الكلام على قوله صلى الله عليه وسلم: (أَضَلَّ الله عَنْ الْجُمُعَةِ مَنْ كَانَ قَبْلَن
الكلام على قوله صلى الله عليه وسلم: (أَضَلَّ الله عَنْ الْجُمُعَةِ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا)
قال المصَنِّفُ: وفيه أيضًا[1]: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه[2] قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: (أَضَلَّ الله عَنْ الْجُمُعَةِ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا: فَكَانَ لِلْيَهُودِ يَوْمُ السَّبْتِ، وَكَانَ لِلنَّصَارَى يَوْمُ الْأَحَدِ فَجَاءَ الله بِنَا، فَهَدَانَا الله لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ، فَجَعَلَ الجُمُعَةَ وَالسَّبْتَ وَالْأَحَدَ، وَكَذَلِكَ هُمْ تَبَعٌ لَنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، نَحْنُ الْآخِرُونَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا، وَالْأَوَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ).
قوله: (أَضَلَّ الله):
تعريف الضلال:
قال ابن منظور في "لسان العرب"(8 /78): الظلال: عكس الهداية؛ اهـ.
وقال النووي في "شرح مسلم"(5 /20): قوله صلى الله عليه وسلم: (أضل الله...): فيه دلالة لمذهب أهل السنة: الهدي والإضلال والخير والشر كله بإرادة الله تعالى، وهو فعله خلافًا للمعتزلة؛ اهـ.
قوله: (فَكَانَ لِلْيَهُودِ يَوْمُ السَّبْتِ، وَكَانَ لِلنَّصَارَى يَوْمُ الْأَحَدِ)؛ روى البخاري (876) ومسلم (855)، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نحن الآخرون السابقون يوم القيامة، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا، ثم هذا يومهم الذي فرض عليهم، فاختلفوا فيه، فهدانا الله، فالناس لنا فيه تبع: اليهود غدًا، والنصارى بعد غدٍ».
قال الإمام النووي في "شرح مسلم"(5 /20): قوله: (اليهود غدًا)؛ أي: عيد اليهود غدًا؛ لأن ظروف الزمان لا تكون إخبارًا عن الجثث، فيقدر فيه معنى يمكن تقديره خبرًا؛ اهـ.
قوله: (فَهَدَانَا الله لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ): قال النووي في "شرح مسلم"(5 /20): قوله صلى الله عليه وسلم: (فهذا يومهم...)؛ قال القاضي: الظاهر أنه فرض عليهم تعظيم يوم الجمعة بغير تعيين، ووكل إلى اجتهادهم لإقامة شرائعهم فيه، فاختلف اجتهادهم في تعيينه، ولم يهدهم الله له وفرضه على هذه الأمة مبينًا، ولم يكله إلى اجتهادهم ففازوا بتفضيله.
قال: وقد جاء أن موسى أمرهم بالجمعة وأعلمهم بفضلها، فناظروه أن السبت أفضل، فقيل له: دعهم.
قال القاضي: ولو كان منصوصًا لم يصح اختلافهم فيه، بل كان يقول خالفوا فيه.
قلت أي: النووي: ويمكن أن يكون أمروا به صريحًا ونص على عينه، فاختلفوا فيه، هل يلزم تعيينه أم لهم إبداله، وأبدلوه وغلطوا في إبداله؛ اهـ.
قوله: (هُمْ تَبَعٌ لَنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ...) جاء عند "مسلم" في رواية (2019): (الأَوّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمَقْضِيّ لَهُمْ قَبْلَ الْخَلائِقِ)، وفي رواية واصلٍ: (الْمَقْضِيّ بَيْنَهُمْ).
قال النووي في "شرح مسلم"(5 /20) قوله: (نحن الآخرون ونحن السابقون يوم القيامة): قال العلماء: معناه الآخرون في الزمان والوجود، السابقون بالفضل ودخول الجنة، فتدخل هذه الأمة الجنة قبل سائر الأمم؛ اهـ.
قال أبو محمد سدَّده الله: ويستفاد من قوله صلى الله عليه وسلم: (نحن الآخرون): أنَّا آخر الأمم بعثة ورسالة وموتًا، والله أعلم.
ويستفاد أيضًا من قوله صلى الله عليه وسلم: (نحن السابقون): أننا سابقون بالحساب، وبالاستراحة من الموقف، وبالعبور على الصراط إن شاء الله تعالى، وهو أعلم.
بعض ما في قوله صلى الله عليه وسلم: (أضل الله الجمعة عمن كان قبلنا... )؛ الحديث، من الفوائد:
الأولى: فضيلة هذه الأمة على غيرها من الأمم، للأدلة الواردة في ذلك، قال الحافظ في "الفتح"(2 /356): فيه بيان واضح لمزيد فضل هذه الأمة على الأمم السابقة زادها الله تعالى. اهـ.
الثانية: فضل يوم الجمعة على سائر أيام الأسبوع اتفاقًا؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه المذكور بعد أسطر.
الثالثة: توفيق الله تعالى هذه الأمة ليوم الجمعة، وهذا من فضله وكرمه على الإسلام والمسلمين.
ما أول أيام الأسبوع شرعًا؟ قال الحافظ ابن حجر في "الفتح" (2 /356): الجمعة أول الأسبوع شرعًا، ويدل على ذلك تسمية الأسبوع كله جمعة، وكانوا يسمون الأسبوع سبتًا - كما سيأتي في الاستسقاء في حديث أنس - وذلك أنهم كانوا مجاورين لليهود، فتبعوهم في ذلك؛ اهـ.
تتمة في ذكر أيهما أفضل يوم الجمعة أو يوم عرفة؟
قال ابن القيم في "الزاد"(1 /54): فإن قيل أيهما أفضل: يوم الجمعة أو يوم عرفة؟ فقد روى ابن حبان عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تطلع الشمس ولا تغرب على يوم أفضل من يوم الجمعة.
وفيه - أي في فضل يوم الجمعة -: حديث أوس بن أوس: (خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة).
قيل: قد ذهب بعض العلماء إلى تفضيل يوم الجمعة على يوم عرفة محتجًّا بهذا الحديث.
وحكى القاضي أبو يعلى رواية عن أحمد أن ليلة الجمعة أفضل من ليلة القدر.
والصواب: أن يوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع، ويوم عرفة ويوم النحر أفضل أيام العام، وكذلك ليلة القدر، وليلة الجمعة؛ اهـ.
قال أبو محمد رعاه الله: وهذا ترجيح جمع من المتأخرين، وهو الأقرب، والله أعلم.
[1] أي: وفي "صحيح مسلم"، فقد أخرجه في "صحيحه" برقم (2018) بهذا اللفظ، وجاء عن حذيفة رضي الله عنه عند "مسلم" أيضًا برقم (2019)، وجاء عن أبي هريرة رضي الله عنه بنحوه عند "البخاري" برقم (836)، و"مسلم" (855).
[2] هو أبو هريرة الدوسي الصحابي الجليل حافظ الصحابة، اختلف في اسمه واسم أبيه قيل: عبدالرحمن بن صخر، وقيل: ابن غنم، وقيل: عبدالله بن عائذ... هذا الذي وقفنا عليه من الاختلاف في ذلك، ونقطع بأن عبدشمس وعبدنهم غُيِّرَ بعد أن أسلم، واختلف في أيها أرجح؛ فذهب كثيرون إلى الأول، وذهب جمع من النسابين إلى عمرو بن عامر.
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|