لنصب في العالم
ادعى الطبيب (جون برينكلي) اكتشافه علاجاً لجميع الأمراض تقريباً، ومقابل مبلغ 750 دولار (التي تعادل بأموال اليوم حوالي 10 آلاف دولار)، ومن خلال عملية تطعيم بالغدد التناسلية للماعز، أعلن هذا الطبيب أنه بإمكانه تعزيز الفحولة الذكرية، أو الحفاظ عليها سليمة، أو تقويتها، وهذا بالإضافة إلى عدة معجزات أخرى.
بالطبع لاقى الطبيب (برينكلي) معارضة، فلقد خضعت كل من شرعية أبحاثه ورخصته لممارسة الطب للمساءلة دائماً تقريباً، وكان الأمر لسبب وجيه، فلقد كان هذا ”الطبيب“ في نفس الوقت مسؤولا عن عشرات حالات سوء الممارسة الطبية وحالات الوفيات.
غير أنه من سنة 1918 إلى غاية سنة 1930، قام جراحياً بتطعيم الغدد التناسلية للماعز في أجسام الكثير من الرجال في مناطق مختلفة من الولايات المتحدة الأمريكية لدرجة أنه قيل أنه كان يجنى في أوج شهرته 12 مليون دولار في العام الواحد.
لقد كان الطبيب (جون برينكلي) مذيع راديو شهير ومعالجاً ذائع الصيت، وقد كان يملك ملكية عقارية كبيرة، ويختاً، كما ترشح في إحدى المرات لمنصب حاكم ولاية (كانساس). بالطبع، كانت رحلة حياة الطبيب (جون برينكلي) بهيجة تملؤها النجاحات، غير أنها لا يتعدى كونه ظاهرياً فقط، لأنها كانت في الواقع حياة ملؤها النصب والاحتيال على المرضى المساكين.
بدو أن اللاشرعية كانت عنواناً لحياة الطبيب (جون برينكلي) منذ فجرها، حيث ولد ابنا غير شرعي لوالده وابنة خالته في الثامن من يوليو سنة 1885 في (بيتا) في ولاية نيويورك. كان والد (برينكلي) طبيبا توفي سنة 1896، وهو ما أجبر (برينكلي) أن يصبح المعيل والكفيل الوحيد للعائلة.
اشتغل كعامل على جهاز التيليغراف وكذا في توزيع البريد بينما كان يدرس بدون كلل الإنجيل وبعض العلاجات المنزلية في أوقات فراغه، وبعد أن قضى بعض الوقت يعمل مرتحلاً على التيليغراف، تزوج (برينكلي) وتغيرت طبيعة عمله.
نفّذ بمساعدة من زوجته مسرحية وعرضاً كبيراً ادعيا فيه ممارسة الطب لجلب الحشود التي استهدفاها لاحقاً لبيع مواد مقوية وبعض الأعشاب الطبية.
في تلك الأثناء، كانت الديون تتراكم على آل (برينكلي). ربما في محاولة منه لتقنين تجارة المقويات والأعشاء الطبية خاصته، انتقل وعائلته للعيش في ولاية (شيكاغو) من أجل أن يدرس في جامعة (بينيت) للطب، غير أن الديون المتراكمة أعاقته وأجبرته على ترك الجامعة قبل أن يحصل على شهادة.
لأنه لم يكن قادرا على تسديد ديونه، رفضت كليات الطب الأخرى قبوله، ولعزمه على أن يصبح طبيبا، بدأ (جون برينكلي) التمرن كـ”طبيب مختص في أمراض الرجال“ في (نوكسفيل) و(شاتانوغا) في ولاية (تينيسي). وفي هذه المرحلة من حياته، هجر زوجته الأولى وتزوج مرة أخرى، ثم شغل وظيفة ”طبيب مختص في الطب الكهربائي“ في (غرينفيل)، حيث راح يحقن مرضاه بما كان يدعوه ”دواءً كهربائياً من ألمانيا“، الذي ادعى أنه من شأنه تعزيز الفحولة والخصوبة عند الذكور، غير أن الدواء في الواقع كان عبارة عن ماء ملون لا غير.
بشكل مماثل، وجدت الديون مرة أخرى سبيلها داخل حياة (جون برينكلي)، وهذه المرة قضى بعض الوقت في السجن بسببها. دفع كفالة إطلاق سراحه لاحقاً والد زوجته الثانية، فانتقل إلى (جودسونيا) في ولاية (أركانساس) في صائفة سنة 1914، حيث افتتح ما يشبه عيادة متخصصة في أمراض النساء والأطفال. هناك، بدأت أعماله تنال قبول السكان المحليين.
تمكن من دخول جامعة الطب في مدينة (كانساس)، وذلك على الأرجح من خلال تقديم شهادة مفبركة، حيث اكتُشف بعد عقود لاحقة أنه قدم في ذلك اليوم شهادة مزورة مما ساهم في قبوله في ذات الجامعة. بغض النظر عن الطرق الملتوية التي انتهجها، لم يدم وجوده في مقاعد الدراسة طويلا في كلية الطب، التي هجرها سريعاً.
بطريقة ما، تمكن (جون برينكلي) من البقاء على مساره في سبيل أن يصبح طبيباً، وبعد استقراره في (ميلفورد) في ولاية (كانساس) في سنة 1916، أسس ما سيعرف لاحقا على أنه اكتشافه الطبي غير المسبوق.
خلال بضعة سنوات قضاها في (ميلفورد)، حقق الطبيب (برينكلي) بعض المكاسب الشرعية وكان يكسب عائدات بطريقة قانونية، فقد كان يدير عيادة ذات 16 غرفة ساعد فيها على تطبيب وتمريض ضحايا وباء الإنفلونزا والمساهمة في شفائهم وتعافيهم، وقد احترم مجتمعه المحلي مجهوداته كلها وقدّرها حق التقدير، لكن عندما راح أحد مرضاه يتذمر ويشكو من عجزه فحولته الذكرية، خطرت في بال (برينكلي) فكرة ستجعل منه مليونيراً.
وقعت هذه الزيارة الأسطورية في مزرعة أحد مرضاه، فأشار (برينكلي) مازحاً بإصبعه إلى خصي الماعز وقال: ”لم تكن لتعاني من أية مشكلة لو كان لك زوج من هذه الغدد القوية“، فأجاب المريض: ”حسناً، لماذا لا تضعها فيّ؟“، واستطرد: ”لماذا لا تمضي قدما وتضع بداخلي زوجا من خصي الماعز؟ ازرعها، أو قم بتطعيمها مثل نقوم بتطيعم وتلقيم الأشجار“.
ماعز (توغنبرغ)، النسل الذي كان الطبيب (جون برينكلي) يستخدمه في عمليات زراعة خصي الماعز التي اشتهر بها.
لذا مضى (برينكلي) قدماً وفعل ذلك بالضبط. بعد سنة لاحقاً، أنجبت زوجة ذلك المزارع صبيا صغيرا أطلق عليه اسم (بيلي): وهو أول طفل يولد بعد عملية زرع غدد الماعز التناسلية. انتشرت القصة وبلغت أقاصي البلد، وسرعان ما امتلأت عيادة (برينكلي) برجال على استعداد لدفع 750 دولار مقابل زرع خصي الماعز داخل أكياس الصفن لديهم.
بدأت شهرته محلياً، ثم سرعان ما أصبح شخصية وطنية في سنة 1922 عندما دعاه (هاري تشاندلر)، مالك صحيفة (لوس أنجلوس تايمز)، لإجراء العملية على واحد من رؤساء التحرير لدى الصحيفة، وهي العملية التي اعتبرها (تشاندلر) لاحقاً ناجحة جداً.
في الثاني والعشرين من أبريل 1922، جاء في صحيفة (لوس أنجلوس تايمز) عدة عناوين رئيسية بالبنط العريض وهي: ”حياة جديدة في الغدد- يظهر مرضى الطبيب (برينكلي) هنا تحسناً ملحوظاً – شفي عدة من ضحايا علل ’غير قابلة للشفاء‘ – 1200 عملية جراحية ناجحة“.
ومنه أصبحت عمليات زرع خصي الماعز الجراحية التي كان (برينكلي) يجريها مشهورة في العالم كله، وبعد سنوات من معاناته مع تراكم الديون، أصبح (جون برينكلي) مليونيراً أخيراً.
سرعان ما بدأ الطبيب (جون برينكلي) الادعاء بأن غدد الماعز التناسلية لم تكن تعالج العجز الجنسي وحسب، بل كان بإمكانها علاج كل شيء تقريباً، فراح يدعي بأن الإنفلونزا والأرق اللذان كان بعض مرضاه يعانون منهما زالا بمجرد الفراغ من العملية، بينما أصبح بإمكان المجانين أن يستعيدوا رشدهم بعد 36 ساعة فقط من إجراء العملية عليهم.
كانت قصص (برينكلي) مثيرة للاهتمام، ففي إحدى منشوراته وصف عملية الشفاء الإعجازي لأحد المرضى، الذي لم يتمكن أي مستشفى أمراض عقلية في البلد شفاءه، قائلا: ”في اليوم الثاني بعد عملية زرع غدد الماعز التناسلية؛ تحدث إلي [المريض] قائلا: ’دكتور، ألا تفك وثاقي من فضلك حتى أستطيع الجلوس مرتاحاً؟ أنا واع تماماً بكل شيء الآن وأشعر وكأنني انتُشلت من القبر‘“.
بعد كل شيء، ادعى الطبيب (برينكلي) أن أصل كل علة كان في الغدد، فكتب: ”إن 90 في المائة من حالات الجنون و75 في المائة من حالات الطلاق هي بسبب الغدد المعتلّة“.
كان (برينكلي) في نفس الوقت بارعا جدا في التسويق، براعة لم يضاهيه فيها أحد، حيث كان يملأ الصحف والجرائد بإعلانات عن عيادته وعملياته الجراحية الناجحة مع صور له وهو يحمل الطفل (بيلي)، أول طفل يولد من غدد تناسلية خاصة بالماعز، كما سوق لهذه العمليات على يد أعضاء في مجلس الشيوخ وكذا نجوم مشهورين، وفي سنة 1923 أسس إذاعة الراديو الخاصة به.
أطلق على هذه الإذاعة اسم KFKB وهو اختصار لـKansas First, Kansas Best «كانساس الأولى، كانساس الأفضل»، ولمعظم الأوقات، كانت الإذاعة بمثابة منبر يذيع منه (جون برينكلي) قصص عملياته الجراحية المشهورة، وكان واحد من أكثر برامجه المذاعة شهرة بعنوان: ”علبة الأسئلة الطبية“، حيث كان يقرأ شكاوي جمهوره الطبية ويشرح لهم أنّى لهم أن ينالوا الشفاء على يده سواء من خلال زرع غدد الماعز أو من خلال واحد من منتجاته الأصلية المرخصة التي كانت تباع في صيدليات (برينكلي).
كان لـ(برينكلي) علاج إعجازي، وهو وحده كان باستطاعته القيام به، ولم يكن بمقدور أي كان في العالم تنفيذه عداه على حسب ادعاءاته، وادعى كذلك أن في جراحة زرع غدد الماعز التناسلية كان هناك فن رفيع، الذي قال عنه كذلك: ”غير قابل لأن يُدرَّس عن بعد“.
على الرغم من ادعاءات (برينكلي) بأن عمله غير قابل الإنجاز في عيادات أخرى، فإن الخبراء في وقتنا هذا يعتقدون أن العملية برمتها كانت بسيطة وسطحية جدا، حيث كان تتمثل ببساطة في خياطة خصية ماعز يافع داخل كيس صفن المريض، ولم يكن (برينكلي) يوصل الخصية المزروعة بالأوعية الدموية ومنه لم تكن الغدة تتفاعل بأي شكل من الأشكال مع أجسام المرضى وأعضائهم الداخلية، ولم يكن لها أي أساس أو قاعدة طبية حقيقية.
بالطبع لم يقتنع جميع الناس بهذه البهرجة المتعلقة بزرع خصي الماعز في البشر، ومنذ البداية كانت الجمعية الطبية الأمريكية تعلم بأن العملية برمتها كانت مسرحية هزلية وفعلت كل ما بوسعها في سبيل إيقاف (جون برينكلي) عند حده.
غير أنه حارب بضراوة هو الآخر، فقد كان يعتلي منبر إذاعته ويملأ أمواج الأثير بتهجمات لاذعة ولا أساس لها من الصحة التي طالت الجمعية الطبية الأمريكية، التي أطلق عليها اسم ”اتحاد تقطيع اللحم“، و”الذي لم يكن بمقدوره مجاراة علاجه المعجز“. ولأن (برينكلي) كان صاحب ثروة طائلة راح ينفق منها بسخاء في ولاية (كانساس)، فقد تولى حاكم الولاية حمايته شخصياً وفعل كل ما بوسعه في سبيل ذلك.
غير أنه في سنة 1930، أقام المجلس الطبي للولاية جلسة استماع للنظر في رخصة ممارسة الطب الخاصة بـ(برينكلي)، وهناك اكتُشف أمر لم يكن بالمقدور تجاهله: لقد كان (برينكلي) قد وقع على 42 شهادة وفاة. فقد (برينكلي) رخصته لممارسة الطب وبعد ستة أشهر لاحقا خسر إذاعته بعد أن رفضت لجنة الراديو الفدرالية تجديد عقده.
على مدى سنوات، كان الطبيب (برينكلي) يحيك الحيل وينصب ويحتال على الناس، فترشح لمنصب حاكم ولاية (كانساس) على أمل استعمال نفوذه وسلطته من أجل تجديد رخصته، غير أنه خسر المعترك السياسي أيضاً. ثم بدأ بث إذاعته في المكسيك، حيث لم يكن بإمكان أحد حظره.
غير أن كل ما تبقى له اندثر كله أخيراً في سنة 1938 عندما كتب الدكتور (موريس فيشباين) مقالاً دعا فيه (برينكلي) بـ”الدجال الطبي الحديث“.
رفع (برينكلي) ضده دعوى قضائية بتهمة السب والقذف وتشويه السمعة، وطالب بتعويض قدره 250 ألف دولار، غير أن القاضي اعتبر أن (فيشباين) لم يكتب سوى أموراً حقيقية وواقعية.
أدى هذا الحكم إلى رفع عدة دعاوي قضائية ضد (برينكلي) الذي طولب بتعويضات تجاوزت 3 ملايين دولار، وفي نهاية المطاف أصبح مفلسا تماماً، وبسبب خثرة دموية ساءت حالتها وتعقدت؛ خسر ساقه.
قال الطبيب (جون برينكلي) وهو على فراش موته: ”لو أن الدكتور (فيشباين) يذهب إلى الجنة عند موته، فأنا أرغب في الذهاب إلى الجحيم“.
يعتقد الكثيرون أنه ذهب حقا للجحيم عندما توفي في 26 مايو سنة 1942، في فقر مدقع ومنفي في (سان أنطونيو) في ولاية (تكساس)، وفي خبر نعيه، قالت عنه صحيفة (نيويورك تايمز) بأنه ”مدعي طب“ وصاحب مسيرة مهنية ”مبهرجة“، كما ورد في نعيه تحذير من قوة وسائل الإعلام، وكيف لـ: ”الراديو أن يكون قوة عظيمة تخدم الشر والخير على حد سواء“.
الطبيب (جون برينكلي) وزوجته في أيام أفضل في سنة 1921.
على مدى سنوات، كان الطبيب (برينكلي) يحيك الحيل وينصب ويحتال على الناس، فترشح لمنصب حاكم ولاية (كانساس) على أمل استعمال نفوذه وسلطته من أجل تجديد رخصته، غير أنه خسر المعترك السياسي أيضاً. ثم بدأ بث إذاعته في المكسيك، حيث لم يكن بإمكان أحد حظره.
غير أن كل ما تبقى له اندثر كله أخيراً في سنة 1938 عندما كتب الدكتور (موريس فيشباين) مقالاً دعا فيه (برينكلي) بـ”الدجال الطبي الحديث“.
رفع (برينكلي) ضده دعوى قضائية بتهمة السب والقذف وتشويه السمعة، وطالب بتعويض قدره 250 ألف دولار، غير أن القاضي اعتبر أن (فيشباين) لم يكتب سوى أموراً حقيقية وواقعية.
أدى هذا الحكم إلى رفع عدة دعاوي قضائية ضد (برينكلي) الذي طولب بتعويضات تجاوزت 3 ملايين دولار، وفي نهاية المطاف أصبح مفلسا تماماً، وبسبب خثرة دموية ساءت حالتها وتعقدت؛ خسر ساقه.
قال الطبيب (جون برينكلي) وهو على فراش موته: ”لو أن الدكتور (فيشباين) يذهب إلى الجنة عند موته، فأنا أرغب في الذهاب إلى الجحيم“.
يعتقد الكثيرون أنه ذهب حقا للجحيم عندما توفي في 26 مايو سنة 1942، في فقر مدقع ومنفي في (سان أنطونيو) في ولاية (تكساس)، وفي خبر نعيه، قالت عنه صحيفة (نيويورك تايمز) بأنه ”مدعي طب“ وصاحب مسيرة مهنية ”مبهرجة“، كما ورد في نعيه تحذير من قوة وسائل الإعلام، وكيف لـ: ”الراديو أن يكون قوة عظيمة تخدم الشر والخير على حد سواء“.
ياقلبها ضمة خفوق
آنامل ذهبية وذوق راقى جدا فى التصميم
وابداع ليس له حدود تسلمين ياروح أختك للاهداء
-
رهيف
هوه السند الوحيد الذي لم يخذلني بعد الله
الأعضاء الذين قالوا شكراً لـ شيخة رواية على المشاركة المفيدة:
قصة مشوقة وجميله
احسنتم في سرد احداثها بدقة
لكم باقه من الورود لهذا الجمال
اتمنى لكم المزيد من التالق والتميز
في انتظار كل جديدكم القيم
دمتم بسعاده لا تغادر ارواحكم