نبى الإنسانية.. حسن السيرة وطيب المسيرة «2»
جاء عن على رضى الله عنه قال:
سمعت رسول الله «صلى الله عليه وسلم»
يقول: «ما هممت بقبيح مما كان أهل الجاهلية
يهمون به إلا مرتين من الدهر، كلتيهما
يعصمنى الله منهما؛ قلت ليلة لفتى كان
معى من قريش بأعلى مكة فى أغنام لأهله يرعاها:
أبصر إلى غنمى حتى أسمر هذه الليلة
بمكة كما يسمر الفتيان.
قال: نعم. فخرجت، فجئت أدنى دار
من دور مكة، سمعت غناء وضرب
دفوف ومزامير، فقلت: ما هذا؟
فقالوا: فلان تزوج فلانة،
لرجل من قريش تزوج امرأة،
فلهوت بذلك الغناء
وبذلك الصوت حتى غلبتنى عيني،
فما أيقظنى إلا حر الشمس، فرجعت،
فقال: ما فعلت؟ فأخبرته.
ثم قلت له ليلة أخرى مثل ذلك، ففعل،
فخرجت، فسمعت مثل ذلك،
فقيل لى مثل ما قيل لي،
فلهوت بما سمعت حتى غلبتنى عيني،
فما أيقظنى إلا مس الشمس،
ثم رجعت إلى صاحبى فقال:
فما فعلت؟ قلت: ما فعلت شيئًا.
قال رسول الله «صلى الله عليه وسلم»:
«فوالله ما هممت بعدها بسوء مما يعمل
أهل الجاهلية حتى أكرمنى الله بنبوته».
ومن ثم فقد عصمه الله وحفظه؛
يقول الماوردي:
«هذه أحوال عصمته قبل الرسالة،
وصده عن دنس الجهالة، فاقتضى
أن يكون بعد الرسالة أعظم، ومن الأدناس أسلم،
وكفى بهذه الحال أن يكون من الأصفياء الخيرة
أن أمهل، ومن الأتقياء البررة أن أغفل،
ومن أكبر الأنبياء عند الله تعالى من أرسل،
مستخلص الفطرة على النظرة،
وقد أرسله الله تعالى بعد الاستخلاص
وطهره من الأدناس، فانتفت عنه تهم الظنون،
وسلم من ازدراء العيون؛ ليكون الناس
إلى إجابته أسرع، وإلى الانقياد له أطوع». لقد نشأ «صلى الله عليه وسلم»
متحليًا بكل خلق كريم، مبتعدًا عن كل وصف ذميم،
فكل خلق محمود له منه النصيب الأوفر
والحظ الأكبر، وكل خلق ذميم فهو عنه
أسلم ومن وسائله وأدواته أبعد؛
يقول القاضى عياض:
«وأما الخصال المكتسبة من الأخلاق الحميدة
والآداب الشريفة، التى اتفق جميع العقلاء
على تفضيل صاحبها، وتعظيم المتصف
بالخلق الواحد منها، فضلًا عما فوقه،
وأثنى الشرع على جميعها، وأمر بها،
ووعد السعادة الدائمة للمتخلق بها، ووصف
بعضها بأنه من أجزاء النبوة،
وهى المسماة بحسن الخلق،
وهو الاعتدال فى قوى النفس وأوصافها،
والتوسط فيها دون الميل إلى منحرف أطرافها،
فجميعها قد كانت خلق نبينا على الانتهاء
فى كمالها والاعتدال إلى غايتها». وبالجملة فقد جاءت جوانب العظمة فى شخصيته
«صلى الله عليه وسلم» متعددة ومتنوعة،
وكانت سيرته ومسيرته أحد جوانب
هذه العظمة، والتى استدعت نظر
الباحثين والمفكرين، وجذبت عقولهم
واستولت على مشاعرهم؛ فاعترفوا بجلال قدره،
وكمال خلقه، وسمو منزلته، ورجاحة عقله،
وطيب حديثه، وحسن لقائه،
إلى غير ذلك من مزايا خلقية وفضائل سلوكية
خص بها «صلى الله عليه وسلم»
دون سواه،
مما دفع بعضهم إلى أن وضع مؤلفًا وسَماه:
(محمد صلى الله عليه وسلم نبى لزماننا)،
وهو كتاب للكاتبة البريطانية كارين أرمسترونج،
كشفت فيه عن عظمة النبى
«صلى الله عليه وسلم» وقدره ومكانته،
وأن جوانب العظمة فى شخصيته
هى التى تؤهله لقيادة العالم فى هذا الزمان،
وحقًا فإن واقع العالم وآلامه غير المحدودة
وما فيه من ظلم وبغى وفساد وإفساد يؤكد
حاجته إلى شخصية الرسول «صلى الله عليه وسلم»
الذى استطاع بطيب سيرته، وحسن دعوته،
وبما وهبه الله تعالى من خلال
وطبع عليه من صفات، أن ينتشل العالم
من أوحال الرذيلة، وأن ينقذه من أدناس الشرك،
وأوساخ الجاهلية،
فأعاد الإنسان إلى إنسانيته،
والعالم إلى طبيعته،
الأمر الذى استوجب المحبة
والاحترام والتقدير والتعظيم.
لكم خالص تحياتى وتقديرى
و
رمضــان كريـــــم
الدكتــور علـى حســن
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|