الحمد لله الذي خلق فسوَّى، والذي قدَّر فهدى، والذي أعطى كلَّ شيء خلْقَه ثم هدى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وبعد:
فلقد أمرنا الله تعالى بستر العورة، وهذا ظاهر في كتابه؛ قال الله تعالى: ﴿ يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا ﴾ [الأعراف: 26]، وأبلغنا النبيُّ صلى الله عليه وسلم مثل ذلك؛ فقد جاء في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأحد أصحابه: ((ارجِعْ إلى ثوبِكَ فخُذْه ولا تمشُوا عُراةً))، فالإنسان مأمور بسَتْرِ عورته.
ولكن يُستحَبُّ للإنسان حين يلبس أن يلبس أجمل الثياب، لا أن يستر عورته بثياب رثَّة قديمة بالية فقط؛ فالأناقة والجمال مبدأ شرعه الله تعالى في خلقه حين أمر العباد بأخذ الزينة عند الذَّهاب إلى المساجد، وهذا ظاهر في قوله تعالى: ﴿ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ﴾ [الأعراف: 31]؛ بل جعلها الله تعالى - الأناقة والجمال والنظافة - مبدأً ظاهرًا في خلقه حين أبلغنا جل وعلا على لسان نبيِّه صلى الله عليه وسلم - كما في صحيح مسلم -: ((إن اللهَ جميلٌ يحِبُّ الجمالَ)).
ثم طبَّق لنا النبي صلى الله عليه وسلم هذا المبدأ أعظمَ تطبيق، ومن تلك الميادين التي طبَّق فيها النبي صلى الله عليه وسلم هذا الأصلَ الكبير ميدانُ اللباس، فكان صلى الله عليه وسلم أنيقًا جميلًا، يهتمُّ بمظهره الذي سيظهر به أمام الناس، وقد دلَّ على ذلك تلك الجملةُ الكبيرة من الأحاديث الصحيحة، واقتبسنا منها أن هيئة لباسه صلى الله عليه وسلم على النحو الآتي:
"لم يكن لباسه صلى الله عليه وسلم قديمًا باليًا، ولم يكن مختالًا مُتكبِّرًا؛ بل كان يلبس أجمل الثياب ... لبس من الشام واليمن ونجران... لبس من الصوف والقطن والكتان ... لبس القميص والجبة والعباءة، والقَبَاءَ والحِبَرَةَ، والسراويل والخميصة، والإزار والرداء والعمامة، والخُف والنعل... لبس الأبيض والأحمر، والأخضر والأسود والمخطط ... ولم يكن يلبس ثيابًا مرقَّعة كما يقول البعض؛ بل ما ورد في ذلك ضعيفٌ لا يُحتجُّ به".
كان صلى الله عليه وسلم جميلًا؛ لأنه يعلم أن ربَّه جميلٌ يحبُّ الجمال، فإذا طلع على أصحابه رضوان الله عليهم كان أجمل من القمر في ليلة البدر، يقول جابر بن سمرة رضي الله عنه: "رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلةٍ إضْحِيانٍ - أي: مضيئةٍ - وعليه حُلَّة حمراءُ، فجعلتُ أنظر إليه وإلى القمر، فلهو عندي أحسنُ من القمر"؛ (صحَّحه الحاكم ووافقه الذهبي).
ولقد طبق هذا الأصلَ الكبير علماءُ الأُمَّة الذين فقهوا كتاب الله تعالى وسنة نبيِّه صلى الله عليه وسلم، فها هو عبدالله ابن الإمام أحمد بن حنبل يقول عن أبيه: "إني ما رأيتُ أحدًا أنظفَ ثوبًا، ولا أشدَّ تعهُّدًا لنفسه وشاربه وشعر رأسه وشعر بدنه، ولا أنقى ثوبًا وأشد بياضًا - من أبي".
من هنا نعلم أن الأناقة والجمال والنظافة والترتيب سُنَّةٌ ربانيَّة، وتربيةٌ نبويةٌ، يحسُن بالمسلم أن يأخُذَ بها، وأن يجعلها واقعًا يحياه في دنياه، لا أن يأتي إلى مجالس الناس بثياب رثَّة بالية ويقول: هذا زهدٌ، وهذا ورعٌ، وهذا دينٌ وهكذا؛ بل يلبس ثيابًا جميلة، ويضع عطرًا طيبًا؛ ليخرج إلى القوم في أبهى صورة، وأجمل منظر.
تجمَّلْ فربُّك جميلٌ يحبُّ الجمال ... تجمَّلْ فنبيُّكَ صلى الله عليه وسلم كان أجملَ من القمر في ليلة البدر.