لقد مثلت حياة النبى «صلى الله عليه وسلم»
نموذجًا فريدًا فى الكمال البشري،
وعُرف وذاع بين الناس كافة خلقه وفضله؛
وكان النبى «صلى الله عليه وسلم»
يمتاز فى قومه بخلال عذبة، وأخلاق فاضلة،
وشمائل كريمة؛
فكان كما قالت أم المؤمنين خديجة رضى الله عنها:
«يحمل الكل، ويكسب المعدوم،
ويقرى الضيف، ويعين على نوائب الحق».
وإذا تتبعنا سيرته الأولي،
نجد أنفسنا أمام مثل نادر، وأنموذج فريد،
جمع الله له من الشمائل أعلاها
ومن الفضائل أحلاها، ومن الأخلاق أزكاها،
لم تصدر عنه دنيئة، ولم يسع إلى نقيصة،
ترفع عن الصغائر والكبائر قبل البعثة وبعدها؛
فكان أن عُرف عظيمًا بين الناس على اختلاف
مواقفهم ومواقعهم منه؛ لحسن
السيرة وطيب المسيرة.
إن المتتبع لسيرته ومسيرته يجده
ومنذ اللحظة الأولى قد ترفع عن كل ما يقدح
فى المروءة، أو يطعن فى كمال الرجولة، ولم لا؟
وقد تعهدته العناية الربانية،
وتولته الرعاية الإلهية،
فكان أن جمع له بين حسن الخلق،
وكمال الخلقة وجمالها؛
وهذا ما يؤكده العلامة ابن إسحاق؛
إذ ذكر فى سيرته عن رسول الله «صلى الله عليه وسلم»:
«فشب رسول الله «صلى الله عليه وسلم»
والله تعالى يكلؤه ويحفظه،
ويحوطه من أقذار الجاهلية؛
لما يريد به من كرامته ورسالته،
حتى بلغ أن كان رجلًا،
وأفضل قومه مروءة، وأحسنهم خلقًا،
وأكرمهم حسبًا، وأحسنهم جوارًا،
وأعظمهم حلمًا، وأصدقهم حديثًا،
وأعظمهم أمانة، وأبعدهم من الفحش
والأخلاق التى تدنس الرجال،
حتى سُمى فى قومه: الأمين؛
لما جمع الله فيه من الأمور الصالحة».
وهذا الذى ذكره ابن إسحاق هو ما أكده
العلامة ابن خلدون
عندما ذكر أن من علامات الأنبياء
الذين اصطفاهم الله من البشر،
وفضلهم بخطابه، وفطرهم على معرفته:
«أن يوجد لهم قبل الوحى خلق الخير والذكاء،
ومجانبة المذمومات والرجس أجمع،
وهذا هو معنى العصمة،
وكأنه مفطور على التنزه عن المذمومات
والمنافرة لها وكأنها منافية لجبلته».
فلقد كان معصومًا مما قد يستقبح فعله
قبل البعثة وبعدها؛ ولهذا لم يقدم على شيء
من أفعال الجاهلية وأخلاقها؛
روى الشيخان فى صحيحيهما
«أن رسول الله «صلى الله عليه وسلم»
كان ينقل معهم الحجارة للكعبة وعليه إزاره»،
فقال له العباس عمه: يا ابن أخي،
لو حللت إزارك فجعلت على منكبيك دون الحجارة،
قال: «فحله فجعله على منكبيه،
فسقط مغشيًا عليه،
فما رُئى بعد ذلك عريانًا».
وإذا كان هذا ما ورد فى أقوال العلماء
والمؤرخين عنه، فإنه يحدث عما حفظه الله به
فى صغره فيقول:
«لقد رأيتنى فى غلمان قريش ننقل
حجارة لبعض ما يلعب به الغلمان،
كلنا قد تعرى، وأخذ إزاره فجعله على رقبته،
يحمل عليه الحجارة،
فإنى لأقبل معهم كذلك وأدبر إذ لكمنى
لاكم ما أراه لكمة وجيعة، ثم قال:
شد عليك إزارك، قال: فأخذته وشددته علي،
ثم جعلت أحمل الحجارة على رقبتى
وإزارى على من بين أصحابي».
وهذا كما يقول الماوردى:
«من نذر الصيانة
ليكون عليها ناشئًا ولها آلفًا».
فهذه الروايات والأقوال وغيرها
تكشف عن عظيم سيرة وطيب مسيرة
سيدنا رسول الله «صلى الله عليه وسلم».
لكم خالص تحياتى وتقديرى
و
رمضــان كريــــم
الدكتور علـى حســن