وعلى مدار عدة سنوات مضت، زاد الاهتمام بشكل كبير برفاهية الصحة النفسية والعقلية للإنسان، خاصة في الأماكن التي يتواجد فيها، كالمكتب، أو الشركة، أو أماكن الراحة، وذلك من أجل تعزيز الإنتاجية، ومساعدة الفرد على إنجاز مهامه الموكلة إليه بأفضل الطرق، إضافة إلى التركيز على فن العمارة في بناء المستشفيات، والمدارس لتقليل الشعور بالخوف والقلق، ولتعزيز عملية التعلم، ومن أجل تشجيع الأفراد على الابتكار والإبداع إلى حد ما.
في معظم بلدان العالم، يُطلق لقب المهندس على مصممي الديكور، ولم يأتي هذا اللقب من فراغ، وذلك لأن مصممين الديكورات، يأخذون بعين الاعتبار كافة جوانب المساحة، لاسيما الجوانب الخارجية، فضلاً عن العمل الفني، ولون الأثاث، والإضاءة، والأصوات الخارجية، والروائح المنبعثة، والعديد من العناصر التي يكون لها تأثير على صحة الإنسان النفسية والعقلية.
بدوره أكد “ين شانون” الخبير في فن العمارة والهندسة، وصاحب كتاب “العمارة وعلاقتها بالرفاهية العقلية والصحة”، أن فن التصميم المعماري والذي يقوم على توفير مساحات من أجل تكيف الإنسان وإعطاءهم إضافات مساحية للتكيف مع احتياجاتهم ومشاعرهم، قد يُضفي على الإنسان شعوراً بالسعادة الخالصة، كما وأردف أن المصممين يمكنهم وضع بصماتهم الفنية من أجل تحفيز السلوك الصحي الحسن عند الإنسان، ويكمن ذلك في تصميم السلالم بأشكال هندسية رائعة؛ تولد عن الإنسان النشاط البدني، وتعمل بالمقابل على تقليل استخدام الأدراج والمصاعد الكهربائية.
من ناحية أخرى، أكد المهندس” جي أهن” في حديث أجراءه مع وكالة المهندسين اليابانيين على ضرورة التركيز على مشاعر الإنسان عند رسم التصاميم المعمارية، فلا يقتصر الأمر على كون التصميم يتمتع بالشكل الجمالي، ولكن يجب أن يحمل التصميم نوعاً من الراحة الخالصة والذي يمتد تأثير على الحالة المزاجية للإنسان، لذا من الواجب وضع البشر في المرتبة الأولى قبل البدء في رسم خريطة التصميم، كما ووضح أن التصاميم الحديثة التي لا تقدم للفرد أي نوعاً من الفائدة، تتحول في كثير من الأحيان إلى مساحات ميتة، ولتجنب هذا الأمر، يجب العمل على ادراك حاجات الإنسان النفسية والجسدية، بمعنى أخر، إن كانوا صغاراً فمن الواجب توفير مساحات أكبر من أجل اللعب، وممارسة أنشطتهم، وتفريغ طاقاتهم، وفي حال كانوا أصحاب المكان كباراً في السن، فيجب تصميم فنون تُشعرهم بالراحة، والطمأنينة، والهدوء، وإضفاء نوعاً من الخصوصية.
هل للجمال دوراً بارزاً في تغيير المزاج؟
يُعرب الفيلسوف” ألان دي بوتون” أن الجمال يلعب دوراً بارزاً في تغيير الحالة المزاجية للإنسان، ففي حال أطلق الإنسان لقب أو وصف لفن عمارة أو تصميم ما واصفاً إياه بالجميل، فهذا يعني أن الإنسان حقاً قد أحب نمط الحياة الذي يراه، وذلك لما يحمله من دلالة جمالية تخيم على الإنسان الراحة.
والجدير بالذكر هنا، أن فن الهندسة المعماري لوحده قد لا يجعل الفرد سعيداً كفاية، ولكن بالتأكيد يحمل هذا الفن مشاعراً إيجابية تنتقل للإنسان شيئاً فشيئاً، تماماً كالطقس، والذي يلعب دوراً هاماً في تغيير الحالة المزاجية للإنسان، كما وخرج مصممو فن العمارة عن صمتهم للتأكيد على دون التصاميم في إضفاء شعوراً جيداً عند الإنسان، مؤكدي على أن أبرز الطرق التي قد تُشعر الفرد بالسعادة هو التصميم الداخلي للمكان واستغلال المساحات الخارجية، والتي ترتبط بشكل كبير بالبيئة والطبيعة، ويأتي ذلك من خلال بعض الطرق البسيطة، كتكبير مساحات النوافذ؛ للسماح للضوء الدخول بكميات أكبر، إضافة إلى فن انتقاء مكان النوافذ من أجل أن تحمل معنى فنيّ وتعطي المنزل صورة جمالية بشكل كبير.
ولا يقتصر الأمر فقط على استغلال المساحات الهندسية لينتفع بها الإنسان، ولكن من الضروري أيضاً جعل المنزل يحمل أنماط بيئية طبيعية، وذلك من خلال تخصص بعض الأماكن لتصميمها بالمناظر الطبيعية، أو من خلال زراعتها ببعض النباتات الزينية، الأمر الذي يُضفي على الفرد شعوراً بالراحة والسعادة، ويقوي جهازه المناعي، ويساعده على نيل قسطٍ كافٍ من الراحة. تأثيرات خفية نجهل فحواها
وفقاً لبعض الدراسات للمهندس النقاد، اتضح أن التصاميم وفن العمارة يساعد في توطيد فرص التواصل الاجتماعية والمشاركة في النشاطات الأسرية، كما ويساعد التصميم على تعزيز حالة العزلة التي يحبذها الفرد في كثير من الأحيان، ويتم ذلك من خلال تصميم مقاعد للجلوس في الأماكن والحدائق العامة داخل المُدن، أو من خلال إنشاء الجسور والممرات بعيداً عن زحمة الحياة، والطرقات السريعة لتعطي للمتجول شعوراً بالراحة، وتساعده على تفريغ الشحنات والطاقات السالبة، إضافة إلى تبديد المشاعر التي تعتري الإنسان المعاصر كمشاعر الوحدة، ومشاعر القلق، والخوف.
على الرغم من اختلاف وجهات النظر بين كل من المهندسين المعماريين، وعلماء النفس والاجتماع حو قضية دور فن العمارة في التأثير على صحة الإنسان، ومشاعره، ورفاهيته العقلية، وأفكاره، إلا أنهم جميعاً اتفقوا على أن التصاميم الناجحة هي التي تعزز عند الفرد الشعور بحب البيئة، والتي تساعده على تبديد مشاعره بطرق سحرية، إضافة إلى تأكيدهم أن التصميم الجميل داخل المبني قد يفقد جماله وقيمته الفنية في حال سعر الفرد داخله بمشاعر القلق أو التوتر، أو فقدان الطريق.
الأعضاء الذين قالوا شكراً لـ رحيل على المشاركة المفيدة: