دروس من هجرة رسولنا الكريم ( 3 )
حب الوطن ويؤكد الدكتور عبدالغنى الغريب،
أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر،
أن الهجرة النبوية
كانت بداية مرحلة جديدة،
وانتقالا من جهل
إلى علم ونور وحياة حقيقية،
فشهدت بناء أول مجتمع
إسلامى فى المدينة المنورة (يثرب)،
وكانت خطًا فاصلًا
بين عهد مكى إسلامى مضى،
وعهد مدنى
(إسلامى إنسانى مضيء جديد)
إذ قال الله، تعالى:
«إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا»
أى أن أذاهم وغلظة قلوبهم
تسببت فى خروج النبى من مكة،
وقال صلى الله عليه وسلم،
عن مكة:
«واللَّهِ إنَّكِ لخيرُ أرضِ اللَّهِ،
وأحبُّ أرضِ اللَّهِ إلى اللَّهِ،
ولولا أنِّى أُخرِجتُ منكِ ما خرجتُ»
فلما نزل بالمدينة، واستقر بها،
وشعر بأنها مركز جديد لنشر الرسالة
قال، صلى الله عليه وسلم:
«اللَّهُمَّ حَبِّبْ إلَيْنَا المَدِينَةَ
كَحُبِّنَا مَكَّةَ أوْ أشَدَّ»،
فأجيبت دعوته. ويشير إلى أن القرآن لم يستخدم
كلمة «مواطنة» بصيغتها الحديثة،
ولكن وضعها بصيغتها التفسيرية،
وعرض معانيها الكبرى،
مثل العدالة المطلقة،
فى قوله تعالى:
«وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ
عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا
هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى». وفى الحديث النبوى،
إذ قال، صلى الله عليه وسلم:
«ألا مَن ظلمَ مُعاهدًا، أوِ انتقصَهُ،
أو كلَّفَهُ فوقَ طاقتِهِ،
أو أخذَ منهُ شيئًا بغَيرِ طيبِ نفسٍ،
فأَنا حَجيجُهُ يومَ القيامةِ». ويتابع
أن من الدروس المستفادة أيضا
فى الهجرة النبوية
«وثيقة المدينة»
التى كتبها النبى،
صلى الله عليه وسلم،
فهى نموذج فريد فى المواطنة،
وحب الوطن،
وحمايته والدفاع عنه،
إذ كانت أول مشروع
دستورى ينظم العلاقة
بين مواطنى دولة المدينة
بعقائدهم المختلفة،
واعتبار جميع ساكنيها
أمة واحدة فى الحقوق والواجبات،
واحترام حرية الاعتقاد الدينى،
وعدم فرض العقيدة الإسلامية
على أحد، وإلزام الجميع
بطاعة القانون الواحد
الذى يحكم الدولة جميعًا،
فهكذا كان التأسيس
لمفهوم المواطنة الدينية المتعددة،
فى وقت كانت فيه نزاعات
وحروب كثيرة بين الطوائف
تسود فى الجزيرة العربية. ويبين الدكتور فهمى غنيم،
مدير عام لجنة الفتوى
بالأزهر سابقا،
أن الهجرة كانت بمنزلة نقلة
استراتيجية، إذ انتقل المسلمون
من الضعف إلى القوة،
لتكون المدينة مركزًا لنشر
قيم العدل والوسطية السمحاء،
فأرست تعاليم (الإسلام)
التى أسست لاحترام الآخر
والتعايش السلمى بين الجميع،
بالمبدأ الإسلامى:
«لهم ما لنا وعليهم ما علينا»
وهذه أحد أفضل النماذج
التى تقيم حياة اجتماعية فاضلة،
يعمها السلام والأمن الاجتماعى،
وتضمن للجميع معيشة
كريمة تتكيف مع الواقع المتغير،
والسياسات المختلفة. ويشدِّد أخيرًا
على ضرورة التعلم من دروس
الهجرة النبوية،
والاستضاءة بها،
فى حياتنا كلها، بأن يصر المسلم
على أن يهجر المعاصى والذنوب،
وأن يفر إلى الله، تعالى،
وأن الهجرة المعنوية أنواع منها:
هجرة الغيبة والنميمة،
وهجرة الكبر إلى التواضع،
وهجرة أذى المسلمين إلى الإصلاح.
لكم خالص تحياتى وتقديرى
الدكتور علــى
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|