به أذى يكون منه لغيره ، أو يكون من غيره له .
فلو سألنا سائل وقال : إن المطاف مزدحم فماذا ترون : هل الأفضل أن أُزاحم فأستلم الحجر وأقبله ، أم الأفضل أن أشير إليه ؟
قلنا : الأفضل أن تشير إليه ؛ لأن السنة هكذا جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم .
الرابع :
تقبيل الركن اليماني . وتقبيل الركن اليماني لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والعبادة إذا لم تثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهي بدعة وليست بقربة ، وعلى هذا فلا يشرع للإنسان أن يقبل الركن اليماني ، لأن ذلك لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما ورد فيه حديث ضعيف لا تقوم به الحجة .
الخامس :
بعض الناس عندما يمسح الحجر الأسود أو الركن اليماني يمسحه بيده اليسرى كالمتهاون به ، وهذا خطأ فإن اليد اليمنى أشرف من اليد اليسرى ، واليد اليسرى لا تُقدَّم إلا للأذى ، كالاستنجاء بها والاستجمار بها ، والامتخاط بها وما أشبه ذلك ، وأما مواضع التقبيل والاحترام ، فإنه يكون لليد اليمنى .
السادس :
أنهم يظنون أن استلام الحجر والركن اليماني للتبرك لا للتعبد ، فيتمسحون به تبركًا وهذا بلا شك خلاف ما قصد به ، فإن المقصود بالتمسح بالحجر الأسود أو بمسحه وتقبيله تعظيم الله عز وجل ، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا استلم الحجر قال : الله أكبر ، إشارة إلى أن المقصود بهذا تعظيم الله عز وجل ، وليس المقصود التبرك بمسح هذا الحجر، ولهذا قال أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه عند استلامه الحجر : والله إني لأعلم أنك حجر ، لا تضر ولا تنفع ، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك .
هذا الظن الخاطئ من بعض الناس- وهو أنهم يظنون أن المقصود بمسح الركن اليماني والحجر الأسود التبرك- أدى ببعضهم إلى أن يأتي بابنه الصغير فيمسح الركن أو الحجر بيده ، ثم يمسح ابنه الصغير أو طفله بيده التي مسح بها الحجر أو الركن اليماني ، وهذا من الاعتقاد الفاسد الذي يجب أن يُنهى عنه ، وأن يُبَيَّن للناس أن مثل هذه الأحجار لا تضر ولا تنفع ، وأن المقصود بمسحها تعظيم الله عز وجل وإقامة ذكره ، والاقتداء برسوله صلى الله عليه وسلم .
....
وكل هذه الأمور وأمثالها مما لا شرعية فيه ، بل هو بدعة ولا ينفع صاحبه بشيء ؛ لكن إن كان صاحبه جاهلا ولم يطرأ على باله أنه من البدع ، فيُرجى أن يعفى عنه ، وإن كان عالمًا أو متهاونًا لم يسأل عن دينه ، فإنه يكون آثما .
السابع :
أن بعض الناس يخصص كل شوط بدعاء معين ، وهذا من البدع التي لم ترد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، فلم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يخص كل شوط بدعاء ، ولا أصحابه أيضًا ، وغاية ما في ذلك أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول بين الركن اليماني والحجر الأسود : ( ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ) وقال صلى الله عليه وسلم : ( إنما جعل الطواف بالبيت والصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله ) .
وتزداد هذه البدع خطأ ، إذا حمل الطائف كتيبا ، كُتب فيه لكل شوط دعاء ، وهو يقرأ هذا الكتيب ، ولا يدري ماذا يقول ؛ إما لكونه جاهلا باللغة العربية ، ولا يدري ما المعنى ، وإما لكونه عربيًا ينطق باللغة العربية ولكنه لا يدري ما يقول ، حتى إننا نسمع بعضهم يدعو بأدعية هي في الواقع مُحرَّفة تحريفًا بينًا ، من ذلك أننا سمعنا من يقول : اللهم أغنني بجلالك عن حرامك ، والصواب : بحلالك عن حرامك .
ومن ذلك أيضًا أننا نشاهد بعض الناس يقرأ هذا الكتيب ، فإذا انتهى دعاء الشوط وقف ولم يدع في بقية شوطه ، وإذا كان المطاف خفيفًا ، وانتهى الشوط قبل انتهاء الدعاء ، قطع الدعاء .
ودواء ذلك أن نبين للحجاج ، بأن الإنسان في الطواف يدعو بما شاء وبما أحب ، ويذكر الله تعالى بما شاء ، فإذا بُيِّن للناس هذا زال الإشكال .
حكم من وقع في هذه البدع :
الناس في هذه الأمور التي يفعلونها :
إما جاهل جهلاً مطبقًا لا يطرأ بباله أن هذا محرم ، فهذا يُرجى أن لا يكون عليه شيء .
وإما عالم متعمد ليَضلَّ ويُضلَّ الناس ، فهذا آثم بلا شك وعليه إثم من اتبعه واقتدى به .
وإما رجل جاهل ومتهاون في سؤال أهل العلم ، فيُخشى أن يكون آثما بتفريطه وعدم سؤاله .
هذه الأخطاء التي سقناها في الطواف نرجو الله سبحانه وتعالى أن يهدي إخواننا المسلمين لإصلاحها، حتى يكون طوافهم موافقا لما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم . وليس الدين يؤخذ بالعاطفة والميل ، ولكنه يؤخذ بالتلقي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
اخطاء تقع في طواف الوداع
قال الشيخ محمد ابن عثيمين – رحمه الله - : " ثبت في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : أُمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت ، إلا أنه خفف عن الحائض " رواه البخاري (1755) ومسلم (1328) .
فالواجب أن يكون الطواف آخر عمل يقوم به الإنسان من أعمال الحج .
والناس يخطئون في طواف الوداع في أمور :
الأول :
أن بعض الناس لا يجعل الطواف آخر أمره ؛ بل ينزل إلى مكة ويطوف طواف الوداع ، وقد بقي عليه رمي الجمرات ، ثم يخرج إلى منى فيرمي الجمرات ثم يغادر ، وهذا خطأ ، ولا يجزئ طواف الوداع في مثل هذه الحال ، وذلك لأنه لم يكن آخر عهد الإنسان بالبيت الطواف ؛ بل كان آخر عهده رمي الجمرات .
الثاني :
أن بعض الناس يطوف للوداع ويبقى في مكة بعده ، وهذا يوجب إلغاء طواف الوداع ، وأن يأتي ببدله عند سفره . نعم لو أقام الإنسان في مكة بعد طواف الوداع لشراء حاجة أو لتحميل العفش أو ما أشبه ذلك فهذا لا بأس به .
الثالث :
أن بعض الناس إذا طاف للوداع وأراد الخروج من المسجد رجع القهقرى ، أي : رجع على قفاه ، يزعم أنه يتحاشى بذلك تولية الكعبة ظهره ، وهذا بدعة لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحد من أصحابه ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم أشد منا تعظيما لله تعالى ولبيته ، ولو كان هذا من تعظيم الله وبيته لفعله صلى الله عليه وسلم . وحيئذ فإن السنة إذا طاف الإنسان للوداع أن يخرج على وجهه ولو ولى البيت ظهره في هذه الحالة .
الرابع :
أن بعض الناس إذا طاف للوداع ثم انصرف ووصل إلى باب المسجد الحرام اتجه إلى الكعبة وكأنه يودّعها ، فيدعو أو يـُسلـِّم أو ما أشبه ذلك ، وهذا من البدع أيضا لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفعله ، ولو كان خيرا لفعله النبي صلى الله عليه وسلم "
الدعاء الجماعي أثناء الطواف
قال الشيخ محمد ابن عثيمين – رحمه الله - : " من الخطأ الذي يرتكبه بعض الطائفين أن يجتمع جماعة على قائد يطوف بهم ويُلَقِنَهُم الدعاء بصوت مرتفع فيتبعه الجماعة بصوت واحد ، فتعلو الأصوات ، وتحصل الفوضى ، ويتشوش بقية الطائفين ، فلا يدرون ما يقولون ، وفي هذا إذهاب للخشوع ، وإيذاءٌ لعباد الله في هذا المكان الآمن .
ويا حبذا لو أن هذا القائد إذا أقبل بهم على الكعبة وقف بهم وقال : افعلوا كذا ، وقولوا كذا ، ادعوا بما تحبون ، وصار يمشي معهم في المطاف حتى لا يخطئ منهم أحد ، فطافوا بخشوع وطمأنينة ، يدعون ربهم خوفاً وطمعاً ، وتضرعاً وخفيةً بما يحبونه ، وما يعرفون معناه ويقصدونه ،وسلم الناس من أذاهم .
(وكذلك) رفع الصوت بالدعاء فإن بعض الطائفين يرفع صوته بالدعاء رفعاً مزعجاً ، يُذهب الخشوع ، ويُسقط هيبة البيت ، ويُشوش على الطائفين ؛ والتشويش على الناس في عباداتهم أمر منكر، ( فعن أبي سعيد قال اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فسمعهم يجهرون بالقراءة فكشف الستر وقال ألا إن كلكم مناج ربه فلا يؤذين بعضكم بعضا ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة أو قال في الصلاة ) أخرجه أبو داوود (1332) وصححه الألباني في صحيح أبي داوود 1183.
ولكن بعض الناس - نسأل الله لنا ولهم الهداية - في المطاف يرفعون أصواتهم بالدعاء ، وهذا كما أن فيه المحذورات التي ذكرناها ، وهي إذهاب الخشوع ، وسقوط هيبة البيت ، والتشويش على الطائفين ، فهو مخالف لظاهر قوله تعالى : ( ادعوا ربكم تضرعاً وخفية إنه لا يحب المعتدين ) .
الشك في عدد أشواط الطواف والجمع بين القولين
أولاً : الشك لا يخلو من حالين :
الحال الأولى : أن يكون داخل العبادة، ففي هذه الحال يبني على الأقل ، فلو شك هل طاف خمساً أو ستاً بنى على الأقل "خمساً"، لأن هذا هو المتيقن والزيادة "ستاً" مشكوك فيها ، ودليل ذلك : قول النبي صلى الله عليه وسلم : (إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا فَلْيَطْرَحْ الشَّكَّ وَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ) رواه مسلم (888) .
قال ابن قدامة رحمه الله: "..وإن شك في عدد الطواف, بنى على اليقين. قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على ذلك. ولأنها عبادة فمتى شك فيها وهو فيها, بنى على اليقين كالصلاة..." انتهى من "المغني"(3/187)
الحال الثانية : أن يكون الشك بعد الفراغ من العبادة، فلا يلتفت إليه على الصحيح من أقوال العلماء، لأن الأصل سلامة العبادة من النقص، وحتى لا يفتح على نفسه باب الوسوسة.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (29/125): " أما إذا شك بعد الفراغ من الطواف فلا يلتفت إليه عند الجمهور, وسوى المالكية بينه وبين ما إذا كان في الطواف, وأطلق الحنفية عباراتهم في الشك..."انتهى .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " الشك بعد الفراغ من العبادة لا عبرة به ، ومثل ذلك : لو شك في أشواط الطواف هل طاف ستة أو طاف خمسة ، نقول : إذا كان في أثناء الطواف فليأت بما شك فيه ، وينتهي الموضوع ، وإذا كان بعد أن فرغ من الطواف وانصرف ، قال : والله ما أدري هل طفت ستة أو سبعة ؟ فلا عبرة بهذا الشك ، يلغي هذا الشك ، ويجعلها سبعة .
وهذه قاعدة مفيدة للإنسان : إذا كثرت الشكوك معه فلا يلتفت إليها ، وإذا وقع الشك بعد الفراغ من العبادة فلا يلتفت إليه ، إلا أن يتيقن ، فإذا تيقن وجب عليه أن يأتي بما نقص" انتهى من فتاوى "نور على الدرب" .
طاف للإفاضة والوداع في اليوم العاشر
أولا :
السنة للحاج أن يبقى في منى نهارا ، لفعله صلى الله عليه وسلم ، وله أن يخرج منها إلى مكة أو جدة ونحوها ، لا سيما إذا كان ذلك لعدم وجود مكان له في منى .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : هل الخروج في أيام التشريق إلى ما قرب من مكة كجدة مثلا غير مخلّ بالحج ؟
فأجاب : "لا يخل بالحج ، ولكن الأفضل أن يبقى الإنسان ليلا ونهارا بمنى كما بقي النبي صلى الله عليه وسلم فيها ليلا ونهارا ". انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (23/241، 243) .
وينظر جواب السؤال رقم 36244 .
ثانيا :
طواف الوداع إنما يكون بعد فراغ الإنسان من نسكه ، أي بعد أيام منى ورمي الجمرات ، ولا يجوز ولا يصح تقديمه على ذلك ، فمن طاف للوداع في اليوم العاشر أو الحادي عشر ، لم يجزئه .
ويجوز تأخير طواف الإفاضة لوقت الوداع ، كما سبق بيانه في جواب السؤال رقم 36870 .
قال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله : " وأما من مسكنه في جدة وطاف طواف الإفاضة قبل أن يخلّص الرجم ونوى في طوافه أن الطواف طواف إفاضة ووداع ، فهذا لا يجزيه عن الوداع ، لأنه لم يكمل أعمال الحج بعد .
ولو كان طوافه للإفاضة المذكور بعد فراغه من الرمي ونواه للإفاضة ، واكتفى به عن الوداع ، ولم يقم بعده بل سافر في الحال . كفاه عن الوداع " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن إبراهيم" (6/108) .
والحاصل : أن طوافكم للوداع غير صحيح ، وانصرافكم إلى جدة بعد المناسك دون طواف ، يلزمكم فيه دم ، وهو شاة تذبح في الحرم وتوزع على فقرائه .
وكذلك الزوجة يلزمها ذبح شاة ، ما لم تكن في وقت الوداع حائضا ؛ لأن الوداع يسقط عن الحائض ، لما روى البخاري (1755) ومسلم (1328) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ : (أُمِرَ النَّاسُ أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بِالْبَيْتِ إِلَّا أَنَّهُ خُفِّفَ عَنْ الْمَرْأَةِ الْحَائِضِ) .
ولا يصح طوافكم للوداع الآن ، ولا يسقط عنكم الدم بفعله ، لأنكم غادرتم مكة بلا وداع .
فقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله : نحن من سكان جدة قدمنا العام الماضي للحج ، وأكملنا جميع المناسك ما عدا طواف الوداع ، فقد أجلناه إلى نهاية شهر ذي الحجة ، وبعد أن خف الزحام عدنا ، هل حجنا صحيح ؟
فأجاب : "إذا حج الإنسان وأخر طواف الوداع إلى وقت آخر فحجه صحيح ، وعليه أن يطوف للوداع عند خروجه من مكة ، فإن كان في خارج مكة كأهل جدة وأهل الطائف والمدينة وأشباههم فليس له النفير حتى يودع البيت بطواف سبعة أشواط حول الكعبة فقط ليس فيه سعي ؛ لأن الوداع ليس فيه سعي بل طواف فقط ، فإن خرج ولم يودع البيت فعليه دم عند جمهور أهل العلم ، يذبح في مكة ويوزع على الفقراء والمساكين وحجه صحيح كما تقدم ، هذا هو الذي عليه جمهور أهل العلم ، فالحاصل أن طواف الوداع نسك واجب في أصح أقوال أهل العلم ، وقد ثبت عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال : " من ترك نسكا أو نسيه فليهرق دما " وهذا نسك تركه الإنسان عمدا ، فعليه أن يريق دما يذبحه في مكة للفقراء والمساكين ، وكونه يرجع بعد ذلك لا يسقطه عنه ، هذا هو المختار ، وهذا هو الأرجح عندي والله أعلم " انتهى من "مجموع فتاوى ابن باز" (17/ 397).
الوقوف على الحجر الأسود وتعطيل الطواف
عرض هذا السؤال على الشيخ محمد ابن عثيمين – رحمه الله – فقال :
" الوقوف عند هذا الخط لا يحتمل وقوفا طويلا ؛ بل يستقبل الإنسان الحجر ويشير إليه ويكبر ويمشي ، وليس هذا موقفا يطال فيه الوقوف ، لكني أرى بعض الناس يقفون ويقولون : نويت أن أطوف لله تعالى سبعة أشواط ، طواف العمرة ، أو تطوعا ، أو ما أشبه ذلك ، وهذا يرجع إلى الخطأ في النية ، وأن التكلم بالنية في العبادات بدعة ، لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه ؛ فأنت تؤدي العبادة لله سبحانه وتعالى ، وهو عالم بنيتك فلا يحتاج إلى أن تجهر بها "
أخطاء تقع في الذهاب إلى عرفة وفي عرفة
قال الشيخ محمد بن عثيمين – رحمه الله - :
" ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مكث يوم عرفة بنمرة ( وهو موضع قبل عرفة ) حتى زالت الشمس ( وهو أول وقت الظهر ) ، ثم ركب ، ثم نزل في بطن وادي عرنة ( وهو واد بين نمرة وعرفات ) ، فصلى الظهر والعصر ركعتين ركعتين جمع تقديم ، بأذان واحد وإقامتين ، ثم ركب حتى أتى موقفه فوقف ، وقال : وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف ، فلم يزل واقفا مستقبل القبلة رافعًا يديه يذكر الله ويدعوه حتى غربت الشمس وغاب قرصها فدفع إلى مزدلفة .
ومن الأخطاء التي يرتكبها الحجاج في عرفة ما يلي:
الأول :
أن الحجاج يمرون بك ولا تسمعهم يلبون، فلا يجهرون بالتلبية في مسيرهم من منى إلى عرفة، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة في يوم العيد .
الثاني :
ومن الأخطاء العظيمة الخطيرة أن بعض الحجاج ينزلون خارج عرفة ، ويبقون في منزلهم حتى تغرب الشمس ، ثم ينطلقون منه إلى مزدلفة ، وهؤلاء الذين وقفوا هذا الموقف ليس لهم حج ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " الحج عرفة " رواه الترمذي (889) وصححه الألباني في إرواء الغليل (1064) . فمن لم يقف في عرفة في المكان الذي هو منها، وفي الزمان الذي عين للوقوف بها فإن حجه لا يصح للحديث الذي أشرنا إليه ، وهذا أمر خطير.
وقد جُعلت علامات واضحة لحدود عرفة لا تخفى إلا على رجل مفرط متهاون ، فالواجب على كل حاج أن يتفقد الحدود حتى يعلم أنه وقف في عرفة لا خارجها .
ويا حبذا لو أن القائمين على الحجِّ أعلنوا للناس بوسيلة تبلغ جميعهم ، وبلغات متعددة ، وعهدوا إلى المُطَوّفين بتحذير الحُجّاج من ذلك ، ليكون الناس على بصيرة من أمرهم ، ويُؤَدُّوا حجَّهم على الوجه الذي تبرأ به الذِّمةُ .
الثالث :
أن بعض الناس إذا اشتغلوا بالدعاء في آخر النهار ، تجدهم يتجهون إلى الجبل الذي وقف عنده رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أن القبلة تكون خلف ظهورهم أو عن أيمانهم أو عن شمائلهم ، وهذا أيضًا جهل وخطأ ؛ فإن المشروع في الدعاء يوم عرفة أن يكون الإنسان مستقبل القبلة ، سواء كان الجبل أمامه أو خلفه ، أو عن يمينه أو عن شماله ، وإنما استقبل النبي صلى الله عليه وسلم الجبل ؛ لأن موقفه كان خلف الجبل ، فكان صلى الله عليه وسلم مستقبل القبلة ، وإذا كان الجبل بينه وبين القبلة فبالضرورة سيكون مستقبلا له .
الرابع :
أن بعضهم يظن أنه لا بد أن يذهب الإنسان إلى موقف الرسول صلى الله عليه وسلم الذي عند الجبل ليقف هناك ، فتجدهم يتجشَّمون المصاعب، ويركبون المشاق ، حتى يصلوا إلى ذلك المكان ، وربما يكونون مشاة جاهلين بالطرق فيعطشون ويجوعون إذا لم يجدوا ماء وطعاما ، ويضلـُّون في الأرض ، ويحصل عليهم ضرر عظيم بسبب هذا الظن الخاطئ ، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف " .
وكأنه صلى الله عليه وسلم يشير إلى أنه : ينبغي للإنسان ألا يتكلف ليقف في موقف النبي صلى الله عليه وسلم ، بل يفعل ما تيسر له ، فإن عرفة كلها موقف .
الخامس :
أن بعض الناس يعتقدون أن الأشجار في عرفة كالأشجار في منى ومزدلفة ، أي : لا يجوز للإنسان أن يقطع منها ورقة أو غصنـًا أو ما أشبه ذلك ؛ لأنهم يظنون أن قطع الشجر له تعلق بالإحرام كالصيد ، وهذا ظن خاطئ ، فإن قطع الشجر لا علاقة له بالإحرام ، وإنما علاقته بالمكان ، فما كان داخل حدود الحرم - أي : داخل الأميال - من الأشجار فهو محترم ، لا يعضد ولا يقطع منه ورق ولا أغصان، وما كان خارجـًا عن حدود الحرم فإنه لا بأس بقطعه ولو كان الإنسان محرما ، وعلى هذا فقطع الأشجار في عرفة لا بأس به ... ، ( وأما الأشجار التي غرسها الناس فلا يشملها تحريم قطع الشجرة من أجل الحرم ، ولكنها قد يحرم قطعها بسبب آخر وهو الاعتداء على حق من غرسها ، وعلى حق الحجاج أيضاً إذا كانت إنما غرست من أجل أن تلطف الجو ويستظل بها الناس من حر الشمس .
وعلى هذا فالأشجار المغروسة بعرفة لا يجوز قطعها لا من أجل الحرم وإنما لأن قطعها اعتداء على حق المسلمين عموماً ) .
السادس :
أن بعض الحجاج يعتقدون أن للجبل الذي وقف عنده النبي صلى الله عليه وسلم قدسية خاصة ، ولهذا يذهبون إليه ، ويصعدونه ، ويتبركون بأحجاره وترابه ، ويعلقون على أشجاره قصاصات الخرق ، وغير ذلك مما هو معروف ، وهذا من البدع ، فإنه لا يشرع صعود الجبل ولا الصلاة فيه ، ولا أن تعلق قصاصات الخرق على أشجاره ؛ لأن ذلك كله لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ، بل فيه شيء من رائحة الوثنية ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم مرَّ على شجرة للمشركين يعلقون بها أسلحتهم ، فقال من معه : يا رسول الله ، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : الله أكبر ، إنها السنن ، لتركبن سنَن من كان قبلكم ، قلتم- والذي نفسي بيده- كما قالت بنو إسرائيل لموسى: اجعل لنا إلها كما لهم آلهة . رواه الترمذي (2180) وحسنه الألباني في صحيح السنة للابن أبي عاصم .
وهذا الجبل ليس له قدسية ، بل هو كغيره من الروابي التي في عرفة ، والسهول التي فيها ، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم وقف هناك ، فكان المشروع أن يقف الإنسان في موقف الرسول صلى الله عليه وسلم إن تيسر له ، وإلا فليس بواجب ، ولا ينبغي أن يتكلف الإنسان الذهاب إليه لما سبق .
السابع :
أن بعض الناس يظن أنه لا بد أن يصلي الإنسان الظهر والعصر مع الإمام في المسجد ، ولهذا تجدهم يذهبون إلى ذلك المكان من أماكن بعيدة ليكونوا مع الإمام في المسجد ، فيحصل عليهم من المشقة والأذى والتيه ما يجعل الحج في حقهم حرجا وضيقا ، ويضيق بعضهم على بعض ، ويؤذي بعضهم بعضا ، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول في الوقوف : " وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف " ، وقال صلى الله عليه وسلم أيضا : " جُعلت لي الأرض مسجدا وطهورا " . فإذا صلى الإنسان في خيمته صلاة يطمئن فيها بدون أذى عليه ولا منه ، وبدون مشقة تلحق الحج بالأمور المحرجة ، فإن ذلك خير وأولى .
الثامن :
أن بعضهم يخرج من عرفة قبل أن تغرب الشمس ، فيدفع منها إلى المزدلفة ، وهذا خطأ عظيم ، وفيه مشابهة للمشركين الذين كانوا يدفعون من عرفة قبل غروب الشمس ، ومخالفة للرسول صلى الله عليه وسلم الذي لم يدفع من عرفة إلا بعد أن غابت الشمس وذهبت الصفرة قليلا ، كما جاء في حديث جابر رضي الله عنه .
وعلى هذا فإنه يجب على المرء أن يبقى في عرفة داخل حدودها حتى تغرب الشمس ؛ لأن هذا الوقوف مؤقت بغروب الشمس ، فكما أنه لا يجوز للصائم أن يفطر قبل غروب الشمس ، فلا يجوز للواقف بعرفة أن ينصرف منها قبل أن تغرب الشمس .
التاسع :
إضاعة الوقت في غير فائدة، فتجد الناس من أول النهار إلى آخر جزء منه وهم في أحاديث قد تكون بريئة سالمة من الغيبة والقدح في أعراض الناس ، وقد تكون غير بريئة لكونهم يخوضون في أعراض الناس ويأكلون لحومهم، فإن كان الثاني فقد وقعوا في محظورين :
أحدهما : أكل لحوم الناس وغيبتهم ، وهذا خلل حتى في الإحرام ؛ لأن الله تعالى يقول : { فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج } .
والآخر : إضاعة الوقت .
أما إن كان الحديث بريئا لا يشتمل على محرم ففيه إضاعة الوقت ، لكن لا حرج على الإنسان أن يشغل وقته بالأحاديث البريئة فيما قبل الزوال ، وأما بعد الزوال وصلاة الظهر والعصر فإن الأولى أن يشتغل بالدعاء والذكر وقراءة القرآن ، وكذلك الأحاديث النافعة لإخوانه إذا مل من القراءة والذكر ، فيتحدث إليهم أحاديث نافعة ؛ في بحث من العلوم الشرعية أو نحو ذلك مما يدخل السرور عليهم ، ويفتح لهم باب الأمل والرجاء لرحمة الله سبحانه وتعالى ، ولكن لينتهز الفرصة في آخر ساعات النهار ، فيشتغل بالدعاء ويتجه إلى الله عز وجل متضرعا إليه ، مخبتا منيبا طامعا في فضله راجيا ، لرحمته ، ويلح في الدعاء ، ويكثر من الدعاء الوارد في القرآن وفي السنة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن هذا خير الأدعية ، وإن الدعاء في هذه الساعة حري بالإجابة "
بعض الأخطاء التي تحدث في الذهاب إلى منى وفي المبيت بها ليلة عرفة
"من الأخطاء التي تكون في الذهاب إلى منى :
أن بعض الناس لا يجهر بالتلبية مع مشروعية الجهر بها ، فتمر بك أفواج الحجاج ولا تكاد تسمع واحداً يلبي ، وهذا خلاف السنة ، وخلاف ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه ، فالسنة للإنسان في التلبية أن يجهر بها ويرفع صوته بذلك ما لم يشق عليه ، وليعلم أنه لا يسمعه شيء من حجر أو مدر ، إلا شهد له يوم القيامة عند الله سبحانه وتعالى .
ومن ذلك أيضاً : أن بعض الحجاج يذهب رأساً إلى عرفة ولا يبيت في منى ، وهذا وإن كان جائزاً ؛ لأن المبيت في منى قبل يوم عرفة ليس بواجب ، لكن الأفضل للإنسان أن يتبع السنة التي جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بحيث ينزل في منى من ضحى يوم الثامن إلى أن تطلع الشمس لليوم التاسع ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ذلك وقال : (لتأخذوا عني مناسككم) رواه مسلم (1218) .
لكنه لو تقدم إلى عرفة ولم يبت في منى في ليلة التاسع فلا حرج عليه ؛ لحديث عروة بن المضرس أنه أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الفجر يوم العيد في مزدلفة وقال : يا رسول الله ، أكللت راحلتي وأتعبت نفسي ، فلم أر جبلاً إلا وقفت عنده فهل لي من حج ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (من شهد صلاتنا هذه ، ووقف معنا حتى ندفع ، وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلاً أو نهاراً ، فقد تم حجه وقضى تفثه) رواه أبو داود (1950) .
ولم يذكر الرسول صلى الله عليه وسلم المبيت بمنى ليلة التاسع ، وهذا يدل على أنه ليس بواجب .
ومن الأخطاء في بقاء الناس في منى في اليوم الثامن : أن بعض الناس يقصر ويجمع في منى ، فيجمع الظهر مع العصر ، والمغرب مع العشاء ، وهذا خلاف السنة ، فإن المشروع للناس في منى أن يقصروا الصلاة بدون جمع ، هكذا جاءت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإن كان الجمع جائزاً ؛ لأنه في سفر ، والمسافر يجوز له الجمع نازلاً وسائراً ، لكن الأفضل لمن كان نازلاً من المسافرين أن لا يجمع إلا لسبب ، ولا سبب يقتضي الجمع في منى ، ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجمع في منى ، ولكن يقصر الصلاة الرباعية إلى ركعتين ، فيصلي الظهر ركعتين في وقتها ، والعصر ركعتين في وقتها ، والمغرب ثلاثاً في وقتها ، والعشاء ركعتين في وقتها ، والفجر في وقتها" انتهى .
أخطاء تقع في الطريق إلى مزدلفة وفي مزدلفة
قال الشيخ محمد ابن عثيمين – رحمه الله - : " من الأخطاء التي تقع في الانصراف من عرفة إلى مزدلفة " :
الأول :
أنه في دفعهم من عرفة إلى المزدلفة تحدث المضايقات من بعضهم لبعض ، ومنها الإسراع الشديد الذي يؤدي أحيانا إلى تصادم السيارات ، وقد دفع النبي صلى الله عليه وسلم من عرفة بسكينة ، وكان عليه الصلاة والسلام دفع وقد شنق لناقته القصواء الزمام ، وهو يقول بيده الكريمة : أيها الناس ، السكينة السكينة ؛ ولكنه صلى الله عليه وسلم مع ذلك إذا أتى فجوة أسرع ، وإذا أتى حبلا من الحبال – أي مرتفعاً - أرخى لناقته الزمام حتى تصعد فكان صلى الله عليه وسلم يراعي الأحوال في مسيره هذا، ولكن إذا دار الأمر بين كون الإسراع أفضل أو التأني، فالتأني أفضل.
الثاني :
أن بعض الناس ينزلون قبل أن يصلوا إلى مزدلفة، ولا سيما المشاة منهم، يعييهم المشي ويتعبهم، فينزلون قبل أن يصلوا إلى مزدلفة، ويبقون هنالك حتى يصلوا الفجر ثم ينصرفوا منه إلى منى، ومن فعل هذا فإنه قد فاته المبيت في المزدلفة، وهذا أمر خطير جدا؛ لأن المبيت بمزدلفة ركن من أركان الحج عند بعض أهل العلم ، وواجب من واجباته عند جمهور أهل العلم ، وسنة في قول بعضهم ، والصواب أنه واجب من واجبات الحج ، وأنه يجب على الإنسان أن يبيت في مزدلفة ، وألا ينصرف إلا في الوقت الذي أجاز الشارع له فيه الانصراف كما سيأتي إن شاء الله تعالى .
الثالث :
أن بعض الناس يصلي المغرب والعشاء في الطريق على العادة ، قبل أن يصل إلى مزدلفة ، وهذا خلاف السنة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزل في أثناء الطريق وبال وتوضأ، قال له أسامة بن زيد الصلاة يا رسول الله ؟ قال : " الصلاة أمامك " أخرجه البخاري (1669) ومسلم (1280) . وبقي صلى الله عليه وسلم ولم يصل إلا حين وصل إلى مزدلفة ، وكان قد وصلها بعد دخول وقت العشاء فصلى فيها المغرب والعشاء جمع تأخير.
الرابع :
إن بعض الناس لا يصلي المغرب والعشاء حتى يصل إلى مزدلفة ولو خرج وقت صلاة العشاء ، وهذا لا يجوز وهو حرام من كبائر الذنوب ، لأن تأخير الصلاة عن وقتها محرم بمقتضى دلالة الكتاب والسنة ، قال الله تعالى : ( إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا ) النساء / 103، وبين النبي صلى الله عليه وسلم هذا الوقت وحدده ، وقال الله تعالى : { ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه } الطلاق / 1 ، وقال سبحانه : { ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون } البقرة / 229 .
فإذا خشي الإنسان خروج وقت العشاء قبل أن يصل إلى مزدلفة ، فإن الواجب عليه أن يصلي وإن لم يصل إلى مزدلفة، يصلي على حسب حاله ، إن كان ماشيا وقف وصلى الصلاة بقيامها وركوعها وسجودها، وإن كان راكبا ولم يتمكن من النزول فإنه يصلي ولو على ظهر سيارته ، لقوله تعالى : { فاتقوا الله ما استطعتم } التغابن / 16 ، وإن كان عدم تمكنه من النزول في هذه الحال أمرا بعيدا ؛ لأنه بإمكان كل إنسان أن ينزل ويقف على جانب الخط من اليمين أو اليسار ويصلي .
وعلى كل حال فإنه لا يجوز لأحد أن يؤخر صلاة المغرب والعشاء حتى يخرج وقت العشاء ، بحجة أنه يريد أن يطبق السنة فلا يصلي إلا في مزدلفة ، فإن تأخيره هذا مخالف للسنة ، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أخر، لكنه صلى الصلاة في وقتها .
الخامس :
أن بعض الحجاج يصلون الفجر قبل وقته ، فيصلون وينصرفون ، وهذا خطأ عظيم ، فإن الصلاة قبل وقتها غير مقبولة ؛ بل محرمة ، لأنها اعتداء على حدود الله عز وجل ، فإن الصلاة موقتة بوقت حدد الشرع أوله وآخره ؛ فلا يجوز لأحد أن يتقدم بالصلاة قبل دخول وقتها .
فيجب على الحاج أن ينتبه لهذه المسألة ، وألا يصلي الفجر إلا بعد أن يتيقن أو يغلب على ظنه دخول وقت الفجر ، صحيح أنه ينبغي المبادرة بصلاة الفجر في المزدلفة ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم بادر بها، ولكن لا يعني ذلك أن تصلى قبل الوقت . فليحذر الحاج من هذا العمل .
السادس :
أن بعض الحجاج يدفعون من مزدلفة قبل أن يمكثوا فيها أدنى مكث، فتجده يمر بها مرورا ويستمر ولا يقف، ويقول : إن المرور كاف ، وهذا خطأ عظيم ، فإن المرور غير كاف؛ بل السنة تدل على أن الحاج يبقى في مزدلفة حتى يصلي الفجر ، ثم يقف عند المشعر الحرام يدعو الله تعالى حتى يسفر جدا، ثم ينصرف إلى منى ( والإسفار هو انتشار ضوء النهار قبل طلوع الشمس ) ، ورخص النبي صلى الله عليه وسلم للضعفة من أهله أن يدفعوا من مزدلفة بليل . وكانت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما ترقب غروب القمر فإذا غاب القمر دفعت من مزدلفة إلى منى .
وهذا - الدفع بعد غروب القمر - ينبغي أن يكون هو الحد الفاصل ، لأنه فعل صحابي، والنبي صلى الله عليه وسلم أذن للضعفة من أهله أن يدفعوا بليل، ولم يبين في هذا الحديث حد هذا الليل ، ولكن فعل الصحابي قد يكون مبينا له ومفسرا له. وعليه ، فالذي ينبغي أن يحدد الدفع للضعفة ونحوهم ممن يشق عليهم مزاحمة الناس ، ينبغي أن يقيد بذلك بغروب القمر ، وغروب القمر في الليلة العاشرة يكون قطعا بعد منتصف الليل ، يكون بمضي ثلثي الليل تقريبا .
السابع :
أن بعض الناس في ليلة المزدلفة يحيي هذه الليلة بالقيام والقراءة والذكر ، وهذا خلاف السنة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم في تلك الليلة لم يتعبد لله عز وجل بمثل هذا، بل في صحيح مسلم من حديث جابر رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم لما صلى العشاء اضطجع حتى طلع الفجر ثم صلى الصبح . وهذا يدل على أن تلك الليلة ليس فيها تهجد أو تعبد أو تسبيح أو ذكر أو قرآن .
الثامن :
أن بعض الحجاج يبقون في مزدلفة حتى تطلع الشمس ، ويصلون صلاة الشروق أو الإشراق، ثم ينصرفون بعد ذلك، وهذا خطأ؛ لأن فيه مخالفة لهدي النبي صلى الله عليه وسلم، وموافقة لهدي المشركين ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم دفع من مزدلفة قبل أن تطلع الشمس حين أسفر جدا . والمشركون كانوا ينتظرون حتى تطلع الشمس .
فمن بقي في مزدلفة تعبدا لله عز وجل حتى تطلع الشمس ، فقد شابه المشركين ، وخالف سنة سيد المرسلين صلوات الله وسلامه عليه "
.
.
.