منتدى رواية عشق

منتدى رواية عشق (https://r-eshq.com/vb/index.php)
-   ۩ الرّسُول والصَّحابة الكِرام ۩ (https://r-eshq.com/vb/forumdisplay.php?f=4)
-   -   ذكر الصحابة الكرام (https://r-eshq.com/vb/showthread.php?t=52614)

شيخة رواية 09-01-2019 11:47 PM

ذكر الصحابة الكرام
 
الصحابة والصحب والصحابي والصاحب ، صاحب رسول الله كلهم لهم ميزة على غيرهم ،
فالصاحب في غير صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هو : من كثرت ملازمته ،
صاحبك من كثرت ملازمته لك هذا في حق غير صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ،
أما الصحابة للرسول عليه الصلاة والسلام فالصحابي : هو ( من اجتمع بالنبي صلى الله عليه صلى الله وآله وسلم مؤمناً به ولو حكماً ومات على ذلك ) [1] ،
فخرج بقولنا : ( من اجتمع ) : من أسلم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وآمن ولكن لم يجتمع به .
مثل : أن يكون أقبل على المدينة ليبايع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فمات الرسول عليه الصلاة والسلام قبل أن يصل فهذا ليس بصحابي .
وإن كان قد أسلم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ،
لكنهم اصطلحوا على أن يسموه مخضرماً ومرتبته بين الصحابة الخُلَّص وبين التابعين الخُلَّص ،
لأنك إن نظرت إلى كونه أسلم في عهد الرسول ألحقته بالصحابة ،
وإن نظرت إلى أنه لم يجتمع به ألحقته بالتابعين ،
ولهذا كان في منزلة بين الصحابة وبين منزلة التابعين ويُسمى مخضرماً وما رواه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإنه يُعتبر منقطعا لأنه لم يجتمع بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم ،
وقولنا : ( مؤمناً به ) : خرج بذلك من اجتمع بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم مؤمناً بغيره ولما مات الرسول آمن بالرسول فهذا ليس بصحابي .
لأنه حين اجتماعه به ليس مؤمناً به ،
ولهذا نقول : ( مؤمناً به ) ،
ودخل في قولنا : ( من اجتمع بالرسول ) : من كان أعمى واجتمع بالرسول فإنه يكون صحابياً ،
وبهذا نعرف أن قولنا : ( من اجتمع به ) : أحسن من قول بعض العلماء : ( من رآه مؤمناً به ) ،
لأننا إذا قلنا : ( من رآه ) : خرج بذلك العمى ،
وقولنا : ( ولو حكماً ) : دخل فيه الصبي في المهد إذا اجتمع بالرسول عليه الصلاة والسلام ،

كما لو جيء بصبيٍّ من أبناء المسلمين إلى الرسول عليه الصلاة والسلام ثم مات النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يميز هذا الصبي فإن هذا مؤمنٌ بالرسول حقيقةً أو حكماً ؟
حكماً ، لماذا ؟
لأنه صبي لا عقل له لكنه مؤمنٌ لإيمان أبويه ،
وقولنا : ( ومات على ذلك ) : دخل فيه من ارتد ثم رجع إلى الإسلام ومات على الإسلام فإنه يكون صحابياً ،
فالردة لا تبطل الصحبة ،
إلا أن يموت على الردة كما أنها لا تبطل الأعمال الصالحة إلا أن يموت على الردة ،
لقوله تعالى : { ومن يرتدد منكم عند دينه فيمت وهو كافر فأولئك الذين حبطت أعمالهم في الدنيا والأخرة } ( البقرة 217 ) .
وخرج به من اجتمع بالرسول عليه الصلاة والسلام مؤمناً به ثم ارتد ومات على الردة ،
فإنه لا يكون صحابياً ،
فاعرف القيود حتى يتبين لك من هو الصحابي ،
ثم الصحابة على مراتب كما سيأتي في هذا الباب على مراتب في الفضيلة والسبق إلى الإسلام سيذكرها المؤلف ،
معنى قولنا : ( ولو حكماً ) : أي أن من كان صبياً فهو صحابي حكماً لا حقيقةً ،
وعلى هذا فمحمد بن أبي بكر الذي وُلد في حجة الوداع يُعتبر صحابياً ،
ولو اجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة ثم لم يره بعد وآمن أيكون صحابياً ؟
لا يكون ،
لأنه اجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم قبل النبوة ،
ونحن قلنا : ( من اجتمع بالنبي ) بوصفه نبياً لا بوصفه رجلاً سيُنبأ ،
فمن اجتمع بالرسول صلى الله عليه وسلم مؤمناً بالرسول وقال هذا هو النبي بشرت به التوراة والإنجيل فآمن بالرسول لكن بعد بعثة الرسول لم يره فإنه لا يُعتبر صحابياً ،
لأنه آمن بالرسول صلى الله عليه وسلم قبل أن يكون نبياً ،
وقولنا : ( مات على ذلك ) : يشمل ما لو ارتد ثم عاد إلى الإسلام ،
فإنه يبقى على وصف الصحبة أما لو ارتد ومات على الكفر ، فمعلوم أنه ليس بصحابي ،
لأن الردة تبطل الأعمال كلها إذا مات الإنسان عليها والعياذ بالله ،
وهكذا نقول في الأعمال كلها ،

لو أن الإنسان ارتد ثم عاد للإسلام ومات على الإسلام ، فإن أعماله السابقة للردة تبقى صحيحة مقبولة إذا تمت فيها شروط القبول ،
فإذا حج الإنسان ثم ارتد بترك الصلاة مثلاً صار لا يصلي ثم عاد للإسلام هل نأمره بإعادة الحج ؟
لا ،
لأن الردة لا تبطل الأعمال ، إلا إذا مات وهو على الكفر ،
أما الصحبة في حق غير الرسول فإنها لا تكون إلا بملازمةٍ طويلة يستحق أن يكون بها صاحباً فمجرد أن يتفق شخص مع آخر في سفر ،
فإذا وصلا إلى المدينة تفرقا لا يُعد ذلك صحبة إلا مقيدة ،
فيقال : صحبته في السفر الفلاني ، صحبته في الحج ، وما أشبه ذلك ،
أولاً : هذه الأمة أفضل الأمم ولله الحمد بالقرآن والسنة :
{ كنتم خير أمة أخرجت للناس } ( آل عمران 110 ) .
وقال النبي عليه الصلاة والسلام : ( إنكم توفون سبعين أمةً أنتم أكرمها على الله عز وجل ) [2] ، هذا الحديث أو معناه ،
فهذه الأمة ولله الحمد أفضل الأمم بالقرآن والسنة ،
ثم إن خير هذه الأمة الصحابة [3] ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ،
لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ) [4] ،
ثم الصحابة المهاجرون أفضل من الأنصار ،
لأن المهاجرين جمعوا بين النصرة والهجرة هاجروا أوطانهم وأموالهم وأهليهم إلى الله ورسوله ونصروا الله ورسوله ،
قال الله تعالى في وصف المهاجرين : { وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون } ( الحشر 8 ) .
فنص على الهجرة ونص على النصرة ، فهم رضي الله عنهم أفضل من الأنصار ،
وهذا من حيث الجنس كل التفضيل الذي قلنا الآن من حيث الجنس ،
ثم بعد ذلك أفضل المهاجرين الخلفاء الأربعة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ،
ثم أفضل هؤلاء الأربعة كما قال المؤلف :
******************
147 – وليس في الأمة بالتحقيق ،

في الفضل والمعروف كالصديق ،

قوله : ( في الأمة ) : أمة محمد صلى عليه الصلاة والسلام ،
قوله : ( بالتحقيق ) : أي بالقول المحقق الذي دلت عليه النصوص في الكتاب والسنة ليس فيها في الفضل والمعروف ( كالصديق ) ،
قوله : ( بالفضل ) : الفضل : بذل الخير والإحسان من العلم والمال وغير ذلك ،
قوله : ( والمعروف ) : ضد المنكر ،
فهو جامعٌ رضي الله عنه بين العدل الذي هو المعروف وبين الفضل الذي هو الإحسان ،
ويدل لذلك : أن الله تعالى لم يصف أحداً من الصحابة بأنه صاحب رسول الله إلا أبا بكر ،
قال تعالى : { إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه إن الله معنا } ( التوبة 40 ) .
وهذه منقبة عظيمة لم ينلها إلا من هو أهلٌ لها وهو أبو بكر ، { الله أعلم حيث يجعل رسالته } ( الأنعام 124 ) .
وأعلم حيث يجعل فضله فهذا الفضل العظيم لأبي بكر لم ينله أحد .
وقال النبي عليه الصلاة والسلام : ( لو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكرٍ ) ، ما قال : اتخذت فلان ولا فلان ، قال : ( لاتخذت أبا بكرٍ ولكن أخوة الإسلام ومودته ) .
وقال : ( لا يبقين في المسجد بابٌ ولا خوخة إلا سُدَّت إلا باب أبا بكر ) [5] .
وقال معلناً على المنبر : ( إن أمن الناس علي في ماله وصحبته أبو بكر ) [6] ،
أفبعد هذا يقال إن غيره أفضل منه ؟
لا والله ،
أمن الناس علي في ماله وصحبته أبو بكر مع أن المنة حقيقةً لمن ؟
للرسول عليه الصلاة والسلام يعني كون أبي بكر يكون صاحباً للرسول ولم يطرده الرسول أو يعرض عنه أو يريه وجه غضب هذا منة للرسول في الواقع لكن من كرم الرسول عليه الصلاة والسلام جعل المنة من أبي بكر عليه ،
كذلك أيضاً الصحبة المنة لمن ؟
للرسول عليه الصلاة والسلام والمنة الأولى للجميع لله عز وجل ،

ولهذا لما قال الرسول عليه الصلاة والسلام للأنصار يبين ما من الله به عليهم كلما ذكر لهم أن الله هداهم به وأغناهم به وألفهم به قالوا : الله ورسوله أمن .
إذن ليس في الأمة مثل أبي بكر رضي الله عنه في الفضل والمعروف الذي هو الإحسان والعدل وصحبة الرسول عليه الصلاة والسلام وكل شئ .
ليس فيها مثل أبي بكر .
حتى إن الرسول صلى الله عليه وسلم ذات يوم حث على الصدقة فانصرف الناس ليتصدقوا ، فقال عمر رضي الله عنه : الآن أسبق أبا بكر ،
انظر كيف يتسابقون فأتى بنصف ماله الله أكبر نصف ماله أتى به في الصدقة الواحد إذا أراد أن يخرج ربع العشر وهو واجب صار يحمر ويصفر ،
ويمكن يسأل العلماء لعل أحداً منهم يقول : هذا ليس فيه زكاة ،
أتى بنصف ماله فسأله الرسول عليه الصلاة والسلام ماذا تركت لأهلك ؟ قال : شطر المال ، فأتى أبو بكر بكل ماله فسأله الرسول عليه الصلاة والسلام : ماذا تركت لهم ؟ قال : تركت لهم الله ورسوله ، الله أكبر كل المال ما بقي شئ ، فقال عمر : الآن لا أسابق أبا بكرٍ أبداً [7] ،
عرف أنه عاجز أن يسبقه وعمر هو الرجل الثاني في هذه الأمة ،
إذن لا يسبق أبا بكر أحدٌ من هذه الأمة ما دام الرجل الثاني عجز عن مسابقته أو عن سبقه فمن دونه من باب أولى ،
قوله : ( كالصديق ) : هذا لقب أبي بكر رضي الله عنه ،
وكنيته : ( أبو بكر ) ،
واسمه : ( عبدالله ) ،
وإنما سمي الصديق من الفِعِّيل من الصدق :
لكمال صدقه في المقال والفعال ،
ولتصديقه لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين كذبه الناس ،

ويقال : أول ما لُقب بهذا اللقب لما حدَّث النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسراء والمعراج ، اتخذت قريشٌ هذا فرصة ، وذهبت إلى أبي بكر وقالت : إن صاحبك يحدث بحديث المجانين يزعم أنه ذهب إلى بيت المقدس ورجع منه ونحن لا نصل إليه إلا في شهر ولا نرجع إلا في شهر ، فقال : إن كان ما قلتم حقاً فهو صادق ، انظر هذا الاحتراز ، لم يقل : هو صادق ، لأنه يحتمل أنهم كذبوا على الرسول ، إن كان ما حدثتموني به فهو صادق .
فسمي من ذلك اليوم الصديق ،
ولا شك أنه أصدق هذه الأمة في المقال والفعال والمقاصد وغيرها وأنه أقواها يقيناً وتصديقاً ،
فهو رضي الله عنه ليس في هذه الأمة مثله [8] ،
لو لم يكن من حسناته على هذه الأمة إلا استخلاف عمر بن الخطاب لكفى بذلك فخراً ،
لأنه لا أحد ينكر ما صار لعمر بن الخطاب رضي الله عنه من السياسة الحكيمة والحكم العادل والفتوحات العظيمة وإذلال أهل الشرك ،
فلذلك يعتبر عمر حسنةً من حسنات أبي بكر على هذه الأمة جمعنا الله وإياكم وإياهم في دار النعيم المقيم ،
******************
148 – وبعده الفاروق من غير افتراء ،
وبعده عثمان فاترك المِرا ،

سبق لنا بيان فضل هذه الأمة ،
ثم بيان أن خير هذه الأمة القرون الثلاثة ،
ثم بيان أن خير هذه القرون الصحابة ،
ثم بيان أن خير الصحابة المهاجرون ،
ثم بيان أن خير المهاجرين الخلفاء الأربعة ،
ثم بيان أن خير الخلفاء أبو بكر رضي الله عنه ،
وذكرنا شيئاً من مناقبه وفضائله رضي الله عنه ،
ومن أراد التوسع في ذلك فليقرأ كتب التاريخ كـ ( البداية والنهاية ) لابن كثير وغيرها مما ألف على وجه الخصوص في أبي بكر رضي الله عنه ،

قوله : ( وبعده الفاروق ) : بعد أبي بكر الفاروق ، والفاروق على وزن فاعول وهو من صيغ المبالغة مأخوذٌ من الفرق ،
وسُمي بذلك لأن الله تعالى فرَّق به بين الحق والباطل ،
فإن الله سبحانه وتعالى أعز الإسلام بعمر بن الخطاب رضي الله عنه ،
وفرَّق الله تعالى به بين الحق والباطل في خلافته وقبل خلافته وجعل الله الحق على لسانه وقال فيه النبي عليه الصلاة والسلام ( إن يكن فيكم مُحدَّثون – أي ملهمون بالوحي – فعمر ) ،
وكان رضي الله عنه موفقاً للصواب حتى إنه يأتي الوحي أحياناً موافقاً لقوله واقتراحه فهو رضي الله عنه فاروق فرق الله به بين الحق والباطل ،
وكان رضي الله عنه بعد أبي بكر رضي الله عنه في الفضيلة وبعد أبي بكرٍ في الخلافة ،
وعلى هذا أجمع أهل السنة والجماعة على أن هذين الرجلين أبو بكر وعمر هما أفضل الأمة [9] ،
وأن أبا بكر أفضل من عمر ، عمر رضي الله عنه يلي أبا بكرٍ في الخلافة بتعيينٍ من أبي بكر فإنه عينه وتحمل أبو بكرٍ رضي الله عنه المسؤولية في هذه الأمة حياً وميتاً ،
لكنه رضي الله عنه أدى الأمانة وَوُفِّق فصار من فضائله على الأمة أن استخلف عمر ابن الخطاب ،
ولا يخفى على أحدٍ منصف فضل عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا قرأ سيرته عمر رضي الله عنه تولى الخلافة بعد أبي بكر وقام بأعباء الخلافة خير قيام وكثرت الفتوحات على يده وصار له من الهيبة والعظمة ما خذل الله به أعداءه ومع ذلك كان متواضعاً يقبل الحق من أي شئ شخصِ كان وكان متواضعاً لا يأخذ من بيت المال إلا مثل ما يأخذه واحد من الناس ولا يعطي أحداً من أولاده إلا مثل ما يعطي واحداًَ من الناس بل ربما نَقَصَهُم وكان رضي الله عنه لم يتخذ لنفسه بوَّاباً ولا قصراً بل كان ينام في المسجد فيجمع الحصى ثم ينام عليها وِسادةً له وكان عليه رداءٌ مُرَقَّع وسيرته عجيبة لا تكاد تصدق بما يُنقل عنه ،

ولهذا أعز الله به الإسلام بعد كونه خليفة وقبل كونه خليفة وكان له هيبةٌ عظيمة ،
يُذكر أن رجلاً من اليهود في الشام كان منزله إلى جنب بيت المال ، فعرض عليه معاوية أن يشتريه منه ، قال : بِعْ علي البيت ، من أجل أن يدخله بيت المال ، فأبى اليهودي ، فأعطاه ثمناً أكثر من ثمنه ، معاوية رضي الله عنه رأى أن المصلحة العامة مقدمة على المصلحة الخاصة ، فأدخله في بيت المال ، وقال : خذ إذا شئت القيمة أعطيناك ، ولكن اليهودي أبى ، فقدم المدينة ، فجاء إلى عمر يبحث عن عمر ، فقيل له : تجده الآن في المسجد فذهب إلى المسجد فوجد رجلاً كأنه فقير رداءٌ مرقع نائم على بطحاء فصدَّق أو كذَّب هل هذا الخليفة الذي يكون معاوية أميراً له ، أميراً من أمرائه ، وكان معاوية رضي الله عنه باعتبار أنه في الشام وأنهم يقدسون ملوكهم وأنهم يعظمونهم ويجعلون لهم القصور قد اتخذ لنفسه مثل هذا لا حباً في الدنيا ، ولكن إقامةً للسلطة مقام السلطة الأولى حتى يهابها الناس ، لأن معاوية لو فعل مثل ما فعل عمر في المدينة وهو في الشام لم يبال الناس به فجاء إلى عمر فقص عليه القصة ، فيقال : إنه أخذ عظماً من الأرض وكتب فيه ليس كسرى بأعدل مني ووضع خطاً وفوقه خط آخر كالصليب ، وقال لليهودي : اذهب أعطه لمعاوية ، فلما جاء به إلى معاوية ، معاوية قطعاً بينه وبين عمر إشارة وهي ما يُسمى في العرف الحاضر شفرة لما رأى هذا العظم يُقال إنه وضعه على رأسه ثم قال لليهودي : ماذا تريد ؟ أتريد أن أبني لك بيتك وأعيده من جديد أم تريد أن أعطيك عشرة أمثاله أم ماذا تريد ؟ قال : وهكذا يكون خلفاؤكم وهكذا يكون أمراؤكم مع خلفاؤكم ، قال : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وأن بيتي صدقة للمسلمين ،
سبحان الله انظر كيف العدل يعني يجعلوا الناس يستجيبون ولو كانوا كفاراً والظلم والاستئثار يجعل الناس لا يستجيبون ولو كانوا مسلمين ،

فالحاصل : أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع كونه ذا سلطةٍ عظيمة وهيبةٍ عظيمة إذا جاءه الإنسان وجده كأنه وجده كأنه عادي والقصة المشهورة ،
وإن كان الحديث فيه شئٌ من النظر لما خطب الناس حين تغالوا في المهور وقال : لا يزيد أحدٌ على مهر النبي عليه الصلاة والسلام لأزواجه أو بناته إلا جعلت الزائد في بيت المال ، فقامت امرأةٌ ، فقالت : مهلاً يا أمير المؤمنين ليس ذلك إليك ، إن الله تعالى يقول : { وإن أدتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا } ( النساء 10 ) ، فأقر الله تعالى إيتاء القنطار للزوج ،
والقنطار : ألف مثقال للذهب ،
وقيل : إنه ملء جلد ثورٍِ صغير من الذهب .
كم يأتي ملء جلد الثور ؟
آلاف ،
فقال : امرأةٌ أفقه من عمر .
ثم ترك الناس ،
فالحديث هذا فيه صحته نظر لكنه مشهور عند الناس ،
وعمر رضي الله عنه يكون أكثر من ذلك تواضعاً ،
وعظ الناس يوماً من الأيام فقام إليه سلمان الفارسي وقال : يا أمير المؤمنين كيف تعطي عبدالله بن عمر ثوبين والناس لم تعطهم إلا على ثوبٍ واحد من بيت المال ؟ فقال له : قم يا عبدالله يعني رد عليه فقام فرد عليه ، فقال : إن الثوب الثاني ثوب عمر أعطاه إياه وليس زائداً على ما يعطي المسلمين ، وكان رضي الله عنه إذا أمر الناس بشيء أو نهاهم عن شئ جمع أهله وقال لهم : إن الناس ينظرون إليكم نظر الطير إلى اللحم والطيور تنظر إلى اللحم نظر شرَه تريد أن تبتلعهم وإني قد أمرت بكذا أو نهيت عن كذا فلا أجد أحدكم يعني مخالفاً إلا أضعفت عليه العقوبة .
كل هذا من باب العدل والتخويف وإلا كان العدل أيضاًَ ألا يضعف العقوبة عليهم .
لكنه رضي الله عنه له غورٌ في الفقه قال : إن أقرباء السلطان يخالفون بسلطة قربهم منه فيتوصلون إلى المخالفة بقربهم من ولي الأمر فرأى رضي الله عنه أن هذه نوع مخالفة مع المخالفة الأصلية فيجمع عليهم بين عقوبتين ومآثره رضي الله عنه كثيرة .

وكان آخر أمره أنه سأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقه الشهادة في سبيله والموت في بلد رسوله فكان الناس يتعجبون المدينة بلد إسلام ليس فيها قتال كيف يكون يجتمع أنه شهيدٌ في سبيل الله ميتٌ في مدينة رسول الله فاستجاب الله دعوته ،
وقُتل شهيداً في بلد الرسول عليه الصلاة والسلام وهو لم يُقتل لعداءٍ شخصي لكنه لعداءٍ ديني ،
لأن القاتل له : أبو لؤلؤة المجوسي غلام المغيرة بن شعبة .
وكان رضي الله عنه عمر ينهى أن تكثر العلوج يعني هؤلاء الأرقاء من الفرس وغيرهم في المدينة ولكن كان أمر الله مفعولا .
هذا الخبيث لما قتل عمر رضي الله عنه في خنجرٍ له وجهان والإمساك بالوسط ، وكان قد سقى كل جانبٍ منه السم فلما طعن عمر وهو يصلي بالناس الفجر ، قال : أكلني الكلب ، فزع الناس فلحقوا هذا الرجل الخبيث الهارب فقتل أظن ثلاثة عشر نفراً فلما رأى أنه قد أُدرك وألقى عليه أحد الصحابة بساطاً غمّه فيه لما رأى أنه قد أدرك قتل نفسه .
فالحمد لله رب العالمين أنه قتل نفسه على هذا الوجه وهو لم يسجد لله سجدة .
فكان والعياذ بالله آخر أمره أن قتل نفسه .
والذي يظهر لنا أنه قتل نفسه على الكفر .
هذا آخر ما حصل لعمر بن الخطاب رضي الله عنه ،
ومن أراد المزيد من ذلك فليقرأ ما كُتب عنه في ( البداية والنهاية ) وغيرها ،
قوله : ( وبعده عثمان فاترك المِرا ) : بعد من عمر بن الخطاب رضي الله عنه الأفضل عثمان ،
قوله : ( فاترك المِرا ) : أي الجدال فإن هذا أمرٌ مفروغٌ منه ،
أن عثمان : هو الثالث في الخلافة والفضيلة ،
وإنما قال : ( فاترك المِرا ) : لكثرة الجدال فيه وفي علي بن أبي طالب أيهما أفضل ؟
حتى إن بعض علماء السنة قالوا : علي بن أبي طالب أفضل من عثمان ،
فجعلوه في المرتبة الثالثة في الفضيلة وعثمان في المرتبة الرابعة ،
ومنهم من قال : أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم سكت ،
ومنهم من أخذ بما مشى عليه المؤلف :
وهو أن الأفضل عثمان ثم علي ،

قال شيخ الإسلام رحمه الله : ( وهذا هو الذي استقر عليه أمر أهل السنة والجماعة أن ترتيبهم في الفضيلة كترتيبهم في الخلافة ) [10] ،
عثمان رضي الله عنه تولى الخلافة لا بنصٍ من عمر وتعيين ولا باجتهادٍ من الرعية ،
فتوليه للخلافة أمرٌ غريب لم يكن معروفاً ،
لأن عمر لما طُعن وقيل له : استخلف على الأمة ، قال : إن استخلف فقد استخلف من هو خيرٌ مني يعني أبا بكر وإن لم استخلف فقد ترك من هو خيرٌ مني يعني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال لو كان أبو عبيدة حياً لاستخلفته أبو عبيدة عامر بن الجراح ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إنه أمين هذه الأمة ) [11] ،
سبحان الله لا ينظرون إلى شرف قبيلة ولا إلى سيادة ذي قوم ينظرون إلى المعاني الشرعية .
فقد قال النبي عليه الصلاة والسلام : ( أمين هذه الأمة أبو عبيدة عامر بن الجراح ) .
قال عمر : لو كان حياً لاستخلفته [12] .
ولكنه مات قبل عمر ثم جعل الأمر شورى بين الستة الذين تُوفي عنهم النبي صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راضٍ ،
فلما تُوفي جلس هؤلاء للتشاور واستقر الأمر على عثمان وكان أكثر أهل المدينة يختارون عثمان ،
فبويع عثمان بالخلافة مبايعة شرعية بايعه عليها علي بن أبي طالب وبقية أصحاب الشورى وغيرهم ،
وأجمعت الأمة على ذلك وصار الخليفة الثالث بإجماع المسلمين [13] ،
ولهذا قال الإمام أحمد : ( من طعن في خلافة واحدٍ من هؤلاء فهو أضل من حمار أهله ) [14] ،
أما الرافضة فقد طعنت في خلافة الجميع إلا علي بن أبي طالب ،
فَضَلَّتْ بهذا عن الأمة وعن الحق بل وبما مشى عليه علي بن أبي طالب رضي الله عنه ،
فإنه بايع أبا بكر وعمر وعثمان اختياراً لا اضطراراً ،
والعجب أن غلاة الرافضة قالوا : إن علياً فاسق لماذا يرضى بالظلم ؟‍‍‍‍ فكونه رضي بالظلم وبايع هذه مداهنة والمداهنة في الحق ضلالٌ وفسق ،
فأتعجب كيف وصل بهم الحال إلى هذا السفه ؟

والمنصف من يعرف منهم أنه على ضلال ،
هم يقولون : نحن شيعة .
وهؤلاء أهل السنة .
وأيهما أولى بالحق أهل السنة أو الشيعة المتعصبين لأشخاصٍ معينين ؟
كلٌّ يعرف أن أهل السنة هم الذين على الحق لأنهم على سنة ،
وكونهم يقولون : هؤلاء أهل السنة ونحن شيعة اعترافٌ منهم بأنهم ليسوا على سنة
وإذا كان كذلك فيقال : اتقوا الله ارجعوا إلى السنة ، ما دام تعترفون بأن هؤلاء أهل سنة وأنتم شيعة ،
ثم نقول : من أحق الناس تشيعاً لآل البيت من ؟
أهل السنة نحن نحب آل البيت المؤمنين منهم :
لكونهم مؤمنين ،
ولكونهم من قرابة الرسول عليه الصلاة والسلام ،
ونفضلهم على غيرهم بهذا المعنى ، لكن لا نعطيهم الفضل المطلق ، بل ننزلهم منزلتهم ،
وهم أعني آل البيت يرضون بهذا غاية الرضا ،
وكان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو إمام أهل البيت كان رضي الله عنه يقول على منبر الكوفة يعلن : ( خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر ) [15] ، وأحياناً ( ثم عثمان ) وأحياناً يسكت ،
فعلى هذا نقول : إن عثمان رضي الله عنه يلي عمر بن الخطاب في الفضيلة فهو الثالث في الفضل في هذه الأمة وهو الثالث في الخلافة من هذه الأمة ،
ومن أنكر ذلك بالنسبة للخلافة فيقول الإمام احمد : إنه أضل من حمار أهله ،
وقال : إنه أضل من الحمار لأن الحمار من أبلد الحيوانات ،
ولهذا مثَّل الله اليهود بالحمار : { مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها } ( الجمعة 5 ) ، قال : {كمقل الحمار يحمل أسفارا } .
إذا حمَّلت على الحمار المغني والمجموع شرح المهذب والإنصاف وتفسير ابن كثير وفتح الباري ثم رجعت للحمار وقال ماذا قال في فتح الباري ماذا يقول ؟
يوفيك نهيقاً ،
فعلى كل حال الحمار أبلد الحيوانات وأدل الحيوانات بالنسبة لمكان مبيته ،

وسألت مرةً الشيخ عبدالرزاق العفيفي رضي الله عنه وعافاه قال : إنما كان الحمار أدل ما يكون إلى مأواه ومبيته لأنه بليد لا يشغل مخه شئٌ من التفكير فيكون معتمداً على المظاهر الخارجية لأنه ذهنه لا يفكر في مخه ،
وهذه مناسبة غريبة لذلك تجد الإنسان الذي معه سائق لا يذهب بالسيارة إلا بسائق ولا يجيء إلا بسائق لا يعرف الأسواق ولا يعرف البيوت لو يتردد عليها عشر مرات والسائق يعرفها من أول من مرة لأنه قد وضع ذهنه لهذا الشيء الحمار ليس عنده إلا المأوى والمبيت والأكل والشرب وأما غيره فليس عنده تفكير ،
فالحاصل أن نقول الإمام أحمد يقول : ( من طعن في خلافة واحدٍ من هؤلاء فهو أضل من حمار أهله ) [16] ،
قال ذلك لماذا ؟
لأن أبلد ما يكون من الحبوانات الحمار ،
******************
149 – وبعد فالفضل حقيقاً فاسمعِ ،
مني نظامي للبطين الأنزع ،

قوله : ( وبعد ) : أي بعد الثلاثة الخلفاء الراشدين أبي بكرٍ وعمر وعثمان بعد ذلك ،
قوله : ( فالفضل حقيقاً ) : أي حقيقةً
أو ( حقيقاً ) بمعنى جديراً ، كما في قوله تعالى : { حقيق علي أن لا أقول على الله إلا الحق } ( الأعراف 105 ) ، فهي صالحة لهذا وهذا ،
قوله : ( فاسمع نظامي هذا ) : وأمر بسماع النظام للتأكيد والتنبيه ،
قوله : ( للبطِين ) : خبر قوله : ( فالفضل ) أي فالفضل كائنٌ للبطين الأنزع ،
البطين يعني واسع البطن ،
قوله : ( الأنزع ) : الذي انحسر شعره مقدم رأسه هذا الأنزع ،
والبطين ضده الضامر الذي بطنه ليس واسعاً ،
والأنزع ضده الأفرع الذي نزل شعر رأسه إلى جبهته ،
إذن وصف هذا المذكور بوصفين :
الأول : بأنه بطين .
والثاني : أنه أنزع .

وهل أراد المؤلف رحمه الله الذم أو أراد التعريف ؟
الثاني قطعاً ،
أراد التعريف لأنه لا يريد أن يذم علي بن أبي طالب رضي الله عنه بهذا الوصف أراد أن يعرِّفه وكان رضي الله عنه بطيناً أي واسع البطن وقد عُلم بهذا الوصف ،
الأنزع أي كان منحسر شعر الرأس من الأمام ،
وهذا لا يدل على شئ إنما هو خِلقة ويكون عند الكبر كثيراً كما هو معروف مشاهد ،
******************
150 – مجدِّل الأبطال ماضي العزم ،

مفرِّج الأوجال وافي الحزم ،

قوله : ( مجدِّل الأبطال ) : التجديل معناه أنه يوقعهم صرعى والأبطال جمع بطل وهم الشجعان ،
قوله : ( ماضي العزم ) : يعني أنه ذو عزيمةٍ ماضية لا ينثني ، كم هذا من وصف ؟ أربعة ،
قوله : ( مفرج الأوجال ) : ( الأوجال ) : جمع : ( وجل ) : وهو الخوف .
يعني أنه يفرج الخوف من شجاعته رضي الله عنه ولا شك أنه من أشجع الناس .
قوله : ( وافي الحزم ) : يعني أنه ذو حزمٍ وافي أي كامل وهذه ستة أوصاف ،
******************
151 – مسدي الندي مبدي الهدى مردي العدى ،
مُجْلي الصدى يا ويل من فيه اعتدى ،
قوله : ( وافي الندى ) : وافيه أي كامله ،
قوله : ( مبدي الهدى ) : مظهر الهدى وهو العلم ،
وقد اشتهر علي بن أبي طالب رضي الله عنه بسعة علمه وذكائه ،
قوله : ( مردي العدى ) : مردي أي مهلك ،
كما قال تعالى : { وما يغني عنه ماله وما تردى } ( الليل 11 ) ، أي إذا هلك ،
و ( العدى ) جمع عدو ، هذه ثلاثة أوصاف بالإضافة إلى ما سبق تكون تسعة أوصاف ،
قوله : ( مجلي الصدى ) : مجلي أي مذهب والصدى في الأصل هو الوسخ الذي يكون على الحديد لطول مكثه أو لكونه حول الماء فهذا يجلوه ويزيله ،

قوله : ( يا ويل ) : ( يا ) هذه للندبة ( ويل ) الهلاك ،
قوله : ( من فيه اعتدى ) : أي من اعتدى في عليٍّ بن أبي طالب رضي الله عنه ،
ويريد بذلك الوعيد على من اعتدى في حق علي بن أبي طالب بإفراط أو تفريط ، كلاهما يا ويلهما ،
فالذين في حقه الإفراط هم الرافضة ،
والذين اعتدوا بحقه في التفريط هم الناصبة النواصب ،
لأنه هلك في علي بن أبي طالب طائفتان :
1 - طائفةٌ غلت ،
2 - وطائفةٌ فرّطت ،
الطائفة التي غلت غلوا فيه حتى جعلوه إلهاً حتى إنهم صرحوا بذلك ،
قال عبدالله بن سبأ وشيعته لعلي بن أبى طالب صراحةً ومقابلة ، قال له : أنت الله حقاً ،
وهو خبيث يهودي دخل في دين الإسلام ظاهراً ليفسده ،
كما قال شيخ الإسلام رحمه الله كما ظهر بولس في دين النصارى وتنصر ظاهراً من أجل أن يفسد دين النصارى هذا الخبيث عبدالله بن سبأ يهودي ماكر دخل في دين الإسلام على أنه مسلم [17] ،
لكن أتى إلى علي بن أبي طالب ، وقال له : أنت الله أين الإسلام فأمره رضي الله عنه لشدة ما جرى أمر بالأخدود فحُفرت ثم أمر بالحطب فجُمع في هذا الأخدود ، ثم أمر بعبدالله بن سبأ وشيعته أن يُلقوا في هذه النار بعد أن أضرم فيها النار فأُحرقوا ،
ويقال : أن عبدالله بن سبأ هرب وذهب إلى مصر وبث دعوته فيها ، ثم إلى العراق ، ثم إلى فارس انتشرت الدعوة ،
هؤلاء اعتدوا في علي بن أبي طالب بماذا ؟
بالإفراط وزيادة الحد ،
قسمٌ آخر قابلوهم لأن العادة أنه إذا وُجد غلوٌ في جانب وجد فيه تطرفٌ آخر من أجل ضد هذا الغلو فيه أناس بالعكس صاروا نواصب نصبوا العداوة لآل البيت وعلى رأسهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه وجعلوا يسبونهم ويلعنونهم والعياذ بالله هؤلاء أيضاً اعتدوا في حق آل البيت فيا ويل الطرفين هؤلاء وهؤلاء ،
وأيهم أشد ضرراً على الإسلام المفرِّط أو المفرِط ؟
المفرِط أشد ضرراً على الإسلام ،

لأن المفرط تعدى طوره كثيراً حتى جعل علي بن أبي طالب إلهاً وجعل من أئمة أهل البيت من يعلم الغيب ويدبِّر الكون ،
حتى سمعنا من أشرطتهم من يقول : إن جميع الكون تحت ظُفر فلان يدبره حيث يشاء تحت الظفر جعله وسخاً من أوساخ الأظفار ،
نسأل الله العافية ،
كل الكون هذا أشد وهذا في الحقيقة يصوغونه بصيغة عاطفية حتى في أداء شعائرهم التي يترنمون بها من الدعاء لآل البيت والدعوة لهم تجدهم يترنمون بصوتٍ حزين يشد العاطفة ،
أما الذين ينصبون العداوة لآل البيت فمن يطيعهم ؟!!
من يطيع من يسب علي بن أبي طالب رضي الله عنه ؟!!
كل الناس ينفرون مما ذهبوا إليه ،
لكن هؤلاء من حيث أنهم يخاطبون العاطفة صار ضررهم على الناس أكثر بكثير ،
ولهذا لو قارنت بين النواصب والروافض من حيث العدد لوجدت أن النواصب لا ينصبون إلى الروافض ،
فإن قال قائل : لماذا أطنب المؤلف رحمه الله في وصف علي بن أبي طالب دون الثلاثة الأولين وهم أفضل منه ؟
فالجواب : أنه أطنب في ذلك لسببين :
السبب الأول : الرد على النواصب ،
ما هو موقف النواصب ؟
السب لعلي بن أبي طالب فأراد أن يمدحه أو أن يصفه وهو يثني عليه بما هو أهله رداًّ على هؤلاء النواصب ،
ثانياً : الرد على الروافض ، كأنه قال علي بن أبي طالب مع هذه الأوصاف الكريمة والآداب العالية والشجاعة التامة لا يستحق أن يترقى إلى المكان الذي رقاَّه إليه هؤلاء الرافضة ،
فصار في إطنابه في مدحه صار فيه فائدتان :
الأولى : الرد على النواصب ،
والثانية : الرد على الروافض ،
يعني أننا أيها الروافض نقر بفضله وأنه فيه من الفضل كذا وكذا وكذا لكننا لا ننزِّله فوق منزلته كما فعلتم أنتم ،
فهذا هو السبب في أنه رحمه الله أطنب في ذكر علي بن أبي طالب رضي الله عنه ،
******************
152 – فحبه كحبهم حتماً وجب ،

ومن تعدى أو قلى فقد كذب ،

قوله : ( فحبه ) : أي حب علي بن أبي طالب ،
قوله : ( كحبهم ) : أي كحب الثلاثة أبو بكر وعمر وعثمان ،
قوله : ( حتماً وجب ) : أي وجب حتماً ،
أي وجوباً حتماًَ مؤكَّداً ،
ونشهد الله عز وجل على محبتهم ونشهد الله على محبة إمامنا وإمامهم محمد ٌصلى الله عليه وسلم ،
فالمحبة أولاً وآخراً كلها ، لمن ؟
للرسول ،
ونحن لم نحب هؤلاء إلا بمحبة الرسول عليه الصلاة والسلام ،
وإلا لكانوا من رجالات قريش وليس لهم فضل ،
لكن لمحبة الرسول لهم كنا نحبهم ،
ثم إن محبتنا للرسول أيضاً تابعة لمحبة الله ،
لأن المحبة الأولى والأخيرة والنهاية والبداية كلها لله عز وجل ،
خلافاً لمن كانوا الآن يحبون الرسول أكثر من محبة الله ،
إذا ذُكر الرسول عندهم بكوا وتهامنت الدموع ،
وإذا ذُكر الله فالوجه هو الوجه لا يتغير ولا بكاء ،
نسأل الله العافية والسلامة سبحان الله ،
الرسول صلى الله عليه وسلم ما كان له هذا الشرف إلا لأنه رسول الله ولأن الله يحبه ،
وإلا لكان بشراً عادياً لا يُحب ولا يُكره إلا بما فيه من الخير أو الشر ،
لكننا نحب الرسول صلى الله عليه وسلم لمحبتنا لله الذي أرسله ،
ونحب الخلفاء الراشدين لمحبتهم للرسول عليه الصلاة والسلام ولمحبتنا للرسول وهم خلفاؤه ،
حب علي بن أبي طالب كحب الثلاثة السابقين واجبٌ حتماً يجب علينا أن نحبه ،
فإذا قال قائل : المحبة وصفٌ فطري نفسي لا يملكه الإنسان ولهذا يُذكر عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال : ( هذا قَسْمي فيما أملك فلا تملني فيما لا أملك ) يعني المحبة ، هل يمكن لإنسان أن يجعل في قلبه محبة إنسانٍ يبغضه ؟
لا ، لكن يمكن أن تنال المحبة بالكسب بأن تذكر صفات الكمال في هذا الرجل .
فإذا ذكرت أوصاف الكمال واعتقدتها ثبوتها فيه فإن النفوس تميل بلا شك إلى الكمال وتحبه ،

ولهذا جاء في الحديث : ( أحبوا الله لما يغدوكم به من النعم ) ،
يعني على الأقل اذكر نعم الله عليك فأحبه لذلك ،
لأنك لو أن أحداً مَنَّ عليك بمنة هل تحبه ؟
( تهادوا تحابوا ) [18] ،
وهذا شيءٌ مجرب ،
فمعلومٌ أن الإنسان لا يمكن أن يقع في قلبه محبة إلا لسببٍ ظاهر يحمله على المحبة ،
فإذا الأمر كان كذلك ،
فاذكر ما كان للنبي عليه الصلاة والسلام وما للخلفاء الراشدين وما لغيرهم من عباد الله ،
اذكر ما لهم من الصفات الحميدة والخصال الطيبة ،
وحينئذٍ لا بد أن تحبهم ،
ولهذا أحياناً يجمع الإنسان في قلبه بين محبة شخصٍ وكراهته سبحان الله بين محبته وكراهته ،
المحبة والكراهة ضدان لا يجتمعان ؟!!!
فيقال : بل يجتمعان ،
يكون في الإنسان خير ويكون فيه شر ،
الإنسان يحبه لخيره ويكرهه لشره ،
ثم إذا كان منصفاً عمل بأقوى الجانبين إن غلب خيره على شره غلبت محبته على كراهته واغتفر شره بجانب الخير ،
ولهذا قال ابن رجب قولاً حكيماً صحيحاً يقول في أول قواعد الفقه : ( يأبى الله العصمة لكتابٍ غير كتابه والمنصف من اغتفر قليل خطأ المرء في كثير صوابه ) [19] ،
فنحن إذا نظرنا إلى ما للصحابة رضي الله عنه من الفضائل والسَّبْق أحببناهم فنحن نحب الخلفاء الأربعة كلهم كما يجب علينا أن نحب بقية الصحابة لكن لكلٍ درجاتٌ مما عملوا ،
قوله : ( ومن تعدى ) : مثل الرافضة ،
قوله : ( أو قلى ) : كالنواصب ،
قوله : ( فقد كذب ) : نعم صدق فقد كذب واعتدى لا شك أن من تعدى في حق هؤلاء وتجاوز الحد فقد كذب ومن قلى وأبغض فقد كذب ،
إذن الرافضة مخطئون من الجانبين تعدوا في علي وقلوا في بقية الخلفاء ،
فجمعوا بين الشرَّين وبين الفسادين :
1 - غلو زائد في علي بن أبي طالب ،
2 - تفريطٌ زائد في حق الخلفاء الراشدين الثلاثة ،

حتى إن بعضهم والعياذ بالله يلعن أبا بكر وعمر صراحةً ويقول إنهما ظالمان وإنهما ممن يذاد عن حوض الرسول يوم القيامة قاتلهم الله كيف يُذاد رجلان دُفِنا إلى جنب الرسول عليه الصلاة والسلام ولم تحصل هذه الفضيلة لأحدٍ سواهما أبداً ولهذا كانا رفيقيه في الدنيا ورفيقيه في القبر في البرزخ وسيكونان رفيقيه يوم القيامة رضي الله عنهما وأرضاهما ،
******************
153 – وبعد فالأفضل باقي العشرة ،
فأهل بدر ثم أهل الشجرة ،

قوله : ( وبعد ) : أي بعد الخلفاء الأربعة ،
قوله : ( فالأفضل باقي العشرة ) : وهم ستة ،
قوله : ( باقي العشرة ) : إذا أخذنا الخلفاء الأربعة ،
فالباقي كم ؟
ستة ،
هؤلاء العشرة هم المبشرون بالجنة أطلق عليهم هذا اللقب .
لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذكرهم في نسق واحد في حديث واحد .
فقال : ( أبو بكر في الجنة وعمر في الجنة وعثمان في الجنة وعلي في الجنة وسعيد بن زيد في الجنة ) [20] ،
وقد جُمِعوا في بيت [21] :
سعيد وسعد وابن عوف وطلحة .
وعامر فهرٍ والزبير الممدح [22] .

خذ الخلفاء الأربعة .
وهؤلاء ستة في البيت سعيد وسعد وابن عوف وطلحة وعامر فهرٍ والزبير الممدح .
هؤلاء ستة مع الأربعة .
الجميع عشرة .
عدهم النبي عليه الصلاة والسلام في نسق واحد في حديث واحد قال : هؤلاء في الجنة .
سعيد بن زيد بن نفيل وسعد بن أبي وقاص وعبدالرحمن بن عوف وطلحة بن عبيد الله وعامر بن الجراح أبو عبيدة والزبير بن العوام هؤلاء ستة مع الأربعة كلهم بشرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة أخبر أنهم في الجنة وهذا بشرى لهم ،

ويجب علينا أن نقول : أن هؤلاء أفضل الصحابة لأن النبي صلى الله عليه وسلم جمعهم في نسقٍ واحد في حديثٍ واحد ،
وهل اقتصرت شهادة النبي صلى الله عليه وسلم لأحد بالجنة على هؤلاء ؟
لا ،
شهد لأناس كثيرين غير هؤلاء ،
عكاشة بن محصن شهد له بأنه يدخل الجنة بلا حساب ولا عذاب لأنه لما حدًّث النبي عليه الصلاة والسلام أن من أمته سبعين ألفا يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب قام عكاشة وقال أدعو الله أن يجعلني منهم قال : ( أنت منهم ) [23] ،
وثابت بن قيس بن شماس رضي الله عنه قال له النبي عليه الصلاة والسلام : يحيا سعيداً ويقتل شهيداً ويدخل الجنة [24] .
وكذلك المرأة التي تصرع ، فقال لها النبي عليه الصلاة والسلام : ( إن شئت دعوت الله لكِ وإن شئت صبرتِ ولك الجنة ) ، فقالت : أصبر [25] ،
وتتبع هذا إذا تتبعه الإنسان يتبين له أُناسٌ كثيرون ممن شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة ،
والشهادة بالجنة نوعان :
1 - شهادةٌ بوصف ،
2 - وشهادةٌ بشخص ،
فأما الشهادة بالوصف : فأن نشهد لكل مؤمن بأنه في الجنة على سبيل العموم ،
وأما الشهادة بالشخص : فأن نشهد لشخص بعينه بأنه من أهل الجنة ،
وكلاهما أو وكلتاهما أي الشهادتان قد دل عليها الكتاب والسنة ،
فمثلاً : بيَّن الله تعالى في القرآن أن الجنة أعدت للمتقين فنشهد لكل متقي أنه في الجنة ،
لكن هل نشهد لفلان أنه في الجنة إذا رأيناه تقياً ؟
لا ، لاحتمال أنْ يرد عليه في آخر عمره أشياء تصرفه عن التقوى فلا نشهد بالجنة بالتعيين إلا لمن عينه الرسول صلى الله عليه وسلم ،
ولا نشهد بالوصف إلا لمن شهد له الله ورسوله والشهادة بالوصف لا تجوِّز الشهادة بالعين ،
فمثلاً نقول : كل مؤمن فإنه في الجنة كل تقي في الجنة ،
لكن هل نشهد بأن فلان المعين في الجنة ؟
لا ، كذلك أيضاً في الشهادة كل من قتل في سبيل الله فهو شهيد ،
لكن لو رأينا رجلا مسلما قتل في المعركة هل نقول إنه شهيد ؟

لا ، لأننا لو قلنا بأنه شهيد للزم من ذلك أن نشهد له بالجنة وهذا لا يجوز
وقال شيخ الإسلام رحمه الله : من أجمعت الأمة أو كادت أن تجمع على الثناء عليه فإننا نشهد له بالجنة [26] ،
واستدل لذلك : بقوله تعالى : { وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا } ( البقرة 143 ) .
فإنه قد مرت جنازة والنبي صلى الله عليه وسلم جالس في أصحابه ، فأثنوا عليها خيرا ، فقال : ( وجبت ) ثم مرت أخرى فأثنوا عليها شرا ، فقال : ( وجبت ) فقالوا : يا رسول الله ، ما وجبت ؟ قال : مرت الجنازة الأولى فأثنيتم عليها خيراً ، فقلت : ( وجبت أي وجبت له الجنة والثانية أثنيتم عليها شراَّ ، فقلت : وجبت أي وجبت له النار أنتم شهداء الله في أرضه ) [27] ،
وعلى رأي شيخ الإسلام رحمه الله يجوز أن نشهد للإمام أحمد بأنه من أهل الجنة لاتفاق الناس أو جملتهم عليه وكذلك بقية الأئمة وأئمة الأتباع لأنهم ممن اتفق الناس أو جلهم على الثناء عليهم ،
قوله : ( فأهل بدر ) : بعد العشرة أهل بدر والعشرة من أهل بدر ،
يعني لا يمتنع أن يكون في الإنسان وصفان أهل بدر هم الذين قاتلوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في بدر ،
وكانت غزوة بدر في السنة الثانية من الهجرة في رمضان ،
وكان سببها : أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع بعيرٍ لقريش جاءت من الشام تريد مكة وهي لا بد أن تمر بالمدينة أو حولها فندب أصحابه إلى الخروج لهذه العير لأخذها فانتدب منهم ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا فقط على سبعين بعير وفرسين ، ثلاثمائة وبضعة عشر رجل على سبعين بعيراً إذا لا بد من تعاقب وفرسين فقط وكانوا لا يريدون الغزو ولا فكروا أن يكون هناك غزو إنما أرادوا عير قريش مع أبي سفيان وهي عيرٌ كبيرة يعني إبل محملة بالطعام والثياب وغيرها ولهذا كان معها أبو سفيان من كبراء قريش فلولا أنها عيرٌ كبيرة لم يكن معها هذا زعيم ،

فإذا قال قائل : كيف يجوز للرسول صلى الله عليه وسلم أن يخرج ليأخذ أموالهم ؟
نقول : إذا أخذ أموالهم فليست بشيء بالنسبة لإخراج الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه من ديارهم هؤلاء أخرجوا الرسول من ديارهم وأموالهم والرسول أراد أن يأخذ أموالهم فقط وهي من الأنفال التي نفلها الله عز وجل : { قل الأنفال وللرسول } ( الأنفال 1 ) ، لما سمع أبو سفيان بالخبر وأن الرسول خرج هو وأصحابه إليهم وكان رجلاً ذكياً عدل عن الطريق إلى سيف البحر وأرسل إلى أهل مكة يستصرخهم لا للقتال ولكن لإنقاذ العير فقط وظن أنهم سيرسلون فلان وفلان من عامة الناس لإنقاذ العير ويرجعون ولكن قريش أخذتهم الحمية وقالوا كيف محمد يتعرض لعيرنا بقيادة زعيمٍ من زعمائنا ؟ لابد أن نخرج نقضي عليه المهم تشاوروا في ما بينهم وفي النهاية أجمعوا على أن يخرجوا إلى الرسول عليه الصلاة والسلام بكبرائهم ( خرج بطراً ورئاء الناس ) بحدِّهم وحديدهم وخيلهم ورجلهم وزعمائهم ومن دونهم فجاءوا إلى الرسول عليه الصلاة والسلام فلما كانوا في أثناء الطريق تشاوروا في ما بينهم هل نمضي أو نرجع ؟ فكان أبو جهل يلمزهم في هذا يعني كيف تفكرون بالرجوع وقد خرجتم والله لا نرجع حتى نقدم بدراً ونقيم فيها ثلاثاً ننحر الجزور ونسقي الخمور وتعزف علينا القيان وتسمع بنا العرب فلا يزالون يهابوننا أبدا انظر فخر بطر ولكن الحمد لله لم تنحر الجزور ولكن نُحِرَ هو لله الحمد قدموا بدراً وتلاقى الصفان وترائى الجمعان وحصل ما حصل وبُنيَ للرسول صلى الله عليه وسلم عريش يدخل فيه يدعو الله سبحانه وتعالى بالنصر ،
لأنه إذا استنفذنا قوتنا المادية والحسية لم يبقى لنا إلا الدعاء ، الدعاء مع القوة المادية والحسية وعدم استعمالها هذا خطأ ،

لكن الدعاء عند العجز هذا واجب وإن جمعت بينهما فخير لكن قام يدعوا الله عز وجل ثم ماذا كان الأمر ؟ قال الله تعالى : { إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان } ( الأنفال 11 ) ، فنفرت الملائكة ونزلت تقاتل تثبت المؤمنين وتلقي في قلوب الكفار الرعب فهربوا وقُتل منهم سبعون رجلا وأُسر سبعون رجلا وكان ممن قتل هذا الزعيم الذي يقول إننا لن نرجع حتى نقدم بدراً وآخر ما قال : وتسمع بنا العرب فلا يزالون يهابوننا أبداً ، لكن العرب سمعت بهم فنزلت مرتبتهم عند العرب ،
وقد سبق لنا أن الخلفاء الأربعة هم أفضل الصحابة وأن أفضلهم أبو بكر رضي الله عنه وأن ترتيبهم في الأفضلية كترتيبهم في الخلافة ،
أي أن علماء أهل السنة اختلفوا في أمر عثمان وعلي :
1 - فبعضهم رتب فضلهما على الخلافة ،
2 - وبعضهم قدم علي بن أبي طالب رضي الله عنه ،
3 - وبعضهم ذكر عثمان ثم سكت ،
4 - وبعضهم توقف ،
وأن الذي استقر عليه أمر أهل السنة والجماعة : تقديم عثمان على علي رضي الله عنه ، وهذا هو ندين الله به ،
ومع ذلك فإننا نحب علي بن أبي طالب من وجه آخر ونقدمه من وجه آخر ،
وهو قرابته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ،
ولكن الفضل لكن في خصيصةٍ واحد لا يعني الفضل المطلق بعد الأربعة الأفضل العشرة المبشرون بالجنة والمبشرون بالجنة أكثر من عشرة ،
لكن هؤلاء عشرةٌ ذكرهم النبي صلى عليه وآله وسلم في نسقٍ واحد بعد هؤلاء أهل بدر ،
وسبق ذكر قصة بدر وسببها ونتيجتها نتيجتها النتيجة العظيمة حتى سمى الله تعالى يومها يوم الفرقان ،
قوله : ( ثم من أهل الشجرة ) : بعد أهل بدر أهل الشجرة ،
( أل ) هنا للعهد الذهني أي الشجرة التي بايع تحتها الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه ،

وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج في ذي القعدة ومعه نحو ألفٍ وأربعمائة رجل خرج قاصداً البيت للعمرة ومعه البُدْن قد ساقها عليه الصلاة والسلام تعظيماً لله عز وجل وللبيت الحرام فلما وصل إلى الحديبية وهي مكانٌ بعضها من الحل وبعضها من الحرم صده المشركون وقالوا : لا يمكن أن تدخل علينا مكة ، نؤخذ ضغطة لا يمكن ،
وهذا من حمية الجاهلية لأن قريشاً لا تمنع أي واحد من الحج أو من العمرة بل ترحب به لأنه يفيدها اقتصادياً لكن محمداً صلى الله عليه وآله يسلم وهو أولى الناس بالبيت هو ومن معه هو الذي يُصد ،
إذن حمية علم أم حمية جهل ؟
حمية جهل فمنعوه وجرت وبينهم وبينه مراسلات فبايع النبي عليه الصلاة والسلام أصحابه تحت هذه الشجرة على ألا يفروا أبداً وأراد صلى الله عليه وسلم أن يناجز قريشاً ويدخل مكة عنوة ولكن الله عز وجل له حكمة بالغة ،
قتل الرسول ممنوع في كل قانون ،
الرسول الذين يكون بين متحاربين لا يمكن أن يُقتل حتى في الجاهلية ممنوع فقال إن كانوا قتلوه لأناجزنهم فبايع أصحابه وكان عليه الصلاة والسلام يبايعهم على ألا يفروا وقد قال الله في هذه البيعة المباركة ، { إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم } ( الفتح 10 ) .
فصرَّح أن مبايعتهم للرسول مبايعةٌ لله وأن الرسول نائبٌ عن الله في ذلك يد الله وهي الرسول فوق أيديهم لكن لما كانت يد رسوله كانت كيده على أحد القولين في الآية ،
فالرسول صلى الله عليه وسلم بايع وقد قال الله في هذه البيعة : { لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرةفعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا عظيما } ( الفتح 18 ) .
والفتح القريب هو الصلح الذي جرى بين الرسول صلي الله عليه وسلم وبين قريش ،
وقد يقول إنسان كيف كان فتحاً مع أن ظاهره أنه هضمٌ للمسلمين ؟

قلنا : كانت فتحاً لأن الناس بدءوا يأتي بعضهم إلى بعض من مكة إلى المدينة ومن المدينة إلى مكة لأجل العهد الذي بينهم فكان فتحاً مبيناً والشيء الذي خُشي عليه أن يكون ضغطاً على المسلمين زال ولله الحمد في قصة من ؟
أبي بصير رضي الله عنه ومن خرج إلى مكة ، لما جاء أبو بصير إلى المدينة فاراً من أهل مكة ألحقوا به رجلين ، تعصب ، وإلا لكانوا قالوا : رجلٌ ذهب دعوه يمشي فألحقوا به رجلين يطلبانه لما وصل إلى الرسول عليه الصلاة والسلام وإذا الرجلان قد وصلا إلى خلفه فقالا : يا محمد العهد أن من جاء منا إليك فإنك ترده إلينا فلما رده إليهم خرجوا من المدينة وجلسوا يتغدون الثلاثة أبو بصير ورجلا قريش وكان أبو بصير قوياً فقال لأحدهم أعطني سيفك إنه سيفٌ جيد وقام يمدحه قام يمدح هذا السيف قال نعم إنه جيد وكم قرعت به من رأس أكملوا فأعطاه السيف فسلَّه أبو بصير وجبَّ به رقبته والثاني هرب إلى المدينة فاراًّ ولحقه أبو بصير فجاء إلى الرسول مذعوراً وقال إن صاحبي قُتل يعني وأنا أخاف على نفسي فقال الرسول عليه الصلاة والسلام : ويل أمه يعنى أبا بصير مسعر حرب لو يجد من ينصره فعرف أن الرسول سوف لن ينصره وسيسلمه مرة ثانية فخرج من المدينة وجلس الصراط لعير قريش قعد الصراط لهم كلما جاءت عير هجم عليها وأخذ منها ما شاء الله فعلم بعض الصحابة الذين في مكة بخبره فخرجوا إليه فكانوا عصابة فأخافوا السبيل وأرسلت قريش إلى الرسول عليه الصلاة والسلام وقالت كلاما معناه خلصنا منه نحن ألغينا عهد الذي بيننا وبينك فيها فرجع أبو بصير ومن معه إلى المدينة واستتب الأمن [28] ولله الحمد وأما العهد الذي كانت مدته عشر سنين فإن قريشاً نقضته حيث أعانت حلفاءها على حلفاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم وحينئذ أنتقض العهد فلم يكن بينهم وبين الرسول عهد فغزاهم وبهذا صار هذا الصلح صار فتحاً مبيناً [29] ،

{ لا يستوي منكم أنفق قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى } ( الحديد 10 ) ، والمراد بالفتح هنا صلح الحديبية ،
هؤلاء أهل الشجرة ، هذه الشجرة بقيت في عهد النبي عليه الصلاة والسلام إلى عهد أبي بكر وهي باقية فلما كان عمر سمع أن قوماً يترددون إليها إلى هذه الشجرة فحماية لحمى التوحيد أمر رضي الله عنه بقطعها أرأيتم لو بقيت ؟
لكانت ذات أنواط أو أشد لكان يعبدها الناس ،
والناس الآن أكثرهم همج لكن من بركات عمر بن الخطاب على هذه الأمة أن قطع دابر الشرك قطعها وأخفى موضعها حتى أخفيت الله الحمد ولم يعرف مكانها حتى الآن ،
******************
154 – وقيل : أهل أحد المقدِّمِة ،
والأول أولى للنصوص المحكمة ،

يعني بعد أهل بدر أهل أحد ،
قال بعض العلماء : أن أهل أحد مقدمون على أهل بيعة الرضوان ،
ومن المعلوم أن من الصحابة من كان من أهل بدر ومن العشرة ومن أهل بيعة الرضوان ومن أهل أحد يعني بعض الصحابة اجتمعت لهم الأوصاف الأربعة وبعضهم لا ،
إذا قلنا : إن أهل أحد مقدمون على أهل بيعة الرضوان ، أيهم أكثر ؟
أهل بيعة الرضوان لأن أهل بيعة الرضوان ألف وأربع مائة وأهل أحد نحو سبع مائة نفر لكن أصابهم من البلاء والتمحيص والقتل ما لم يكن في بيعة الرضوان ،
لهذا رجَّح بعض العلماء أهل أحد على أهل بيعة الرضوان ،
ولكن الذي يظهر القول الأول : أن أهل بيعة الرضوان أفضل ،

لأن أهل بيعة الرضوان استحقوا الرضا ، { لقد رضي الله عن المؤمنين } ( الفتح 18 ) .
أما أهل أحد فاستحقوا العفو ،
وفرق بين هذا وهذا قال الله تعالى : { ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على العالمين } ( الحج 52 ) .
ففرق بين من استحق وصف العفو وبين من استحق وصف الرضوان أيهما أكمل ؟
الثاني أكمل ،

شيخة رواية 09-01-2019 11:47 PM

: أن أهل بيعة الرضوان الضربة أفضل من أهل أحد ،
مع أنه ربما يكون أهل أحد قد شملتهم بيعة الرضوان ،
أما أهل أحد فالقصة فيها معروفة ،
الغزوة سببها : أن قريشاً لما هزموا تلك الهزيمة النكراء في بدر ورجعوا إلى بلدهم تشاوروا في ما بينهم وقالوا : محمد استأصل شأفتنا وقتل خيارنا وسادتنا فلنخرج إليه حتى نأتيه في المدينة ونقضي عليه فجاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة يريدون القضاء على رسول الله صلى الله عليه وسلم واستشار النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه هل يخرج أو لا يخرج ، فالذين لم يشهدوا بدراً قالوا له : اخرج ماذا يريدون ؟
يريدون الشهادة الغزو ، والذين حضروا بدرًا قالوا يا رسول الله نبقى في المدينة فإذا جاءونا قضينا عليهم ،
ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم رجَّح رأي الذين قالوا بالخروج دخل بيته من أجل أن يتأهب للحرب ويلبس لامة الحرب والدرع وغير ذلك ،
فكأنهم تشاوروا في ما بينهم قالوا لعلنا أكرهنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخروج لأنه كان يميل بالأول إلى أنهم لا يخرجون فلما خرج عليهم وقد لبس لامة الحرب على رأسه واستعد للحرب قالوا : يا رسول الله لو تركنا هذا وبقينا على الرأي الأول أن نبقى في المدينة فإذا يعني قاتلناهم ،
فقال : ما كان ينبغي لنبي لبس لامة الحرب حتى يقضي الله بينه وبين عدوه فخرج ومعه ألف نفر سبعمائة مؤمنون خلص وثلاثمائة منافقون ،

وكان المنافقون لا يريدون الغزو يقولون ابقوا هاهنا ولما كان في أثناء الطريق قال عبد الله بن أبي رأس المنافقين محمد يطيع صغار السن ويعصينا لا يمكن أن نقاتل فرجع بثلث الجيش ، ثلث الجيش ليس بالأمر الهين في كسر قلوب الجيش لولا أن الله تعالى أعان المسلمين بالإيمان لانخذلوا إذا رجع من الجيش ثلثه هل يبقى على عزيمته الأولى ؟
أبداً ولهذا حرم الفرار من الزحف ولو واحداً من الناس يفر لأنه يكون سبباً لضعف النفوس ووهن القلوب والهزيمة ،
لكن هؤلاء صمموا حتى كانت الغزوة في أحد تفيد وكان في أول النهار النصر للمؤمنين إلا أن الله أراد بحكمته خلاف ذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم جعل خمسين رامياً وأمَّر عليهم عبدالله بن جبير جعلهم على ثغرٍ في الجبل وقال لا تبرحوا مكانكم أبداً سواءٌ لنا أو علينا فلما انكشف المشركون وانهزموا صار المسلمون يجمعون الغنائم قال الرماة بعضهم لبعض انكشف المشركون وولوا الأدبار فانزلوا أنزلوا خذوا من الغنائم اجمعوهاكما يجمعها الناس فذكَّرهم أميرهم عبدالله بن جبير بقول النبي عليه الصلاة والسلام ولكن { منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة } ( آل عمران 152 ) ، نزلوا إلا نفراً قليلاً لا يغنون شيئاً وإذا فرسان قريش النبيهين الشجعان رأوا المكان خالياً فكرُّوا على المسلمين من خلف الجبل ومنهم خالد بن الوليد وعكرمة بن أبي جهل وهما فارسان من فرسان المسلمين والحمد لله فاختلط المشركون بالمسلمين من وراءهم وحصل ما حصل من الأذى والضرر والقتل وأصاب المسلمين محنٌ عظيمة لا على الرسول عليه الصلاة والسلام ولا على أبي بكر ولا عمر ولا غيرها ،

حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه أسد الله وأسد رسوله يُمَثَّلُ بعد أن قتل حتى قيل إن هند بنت عتبة أخذت من كبده فرت بطنه وأخذت كبده جعلت تأكله لكن عجزت أن تبلعه بإذن الله عز وجل والرسول عليه الصلاة والسلام شُجَّ وجهه وجعل الدم يسيل على وجهه وكسرت رباعيته وحصل له من التعب والمشقة ما لا يصبر عليه إلا أمثاله عليه الصلاة والسلام وقتل منهم سبعون نفراً وأصابهم غمٌّ بغم ولكن الله عز وجل سلاّهم بآيات كثيرة في سورة آل عمران نصفها أو أكثر كلها عن هذا الغزوة ،
وكانت النتيجة أن قتل منهم سبعون نفراً وقال الله تبارك وتعالى : { أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا } ( آل عمران 165 ) ، كيف هذه المصيبة ؟ قال تعالى : { قل هو من عند أنفسكم } ، أنتم السبب ، { إن الله على كل شيء قدير } ، هو قادر عز وجل على أن يكشف المشركين ولا ينالكم سوء لكن أنتم البلاء ، { قل هو من عند أنفسكم } ، يقول هذا : لمن ؟ لجندٍ معهم رسول الله عليه الصلاة والسلام { قل هو من عند أنفسكم } .
وما هي المعصية التي فعلوا ؟ معصية يسيرة ، فما ظنكم بنا الآن ؟
نعم هل عندنا شئٌ يمنعنا من النصر ؟
أقول : ليس عندنا شيء يوجب لنا النصر ، كثيرٌ من حكام المسلمين لا يرضون أن يحكموا بكتاب الله وسنة رسوله وكثيرٌ من حكام المسلمين يلاحقون المؤمنين بالله ورسوله ، { وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد } ( البروج 8 ) .
وكثيرٌ من أسواق المؤمنين تُشرب فيها الخمور وتُعاقر فيها النساء وكثيرٌ من حكام المسلمين لهم موالاةٌ ظاهرة مع أعداء الله فهل يمكن أن يكون النصر لهؤلاء ؟
أبداٌ قد يكون هؤلاء أحق بالخذلان من الكفار الخُلَّص لأن الكفار كفار لكن هؤلاء ينتمون إلى الإسلام وهم لا يؤمنون بالإسلام حقيقة ولذلك نبذوا الكتاب وراء ظهورهم إلا من شاء الله ،

فأقول : إننا ما أصبنا بهذه المصائب التي نحن عليها اليوم إلا بسبب ذنوبنا وذكرت لكم سابقاً أن لذلك سببين :
الأول : الذنوب ،
الثاني : الامتحان لنصبر أو لا نصبر ،
لأنني قلت لكم الآن : إنه ولله الحمد فيه نهضة ،
لأنني قلت لكم : أنه الآن ولله الحمد فيه نهضة شبابية إسلامية فيمتحن هؤلاء هل يصبرون أو لا يصبرون ،
قال الله تعالى : { أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول } ( البقرة 214 ) : يعني معهم رسولهم ، { حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله } ، قال الله تعالى : { ألا إن نصر الله قريب } .
فالحاصل : هذه أحد غزوة أحد حصل فيها من البلاء والتمحيص ما لم يحصل في غيرها ،
ولهذا قال بعض العلماء : إنها أفضل من غزوة الحديبية ،
ولكن الصحيح : أن أهل الحديبية أفضل من أهل بدر ،
وذلك لأنه الله تعالى أحل عليهم رضوانه وأما هؤلاء فقال الله تعالى : { ولقد عفا عنكم } ( آل عمران 152 ) .
قوله : ( والأول أوْلى ) : هنا تسقط الهمزة همزة القطع مراعاة للوزن ،
قوله : ( للنصوص المحكمة ) : يعني للأدلة أدلة النصوص المحكمة يعني الواضحة البينة ،
لأن المحكم يقال بازاء المتشابه ،
قوله تعالى : { منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات } ( آل عمران 7 ) .
ويقال بإزاء المنسوخ فيقال هذا محكم وهذا منسوخ وأصل الإحكام هو الإتقان ،
******************
155 – وعائِشُ في العلم مع خديجة ،

في السَّبْقِ فافهم نُكْتَةَ النتيجة ،

156 – وليس في الأمة كالصحابة ،

في الفضل والمعروف والإصابة ،

157 – فإنهم قد شاهدوا المختارا ،

وعاينوا الأسرار والأنوارا ،

158 – وجاهدوا في الله حتى بانا ،

دين الهدى وقد سَمَى الأديانا ،

159 – وقد أتى في محكم التنزيل ،

من فضلهم ما يشفي الغليل ،
عائشة وخديجة من أمهات المؤمنين رضي الله عنهن ،
وقد اختلف العلماء أيهما أفضل [30] :
1 - فقيل : إن عائشة أفضل ،
2 - وقيل : إن خديجة أفضل ،
والصواب : أن يقال :
أما مرتبتهما عند الله فهذا ليس إلينا ، إلى من ؟ إلى الله عز وجل لا نتكلم في هذا ،
وأما المفاضلة بينهما بحسب ما ظهر لنا من أفعالهما وأحوالهما فهذا إلينا ،
لأنه أمرٌ ظاهر معروف ،
وأما باعتبار كونهما زوجين لرسول الله صلى الله عليه وسلم فلا مفاضلة ،
كل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يشتركن في هذه الفضيلة ،
في أنهن زوجاته في الدنيا والآخرة ،
وأنهن أمهات المؤمنين ،
وأنه يجب علينا من احترامهن وتعظيمهن ما يليق بهن وبحالهن ،
فالجهات الآن ثلاث :
أولاً : من حيث كونهما زوجين أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ،
ففي هذه الحال لا مفاضلة ،
لأن جميع أزواج الرسول يشتركن في هذا الفضل ،
ثانياً : من حيث المرتبة عند الله ،
فهذا لا مفاضلة أيضاً ،
لأن هذا مجهول لنا وكم من شخصين علمهما واحد لكن مرتبتهما عند الله بينهما كما بين السماء والأرض لأن الله لا ينظر إلى صورنا وأعمالنا وإنما ينظر إلى قلوبنا ،
بقي علينا الأعمال الظاهرة أيهما أفضل عائشة أم خديجة ؟
أصح ما قيل في ذلك : ما أشار إليه المؤلف رحمه الله :

أن خديجة لها فضل السبق إلى الإسلام ولها فضل مناصرة النبي صلى الله عليه وسلم في أول أمره وأن النبي صلى الله عليه وسلم يذكرها دائماً وأنه لم يتزوج عليها وأنها أم أكثر أولاده ولها مزايا ،
عائشة رضي الله عنها في كونها أحب النساء إلى الرسول عليه الصلاة والسلام وعنايتها بالرسول صلى الله عليه وسلم وشدة محبتها له وما نشرت من العلم الكثير في الأمة تكون بذلك أميز من خديجة ،
فصارت هذه أفضل من وجه وهذه أفضل من وجه ،
وعلى هذا أشار بقوله : ( وعائشة في العلم مع خديجة في السبق ) ، هذه علم نشرته كثيراً في آخر حياة الرسول عليه الصلاة والسلام ،
وتلك خديجة سبقت وناصرت الرسول وعاضدته رضي الله عنه وجزاها الله عنا خيراً ،
وعائشة في آخر حياة الرسول عليه الصلاة والسلام لا أحد يشك في درجتها عند الرسول صلى الله عليه وسلم ومحبته لها بل وكونه صلى الله عليه وسلم توفي في بيتها وفي حَجْرِِها وفي يومها وآخر ما طَعِمَ من الدنيا ريقها رضي الله عنها .
كل هذه فضائل وميزات لم تحصل لخديجة ولا لغيرها من زوجات النبي صلى الله عليه وسلم ،
ولهذا قال : ( فافهم ) : بالنسبة للمحبة محبتنا لهن نحبهن كلهن على حدٍّ سواء من حيث كونهن زوجات الرسول عليه الصلاة والسلام ولهن عندنا من الاحترام والتعظيم ما يليق بحالهن ويزداد حبنا للواحدة منهن بحسب ما أسدت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وما وإلى الأمة ،
وهذا هو العدل والميزان الحق ،
وأما الميل مع العاطفة فهذا لا شك أنه خلاف الحق ، { فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا } ( النساء 135 ) ، يعني إن أردتم العدل لا تتبعوا الهوى اتبعوا ما يقتضيه العقل نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهل الحق والعدل إنه على كل شئٍ قدير ،

والقرآن لا شك أنه محكم متقن في ألفاظه ومعانيه وفي جميع ما يتعلق به أخباره صدق وأحكامه عدل لا تجد فيه تناقضاً ، { ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا } ( النساء 82 ) .
ولكن قد يشكل على أن الله تعالى سماه في موضعٍ متشابهاً فقال : { الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها } ( الزمر 23 ) ، والتشابه ضد المحكم ، لأن المتشابه يوجب لمن نظر فيه الحيرة والتردد ، فلا يكون محكماً ؟
والجواب عن ذلك أن يقال :
التشابه الذي وُصف به القرآن ، ليس هو التشابه الذي هو خفاء المعنى بل التماثل والتساوي يعني أنه متماثِل يشبه بعضه بعضاً في كماله وجودته وإصلاحه للقلوب والأعمال ،
ولهذا لما أُريد بالمتشابه ( المشتبه فيه معناه ) قسَّم الله تعالى المتشابه إلى قسمين :
1 - محكم ،
2 - ومتشابه ،
فقال جل وعلا : { هو الذي أنزل عليك الكتاب هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله } ( آل عمران 7 ) .
فحينئذٍ نقول : القرآن محكم بمعنى واضح بيِّن لا يشتبه على أحد ،
ومتشابه خفيُّ المعنى لا يعلمه إلا أولوا العلم الراسخون فيه ،
ولهذا قال : { وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم } ، على قراءة الوصل ،
فصار القرآن نَصِفُهُ بأنه كله محكم وبأنه كله متشابه وبأن بعضه محكم وبعضه متشابه ،
ولكن المعنى يختلف في هذا التفسير ،
هل يمكن في القرآن آياتٌ متشابهة على جميع الناس لا يُعرفون معناها ؟
لا ، لا يوجد مثل هذا في القرآن ،
والدليل : قوله تعالى : { ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء } ( النحل 89 ) ، { يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا } ( النساء 174 ) .
لا يمكن إطلاقاً أن يوجد فيه آية أو كلمة لا يُفهم معناها لكن حقيقة الذي يخفى هو حقيقة مدلولات الآيات مثل ما اخبر الله عن نفسه وعن اليوم الآخر ، لا نعرف حقيقته ،

إذا قال قائل : هذا القول الذي قلتم أنه لا يوجد شئٌ يخفى معناه على جميع الناس منقوضٌ بالحروف الهجائية التي ابتدئت بها السور فإن أحداً لا يعرف معناها ، إذا قال لك قائل : ما معنى { نون والقلم ما يسطرون } ( القلم 1 ) ، ما معنى : { نون } [31] ؟
نقول : ليس لها معنى أصلاً لأنها حروف هجائية غير مركبة والقرآن نزل بلسانٍ عربي واللسان العربي يقتضي أن هذه الحروف ليس لها معنى ولكن لها مغزى وهي ظهور إعجاز القرآن لهؤلاء القوم الذين ادعوا أنه مُفترىً على الله عز وجل وأنه قول البشر .
ويدل لهذا : أنه ما من سورة ابتدئت بهذه الحروف إلا وبعدها ذكر القرآن ،
******************
160 – وفي الأحاديث وفي الآثار ،
وفي كلام القوم والأشعار ،

قوله : ( وفي الأحاديث وفي الآثار ) : يعني ورد أيضاً في الأحاديث والآثار ، الأحاديث ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، والآثار ما أضيف لغيره ،
هذا عند الإطلاق .
وإلا فقد يراد بالأثر : ( ما أضيف للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ) .
لكن الغالب أنه يُقيد يقال : في الأثر عن النبي صلى الله عليه وسلم ،
قوله : ( وفي كلام القوم والأشعار ) : الظاهر أنه يريد بالقوم الصحابة وكذلك من بعدهم فإن في أشعارهم من الثناء على الصحابة وبيان فضلهم ومواقفهم ،
******************
161 – ما قد ربا من أن يحيط نظمي ،

عن بعضه فاقنع وخذ من علم ،

قوله : ( ما قد ربا من أن يحيط نظمي عن بعضه ) : ( ربا ) مكتوبة عندي بالياء ،
والصواب : أن تُكتب بالألف ،
لأن الألف المتطرفة في الثلاثي يُنظر إلى أصلها ،
إن كان أصلها الواو فإنها تُكتب بالألف وإن كان أصلها الياء فإنها تُكتب بالياء ،

فمثلاًَ : ( دعا ) تُكتب بالألف لأنها أصلها الواو دعا يدعو ،
( ربا ) مكتوبة بالألف لأنها من ربا يربو ،
( رمى ) لأنها من رمى يرمي ،
( قضى ) بالياء لأنها من قضى يقضي ،
أما ما زاد على الأربعة الألف التي تكون رابعةً فأكثر يعني ما زاد على الثلاثة فتُكتب بالياء إلا ما استثني ،
قلنا مثلاً : ( ربا ) تُكتب بالألف .
لكن لو قلت : ( يستربي ) ، فإنها تًُكتب بالياء .
لأنها زائدة على الثلاثة دعا تُكتب بالألف .
لكن لو قلت : يُستدعى كتبتها بالياء .
فهذه هي القاعدة ،
قوله : ( عن بعضه ) : يعني معناها أن نظمه ربا من أن يحيط عن بعض ما قيل فيهم ،
فكيف بالكل ؟
يكون من باب أولى أن يعجز عنه ،
قوله : ( فاقنع وخذ من علمِ ) : رحمه الله وجزاه الله خيراً ،
ولْيُعْلَم أن المطالعة في سيرة الصحابة رضي الله عنهم تحتاج إلى حذر ،
وذلك لأنه ظهر أعداءٌ للصحابة من بعدهم من الخوارج والروافض ،
فيحتاج الإنسان إلى حذرٍ فيما يُنقل عن الصحابة رضي الله عنهم وقد أشار شيخ الإسلام رحمه الله في العقيدة الواسطية [32] تلك العقيدة المباركة أشار إلى ما ورد عن الصحابة مما حصل من الفتن وأن ما وقع منهم يكون مغفوراًَ ومغموراً بجانب الفضائل ،
******************
162 – واحذر من الخوض الذي قد يُزري ،
بفضلهم مما جرى لو تدري ،

قوله : ( احذر ) : فعل أمر من الحذر وهو التخوف وعدم الإقدام والوقوف أمام الشر والفتنة بحيث لا يتجاوزها المرء ،
قوله : ( من الخوض ) : ( الخوض ) الكلام اللغو الذي لا فائدة منه ،

شيخة رواية 09-01-2019 11:48 PM

ويُطلق على الكلام الذي يتأثم فيه الإنسان كما قال تعالى : { الذين هم في خوض يلعبون } ( الطور 12 ) ، فالكلام الذي لا فائدة منه في الصحابة أو الكلام الذي قد يتأثم فيه العبد يجب أن نحذره وألا نتكلم فيه ،
قوله : ( قد يزري بفضلهم ) : أي يحط من قدرهم ،
قوله : ( مما جرى ) : بينهم أي مما وقع بينهم
قوله : ( لو تدري ) : ( لو ) هذه للتمني يعني ليتك تدري ،
وذلك أنه جرى من الصحابة رضي الله عنهم من الأمور التي هي في الواقع من المتشابه لكن من المتشابه الواقع لا من المتشابه المُنزَّل ،
وجه كونها من المتشابه أنه قد يكون فيها مدخلٌ لكل ذي غرضٍ سيئ وأن الصحابة رضي الله عنهم تقاتلوا فيما بينهم وأراقوا الدماء من أجل الوصول إلى السلطة لا من أجل الوصول إلى الحق فهو من المتشابه الواقع ،
وطريقة أهل العلم والإيمان في المتشابه من المنزل أو من الواقع أن يرجعوا إلى المحكم الذي لا تشابه فيه ،
فما جرى من الصحابة رضي الله عنهم من الفتن كالذي بين علي وعائشة رضي الله عنهما والزبير [33]وبين علي ومعاوية [34] وأحداث كثيرة تُعلم من التاريخ استغلها المغرضون الحاقدون على الإسلام من أجل الطعن في الصحابة ، وحملوها على أنها صدرت عن نيةٍ سيئة كالرافضة الذين في قلوب كثيرٍ منهم غِلْ وحقد على الإسلام ولا سيما على عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي أطاح بعروشهم وفلَّ جموعهم فكانوا يتخذون من هذه الوقائع سُلَّماً للقدح في الصحابة رضي الله عنهم حتى أنهم كانوا يلعنون من قام ضد علي بن أبي طالب رضي الله عنه ويتقربون إلى الله تعالى بلعنه والعياذ بالله مع ما له من الفضيلة ،
لكن الراسخين في العلم وأهل الإيمان يقولون : إن هذا الأمر الذي وقع بينهم يجب أن يُحمل على نيةٍ حسنة ، لماذا ؟

لما للصحابة من الفضل والمعروف والإحسان والجهاد في سبيل الله فما يقع منهم من المعاصي فهو مغمورٌ في جانب الحسنات والحَكَمُ العَدْلُ هو الذي يقارن بين الحسن والسيء ويجعل الحكم للأكثر ونحن إذا قارناَّ لما حصل بين الصحابة مما يُظنُّ إثماً وبين ما حصل منهم من الفضائل والكمالات وجدنا أن الثاني أكثر بكثير والواجب أن تنغمر السيئات في جانب الحسنات هذا هو العدل ،
وما أحسن كلمة قالها ابن رجب رحمه الله في مقدمة كتاب القواعد : ( المنصف من اغتفر قليل خطأ المرء في كثير صوابه ) [35] ،
ولهذا يقول المؤلف رحمه الله : ( فإنه عن اجتهادٍ قد صدر ) ،
******************
163 – فإنه عن اجتهادٍ قد صدر ،
فاسلم أذل الله من لهم هجر ،

قوله : ( فإنه ) : أي ما جرى بين الصحابة من الفتن والقتال ،
قوله : ( عن اجتهادٍِ قد صدر ) : والاجتهاد افتعال من جَهَدَ أي بذل الجهد وهو الطاقة في الحصول على المقصود ،
ولهذا يُسمى العالم الذي يتطلب الأحكام من أدلتها الشرعية يُسمى مجتهداً لأنه يبذل جهده وطاقته ووُسْعَه للوصول إلى الحق عن طريق الدليل ،
فالصحابة رضي الله عنهم حصل ما حصل بينهم عن اجتهاد ،
فمثلاً : معاوية وعائشة رضي الله عنها والزبير قاتلوا يظنون أن هذا هو الذي سبباً للعثور على قتلة أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه ليُقتص منه ، وعلي بن أبي طالب أخَّر البحث عن القاتل أو عن المتآمرين لأن الحال تقتضي ذلك الناس في فتنة ويصعب جداً أن نعثر على هؤلاء المدبرين ثم إذا عثرنا فإن قتلهم قد يؤدي إلى فتنةٍ أكبر لأن منهم رؤوس قبائل ،
فعليٌّ له رأي ،
ومعاوية وعائشة والزبير لهم رأيٌ آخر ،
كلها عن اجتهاد ،

ثم إنه قد قيل : إن الفتنة كادت أن تنطفئ لولا رجالٌ من رجال معاوية صار في نفوسهم بعض الشيء وبادروا بالقتال فحصل الشر ،
وأياًّ كان التقدير فإنه يجب أن نحمل الإساءة على الإحسان وننظر بينهما ونقول : إذا قدَّرنا أن هؤلاء أخطئوا في هذه الفتنة الكبيرة فإن لهم من الحسنات ما يوجب محو هذا ،
والإنسان المجتهد إن أصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر والخطأ مغفور ،
هكذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا حكم الحاكم فأصاب فله أجران وإذا أخطأ فله أجرٌ ) [36] ،
وهؤلاء بين مجتهدٍ مصيب ومجتهد مخطئ فالمصيب له أجران والمخطئ له أجرٌ واحد ،
فإن قال قائل : أيهم أقرب إلى الصواب وأيهم أحق بالخلافة ؟
فالجواب : أن الأقرب للصواب والأحق للخلافة علي بن أبي طالب لا شك في هذا ،
ودليل ذلك : قول النبي صلى الله عليه وسلم في عمار بن ياسر : ( إنه تقتله الفئة الباغية ) [37] ، ( الباغية ) يعني الخارجة على الإمام والذي قتل عمَّاراً هم أصحاب معاوية ،
وعلى هذا يكون علي بن أبي طالب أقرب إلى الصواب ويكون جيش معاوية هو الفئة الباغية ،
لكن مع هذا يجب علينا ألا نضمر حقداً ولا بغضاء لواحد من الصحابة وأن نحمل ما جرى منهم من الخطأ على أنه اجتهاد والله يغفر له ،
ثم إنه من العقل والإيمان ألا نجعل ما جرى بين الصحابة من هذه المسائل سبباً للأخذ والرد والخلاف لأن هذه أمةٌ قد خلت { لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت } ( البقرة 286 ) .
علينا أن نجتمع من الآن على طريق الحق الذي في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وألا نداهن كما يدعو إليه بعض الناس اليوم من محاولة التقريب بين الرافضة وبين أهل السنة
لأن محاولة التقريب بين المذهب الحق والمذهب الباطل ليس إلا مداهنة ، مداهنة في دين الله ،
وإن من الواجب على الجميع الرجوع إلى الكتاب والسنة وهَدْي السلف الصالح ،

وأول ما يجب الكف عن مساوئ الصحابة رضي الله عنهم [38] واعتقاد أن من أخطأ منهم فإن خطأه منغمر في جانب صوابه وما حصل من فساد فإنه منغمر في جانب الإصلاح هذا الواجب علينا فيما جرى بين الصحابة رضي الله عنهم ،
قوله : ( فاسلم ) : من أي شيء ؟ اسلم من الخوض والوقوع فيهم والعداوة والبغضاء لهم ،
قوله : ( أذل الله من لهم هجر ) : أي أوقعه الله في الذل والهوان وهذه الجملة الخبرية جملةٌ دعائية ، ويشير رحمه الله إلى الرافضة الذين هجروه ،
لا نقول : هجروهم لا يكلمونهم لأنهم أموات ،
لكن هجروا فضلهم ونشر فضلهم بل اعتدوا عليهم يعني ليت الصحابة سلموا منهم ليتهم سكتوا عن نشر فضائلهم ولكن لم يتهموهم ويرموهم بالباطل والكذب ويلعنونهم على رؤوس المنابر والعياذ بالله ويلعنوهم في كتبهم الصباحية في أذكار الصباح والمساء يكتبون ( اللهم ألعن صنمي قريش وجتبيهما وطاغوتيهما ) يعنون بذلك أبا بكر وعمر والعياذ بالله نسأل الله العافية نحن رأينا كتبهم هكذا في أذكار الصباح والمساء يعني يتقربون إلى الله بلعن أبي بكر وعمر نسأل الله العافية ،
ولكن أبعدهم الله لا يزدادون بذلك إلا بعداً من الله عز وجل ،
فنشكر المؤلف ونسأل الله أن يعفو عنه حيث دعا بالذل على من هجر الصحابة بعدم نشر فضائلهم بل زاد على ذلك أنه نشر ما اتهمهم به بل وكذب عليهم به من المساوئ ،
******************
164 – وبعدهم فالتابعون أحرى ،
بالفضل ثم تابِعوهُم طراّ ،

قوله : ( أحرى ) : أجدر بعد الصحابة التابعون ، التابعون لهم بإحسان وهم القرن الثاني من هذه الأمة ،
واعلم أن القرن يُعتبر بأكثره كما قال شيخ الإسلام رحمه الله [39] ،

وليس معنى التابعين أنه لا يوجد أحدٌ من الصحابة لا ، فإذا كان القرن أكثره من التابعين أي ممن لم يشاهدوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإنه يُسمى قرن التابعين وإن كان يوجد العشرة والمائة وما أشبه ذلك من الصحابة وكذلك يقال في تابع التابعين فالقرن يُعتبر بأكثر أهله ،
التابعون هم أحرى الناس بالفضل بعد الصحابة رضي الله عنهم ،
لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ) [40] ،
والتفضيل هنا تفضيلٌ للجملة على الجملة وليس لكل فردٍ على كل فرد ،
بمعنى أنه قد يوجد في تابع التابعين من هو أفضل من التابعين في العلم والعبادة والجهاد ،
كذلك أيضاً يوجد في التابعين من هو أفضل من الصحابة في العلم والجهاد ليس الصحابة عموماً ،
بل من بعض الصحابة الواحد من هؤلاء قد يفضل الواحد من هؤلاء ، إلا أن الصحابة يتميزون بخصيصةٍ ليست لغيرهم وهي الصحبة هذه لا يمكن أن ينالها أحد من التابعين لكن الفضل والعلم والجهاد ربما يوجد في التابعين من خيرٌ من بعض الصحابة كما يوجد في تابع التابعين من هو خيرٌ من التابعين ،
فالتفضيل إذن للجملة لا لكل فرد إلا ما ذكرت لكم من تميز الصحابة رضي الله عنهم بهذه الخصيصة وهي الصحبة ،
قوله : ( ثم تابعوهم طُراّ ) : تابع من ؟ تابع التابعين ،
قوله : ( طُراًّ ) : يحتمل بمعنى قطعاً وأن تكون بمعنى جميعاً وهو كذلك نحن نقطع بأن تابع التابعين بعد التابعين وأن التابعين بعد الصحابة ، نقطع بذلك ،
وسكت المؤلف عن بقية الطبقات يعني لم يذكر إلا ثلاث طبقات الصحابة والتابعون لهم وتابع التابعين وإنما اقتصر على ذلك بناءاً على ما في حديث عمران بن حصين وغيره من أن خير الناس الصحابة ثم التابعين ثم تابعوا التابعين ،
وعلى هذا فنقول : ما بعد هذه القرون الثلاثة حصلت الفتن وانتشرت البدع وتفرقت الأهواء وحصل الشر الكثير ورفعت المبتدعة رؤوسها ،

واضطرب الناس أمناً وإيماناً وتكلم الناس في كل شيء حتى تكلموا في الله عز وجل ،
وصاروا في الله ما بين معطّلٍ لصفاته ومثبتٍ ممثل وقائمٍ بالقسط معتدل ،
واختلاف الناس في الله عز وجل وفي أسمائه وصفاته كان بعد الاختلاف في مسألة القدر ومسألة الإيمان والكفر ،
لأن مسألة القدر أدركت أواخر عصر الصحابة رضي الله عنهم ،
ومسألة الأسماء والإيمان والكفر بعدها وكذلك الإرجاء وما يتعلق به ،
ثم جاءت بدع الأسماء والصفات وانتشرت هذه انتشاراً عظيماً وصار الناس يتكلمون عليها أكثر من غيرها لأنها أشد خطراً من غيرها ،
وإلى هنا انتهى كلام المؤلف على الصحابة على ما يتعلق بفضلهم وبعدُ فإني أدعوكم إلى قراءة أخبار الصحابة رضي الله عنهم بعد قراءة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم حتى يشد الإنسان نفسه مع السابقين السالفين ليزداد بذلك إيماناً ومحبةً لهم ومنهجاً طيباً ،

الأسئلة
السؤال : صغار الصحابة الذين كانوا في المدينة ولكن لم يروا النبي صلى الله عليه وسلم كانوا داخل البيوت ، هل تعتبر لهم صُحبة أم لا ؟
الجواب : لا ، الذين لم يجتمعوا به لا تعتبر لهم صُحبة ،
السؤال : يعتبرون متبعين حكماً لأن آباؤهم متبعين لفعله ؟
الجواب : لا ، لا تعتبر ، لا بد أن يجتمعوا به ،
السؤال : صغار الصحابة الذين رأوا النبي صلى الله عليه وسلم ولكن لم يكونوا متحملين ؟
الجواب : تكون روايتهم مرسلة ،
السؤال : هل تُقبل ؟
الجواب : ومرسل الصحابي له حكم الاتصال ، هذا يُعلم من مصطلح الحديث ،
السؤال : من أعلى مرتبة الأخوة أو الصحبة يعني إذا قلت هذا صاحبي أو أخي ليست بأخوة نسب ؟
الجواب : المصاحب لك مؤمن ، إذن اجتمعت في حقه أخوة وصُحبة ،

ومن لم يكن صاحباً فليس في حقه إلا الأخوة ولهذا لما قال الرسول عليه الصلاة والسلام : ( ليت أناَّ نرى إخواننا ) قالوا : أو لسنا إخوانك يا رسول الله ؟ قال : ( أنتم أصحابي ، إخواني قومٌ يأتون من بعدي يؤمنون بي ولم يروني ) فقوله : ( أنتم أصحابي ) [41] : يعني أعلى من الأخوة ، وإذا كان أخوك فهو من الإيمان فإن صاحَبَك فهو أخوك وصاحبك ،
السؤال : بالنسبة لمصطلح الحديث : الذين قالوا أن مرسل التابعي الأصل فيه الضعف فمرسل الصحابي لا يقبل لأن الأصل فيه الضعف ؟
الجواب : ليس بصحيح ،
الصحيح : أن مرسل الصحابي مقبول وأن له حكم الاتصال ،
أما مرسل من بعد الصحابة فهو منقطع ،
إلا إذا عُلم أن هذا التابعي لا يروي إلا عن صحابي كسعيد بن المسيب فإنهم قالوا : إنه لا يروي إلا عن أبي هريرة وعلى هذا فيكون مرسله متصلاً ،
السؤال : المخضرم حديثه منقطع أو مرسل ؟
الجواب : منقطع ، المرسل منقطع ،
لأن كل مرسل أو معلق أو معضل أو منقطع بالمعنى الخاص فهو منقطع ما لم يتصل سنده ،
فيشمل الأربعة يشمل المنقطع والمعضل والمرسل والمعلق ،
السؤال : الصديق والزميل هل هما بمعنى الصاحب ؟
الجواب : لا الصديق غير الزميل قد يكون صديقك وليس زميلك وقد يكون زميلك وليس صديقك ، الزميل المشارك لك في مهنة من المهن ،
فمثلاً : قد تكون أنت وهو في فصلٍ واحد فيكون زميلك ، لكن هل هو صاحبك ؟
قد وقد ، الصديق صديق سواءً زميل أو غير زميل حتى لو مثلاً عمله يباين عملك فهو صديقك ،
لا يشترط في التحمل الإسلام ، الإسلام يشترط في الأداء ،
أما التحمل فلا يُشترط لأنه إذا أسلم لا يمكن أن يقول كذباً ,
السؤال : كيف نوفِّق بين قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكرٍ ) [42] ، وقول أبي هريرة : أوصاني خليلي …… ، [43] ؟
الجواب : الخلة من جانبين ، الخلة تكون من جانبين زيد خليلٌ لعمرو وعمرو خليلٌ لزيد ،

الممنوع هو أن الرسول يتخذ خليلاً ،
أما أن يُتخذ هو خليلاً فلا بأس ،
بل هو الواجب علينا ، الواجب علينا أن نجعل الرسول عليه الصلاة والسلام هو خليلنا وأحب الناس إلينا ،
السؤال : أخذنا أحسن الله إليك أنه إذا كان الإنسان مسلماً ثم ارتد ثم أسلم ، فإن أعماله السابقة تُقبل ، والله سبحانه وتعالى يقول : { لئن أشركت ليحبطن عملك } ( الزمر 65 ) ، فيشمل جميع الأعمال ؟
الجواب : هذا عام ظاهره سواءً رجعت أو لم ترجع ولكن الذي قال : { لئن أشركت ليحبطن عملك } ، والذي قال : { ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون } ( الأنعام 88 ) .
فالأول في حق الرسول وهذا في حق الناس هو الذي قال : { ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم } ( البقرة 217 ) .
وعلى هذا فيكون المطلق مقيداً بما إذا مات عليه ، وربما يكون عوده إلى الإسلام بعد الردة خيراً كثير من الناس السفهاء عندنا الآن مسلمون هم مسلمون حقيقةً وحكماً ثم يرتدون بترك الصلاة والفجور وكل الأعمال السيئة ثم يهديهم الله فيكونون أحسن حالاً من قبل بكثير ،
السؤال : هل من مذهب أهل السنة الترضي عن الصحابة ؟
الجواب : نعم ، هذا من حقهم علينا ، وإلا فإن الله عز وجل وصف الذين من بعدهم بأنهم { يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان } ( الحشر 10 ) ، ولم يذكر الترضي لكن من حقوقهم علينا ومن الأدب ، ومن الاعتراف بالفضل أن نترضى عليهم وإلا فهو ليس بواجب ،
السؤال : قولهم علي كرم الله وجهه وقولهم الإمام علي هل هذه …… ؟
الجواب : هذه من شعار الرافضة ، نحن نقول عليٌ إمام لا شك وقوله متبوعٌ بأمر الرسول عليه الصلاة والسلام : ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين ) [44] ، وعليٌ منهم ،
ونقول : أبو بكر إمام وعمر إمام وعثمان إمام بل نقول : من دون هؤلاء إمام ،
الإمام أحمد بن حنبل الإمام الشافعي الإمام أبو حنيفة ،

ليست الإمامة خاصة بعلي بن أبي طالب إلا إذا كانوا يريدون بها إمامةً هم يدَّعونها وهي إمامة العصمة ،
فنحن لا نقرهم على ذلك لا في علي بن أبي طالب ولا غيره إلا الرسول صلى الله عليه وسلم [45] ،
أما قولهم : ( كرم الله وجهه ) فالتكريم أيها أبلغ التكريم أو الرضا ؟
الرضا ،
الدليل على هذا : ( أهل الجنة يقول الله لهم تمنوا علي فيقولون ألم تعطنا ألم تفعل ألم تفعل ويذكرون ما هو عليهم ثم يقول إنكم عليَّ أن أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم أبداً ) [46] ،
فصار الرضوان أعظم من التكريم هؤلاء الذين أرادوا أن يكرموا علي بن أبي طالب عدلوا عن الأفضل إلى المفضول ،
نقول : إذا قلتم علي ( رضي الله عنه ) أفضل من إذا قلت ( كرم الله وجهه ) ،
لأن التكريم دون الرضا ،
والدليل : حديث أهل الجنة مع الله عز وجل أنهم يذكرون نعمه عليهم وإعطاءه ثم يقول : ( أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم أبداً ) ،
لكن الإنسان الذي يريد الباطل بإذن الله يُحرم الحق لما أرادوا الباطل بهذا ،
وتخصيص علي بن أبي طالب رضي الله عنه بذلك حُرموا الحق و عدلوا إلى المفضول مع وجود أفضل ،
فنحن نقول : إن أكرم شيء يناله العبد رضا الله ، { والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان } ( التوبة 100 ) ، كرَّم الله وجوههم ، هذه الآية ؟ أم { رضي الله عنهم ورضوا عنه } ( البينة 8 ) ؟
{ رضي الله عنهم ورضوا عنه } ، { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية ، جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا } ( البينة 7 – 8 ) ، ماذا بعدها ؟
{ رضي الله عنهم ورضوا عنه } ، ختمها بهذا { ذلك لمن خشي ربه } .
يقولون : إنهم يصفونه بـ ( كرَّم الله وجهه ) لأنه لم يسجد لصنم ،

شيخة رواية 09-01-2019 11:48 PM

فنقول : إذا كان الأمر كذلك فما أكثر الصحابة الذين لم يسجدوا لصنم ، كل الذين وُلدوا في الإسلام لم يسجدوا لصنم والذين في الجاهلية لا نعلم عنهم سجدوا للأصنام أم لم يسجدوا ،
السؤال : قوله ( مفرج الأوجال ) و ( مُجْلي الصدا ) أليس في هذا العموم غلو ؟
الجواب : الحقيقة أن فيه شيئاً من الغلو خصوصاً ( مفرج الأوجال ) ،
لكنه يقال في الاعتذار عن المؤلف رحمه الله : أن هذا وصفٌ إضافي بمعنى أنه عندما يخاف الناس يكون هو الذي يزيل الخوف عنهم لكن بأمر الله عز وجل ،
وإلا فإن التفريج المطلق لا يكون إلا لله عز وجل ،
أما ( مجلي الصدا ) فكذلك أيضاً يمكن أن نقول فيه شيء من المبالغة ،
لكنه رحمه الله كما قلت لكم إنما أطنب في وصفه بالمدح للسببين اللذين ذكرناهما أولاً الرد على الرافضة والثاني الرد على الناصبة ،
السؤال : هل صحيح أن شيخ الإسلام قال : ( أن علماء الرافضة كفار وعامتهم فساق ) ، هل ثبت عنه هذا القول ؟
الجواب : لا أدري ، لم أرَ هذا لكن القاعدة عن شيخ الإسلام كما عرفتموها أن الإنسان الذي لا يعلم الحق ولم يُبين له لا يكون كافراً ،
السؤال : سمعنا ورأينا من عوام الرافضة سبهم للصحابة على المنابر والطرقات وأنهم إذا أرادوا أن يسبوا امرأة قالوا : ( أنتِ عائشة ) سباًّ لها ؟
الجواب : إذا كان هؤلاء يسبون الصحابة على المنابر فالواجب منعهم وإذا لم نستطع يجب أن نبين الحق وألا نّسُبَّ من يغلون فيهم ،
لأن هؤلاء النواصب لما صار هؤلاء يسبون الصحابة قالوا : إذن نسب جماعتكم الذين تغلون فيهم ،
فنحن نتبع الحق نقول : أهل البيت لا شك أن المؤمنين منهم الذين يساويهم غيرهم في الإيمان هم أعني آل البيت هم أحق بالمحبة لقرابتهم بالنبي عليه الصلاة والسلام ونكتفي بالتبيين لأن العوام مشكل العامي الآن يرى أن عالمهم هو العالم وأن من سواه جاهل ،

ولهذا تجد مثلا الرجل يثق بفتوى عالم من علماء المملكة إذا كان هو من أهل المملكة لكن لا يثق من نفس الفتوى إذا كانت من عالمٍ آخر ،
فهذه مشكلة في الحقيقة مسألة العوام من أشكل ما يكون عندي ،
لأن بعضهم قد يكون بلغه الحق ولو لم يكن من بيان الحق ،
إلا أنهم يقولون هؤلاء هم أهل سنة وهؤلاء شيعة أيهم أقرب للصواب الذين على سنة أو الذي يتشيع لآل البيت ؟
يعني حتى الفطرة تقتضي أنه لا يجوز اعتناق الشيعة مع وجود السنة لأن السنة هي الأصل ،
السؤال : المراد بعلي أبو ذو السبطين ؟
الجواب : السبطين الحسن والحسين فإن سبطا الرجل أولاد بناته أي يعني بالنسبة للرسول صلى الله عليه وسلم ذو النورين عثمان يقال أنه أخذ بنتي رسول صلى الله عليه وسلم ،
السؤال : قول الله تعالى لأهل بدر : ( اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ) [47] ؟
الجواب : هذا مشكل لأن ظاهر العموم ( اعملوا ما شئتم ) يشمل الكفر ،
والجواب عن هذا بأحد وجهين :
الأول : أن يقال إنه لا يمكن أن يشاءوا الكفر لما حل في قلوبهم من الإيمان الراسخ الذي لا يمكن أن يدخل من خلاله الكفر فيكون هذا بشارةٌ لهم أنهم لن يكفروا ويبقى ما دون الكفر مكفر بهذه الغزوة ،
إذن معناه أن قوله ( ما شئتم ) لا يدخل فيه الكفر لأنه لا يمكن أن يشاءوا الكفر بسبب ما قدموه من هذه الحسنات العظيمة ويكون في هذا بشارةٌ لهم بأنهم لن يكفروا ،
ثانياً : أنه على فرض كفرهم سوف يُيسرون للتوبة حتى يُغفر لهم : { قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف } ( الأنفال 38 ) .
فيكون في هذا بشارتين :
إما أنه لن يكفروا أو بأنه لو قُدر بأنه لو كفروا فإنه سوف يعودون للإسلام ويُغفر لهم ما قد سلف ومن تتبع أحوالهم لم يجد منهم ارتد كل الذي في غزوة بدر ما ارتد منهم أحد ،
فيكون المعنى الأول أقرب وأصح أنهم لن يشاءوا الكفر ، ولو قلت لك أثبت لي معصية واحدةً وقعت من أهل بدر فلن تستطيع ،

والفرض الذهني لا يعني الأمر الواقع قد يفرض الذهن أن الرسول قد يرتد حاشاه من ذلك ، أنت الآن هل عندك أن واحداً من أهل بدر زنا أو سرق أو شرب الخمر ،
لذلك أنا استثنيت قلت : متأول لم يفعل أحدٌ منهم معصية جهاراً يعلم أنها معصية إلا بتأويل ،
المهم الآن هل تستطيع أن تقدح في أحد من أهل بدر تقول أنه زنا ؟
لا تستطيع وأنا قلت لكم : لو فرضنا أنهم زنوا وسرقوا وشربوا الخمر ،
فهذه معاصي دون الكفر فتكون مُكفَّرة بهذه الحسنة العظيمة هي ما أشكل عليهم بمسألة الكفر ومسألة الكفر أخبرتكم بأن هذه بشرى بأنهم لن يشاءوا الكفر ،
لأن الله قال : ( اعملوا ما شئتم ) وهم لن يعملوا الكفر ،
وكيف يتصور الإنسان أنهم غزوا هذه الغزوة العظيمة التي فتح الله بها على المسلمين ثم يكفر ؟
هذا بعيد ،
لكن نقول : هو دليل على أنهم لن يكفروا أي لن يشاءوا الكفر ثم لو فُرض أنهم كفروا فرضاً ذهنياً ليس واقعياً ،
يقول ابن حجر وغيره من العلماء : لو أننا نزَّلنا الفروض الذهنية منزلة الواقع لما استدللنا بأي حديث ،
وكذلك نقول في الآيات : يعني لو فرضنا أن كل فرض يفرضه الذهن يَرِدْ على مسألة من المسائل على نص من النصوص ما استطعنا ، كل نص يمكن أن يحتمل نحن ليس لنا إلا الظاهر ،
السؤال : لماذا فضلنا بقية العشرة على أهل بدر ، ما هو الشيء الذي فضلنا به البقية على أهل بدر مع أن دخول الجنة لا يستلزم مغفرة الذنوب وأهل بدر غُفرت ذنوبهم ؟
الجواب : أولاً نقول : أنا أوكلك الآن تتبع هؤلاء العشرة هل تخلف أحدٌ منهم عن بدر فإذا وجدت أحداً تخلف وهو حي باقي فحينئذٍ يَرِد هذا الإشكال ولكنه في الواقع يمكن الإجابة عنه ،
السؤال : أهل الحديبية هل يُشهد لهم بالجنة ؟
الجواب : أما على سبيل الفردية فكل واحد نقول : هذا في الجنة فهذا لا يكون يقال الذين بايعوا تحت الشجرة كلهم رضي الله عنهم لا يُشهد للواحد منهم ،
السؤال : نقول للشهيد : اِستشهد أو قُتل ؟

الجواب : نقول : استشهد أو قُتل شهيداً ،
السؤال : هل ورد أن النبي إذا هُزم كر على الكفار مرة أخرى ؟
الجواب : نعم بعد أن رجعوا قيل أنه نزلوا في مكانٍ واستشار أصحابه أن يعودوا إليهم فخرجوا ولم يجدوهم ،
ولهذا قال الله تعالى : { الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم ، الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل ، فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم } ( آل عمران 172 – 174 ) ، معناه أنهم خرجوا يريدون قريشاً ولكن لم يجدوا قريشاً صاروا معه شيعاً هذا ليس بصحيح ،
السؤال : القول بأن أهل بدر معصومون من الكفر وبعض الذنوب ويغفر لهم صغائر الذنوب ؟
الجواب : هذا قولٌ ليس بصحيح لأن حتى غير أهل بدر فالصغائر تقع مُكفرة بفعل الحسنات ، الصغائر تقع مُكفرة بفعل الحسنات ،
السؤال : لو استدل مستدل بكتاب حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه لأهل مكة على أن فعل أهل بدر لو فعلوا الكفر فإنه يقع مغفوراً لهم هل يصح ؟
الجواب : نعم يصح لو فعله من أهل أحد لكان غُفر له ،
لأن حاطب بن أبي بلتعة ما ارتد عن الإسلام ،
السؤال : ألم يقصد موالاتهم ؟
الجواب : أبداً لم يقصد موالاتهم وإنما يقصد الخوف على أهله منهم ، هو صرَّح بهذا ،
السؤال : نسمع كثيراً جملة : ( لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً ) ، فما معنى هذه الجملة ؟
الجواب : ( صرفاً ) يعني معناها أن يصرف عنه العذاب بدون مقابل ( ولا عدلاً ) بمقابل ،
السؤال : هل إذا اختلف الصحابة على قولين ، فهل نقول : ( إن القولين تعارضا فتساقطا ) أو هل لا بد أن نطلب ما يساعده الدليل ؟
الجواب : الغالب أن الحق لا يخرج عن أقوال الصحابة ،
وبناءاً على ذلك نقول : نبحث فيما يعضده الدليل لأنهم هم أقرب الناس إلى الصواب ،

وصحيحٌ أنه إذا تعارض قولان للصحابة بدون مرجح صحيحٌ أنه يضعف القول لا شك لأنه عورض بمثله ،
وهذا قد يبدو للإنسان أن يقول : لا احتج به ما دام ضعيفاً عورض بمثله فلا احتج به ،
لكن الخير أن نقول : ما دام أنه عورض بمثله فإن الواجب أن نبحث لأنهما وإن تعارضا فإنهما أقرب إلى الصواب من غيرهما ،
ولكن نلاحظ أنه لا يمكن أن نعارض قول ابن عمر بقول رجلٍ من الصحابة بعيدٍ عن الفقه إلا إذا عضده الدليل ، إذا عضد المفضولَ الدليلُ فمعلومٌ أن الواجب اتباع الدليل ،
السؤال : ذكر الحافظ رحمة الله عليه في ( فتح الباري ) أن بعض أهل العلم قالوا : الذين ارتدوا بعد النبي صلى الله عليه وسلم هم الصحابة ، فما الدليل على ذلك ؟
الجواب : يعني على هذا القول : أن الذين لم يرتدوا ليسوا صحابة ؟‍‍
الظاهر أن الأمر بالعكس ،
لأن بعض العلماء يقول : إن الصحابي إذا ارتد بطلت صحبته .
وقد أشار إلى هذا في نخبة الفكر فقال : ( ولو تخللت ردة في الأصح ) .
يعني أن الصحابي : ( من اجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً ومات على ذلك ولو تخللت ردة بين إيمانه بالرسول صلى الله عليه وموته على الإسلام ) ،
السؤال : هل نقول أن هناك إجماعاً أن من ارتد بعد النبي صلى الله عليه وسلم فليس بصحابي ؟
الجواب : لا ، فيه خلاف ولهذا قال : ( ولو تخللت ردةٌ في الأصح ) ،
السؤال : هل يصح أن نقول إن القرآن متفاضل يفضل بعضه بعضاً ؟
الجواب : القرآن باعتبار المتكلم به لا يتفاضل ،
لأن المتكلم به واحد وهو الله عز وجل ،
وأما باعتبار مدلوله فلا شك أنه يتفاضل فـ { تبت يدا أبي لهب } ( المسد 1 ) ، ليست مثل : { قل هو الله أحد } ( الإخلاص 1 ) ، وأعظم آية في كتاب الله هي آية الكرسي ،
إذن يتفاضل من حيث ما يدل عليه ،

دره العشق 09-01-2019 11:49 PM

بارك الله فيكم ونفعنا بما قدمتم
جزاكم الله خير الجزاء
سلمت اناملكم
فى انتظار ابدعاتكم
دمتم متألقين مبدعين متميزين

خالد الشاعر 09-02-2019 02:18 AM

جزاكي الله خيراً
وبارك الله فيكي
وجعلها في موازين حسناتكِ
وأثابكِ الله الجنه أن شاء الله


الساعة الآن 01:48 AM

Powered by vBulletin Hosting By R-ESHQ
HêĽм √ 3.1 BY: ! RESHQ ! © 2010
new notificatio by R-ESHQ
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2025 DragonByte Technologies Ltd.
تنويه : المشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس بالضرورة تمثل رأي أدارة الموقع