خُلُقُ الوَرَع
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
من الأخلاق الفاضلة التي تحفظ المؤمن في دينه عن الخوض في الفتن والشبهات وينال به الدرجات العلى في الإيمان خلق الورع قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ). وقال تعالى: (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ). قال ابن القيم: (قال قتادة ومجاهد: نفسك فطهر من الذنب. فكنى عن النفس بالثوب. وهذا قول إبراهيم النخعي والضحاك والشعبي والزهري والمحققين من أهل التفسير قال ابن عباس: لا تلبسها على معصية ولا غدر). وقال مطرف بن عبد الله بن الشخير: (فضل العلم خير من فضل العمل وخير دينكم الورع). وقال عمر بن عبد العزيز: (أرى أفضل العبادة اجتناب المحارم وأداء الفرائض). وقال الحسن البصري: (ما عبد العابدون بشيء أفضل من ترك ما نهاهم الله عنه). وقال الحسن البصري: (أفضل العبادة التفكر والورع). وقال سعيد بن المسيب: (العبادة الورع عما حرم الله والتفكر في أمر الله).
والورع حقيقته أن يترك المؤمن ما حرمه الله ويترك أيضا الأمر خشية الوقوع في الحرام ويفعل الواجب ويفعل ما كان وسيلة إليه فيترك كل ما يضره في الآخرة من المحرم والوسيلة إليه فكل ما يشك المؤمن فيه يتركه وينتقل إلى مالا يشك فيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دع ما يَريبكَ إلى ما لا يَريبُكَ، فإنَّ الصِّدقَ طُمأنينةٌ وإنَّ الكذبَ رِيبةٌ). رواه الترمذي. قال الخطابي: (كل ما شككت فيه فالورع اجتنابه). وقال إبراهيم بن الأشعث: (سألت الفضيل عن الورع فقال: اجتناب المحارم). وقال أبو إسماعيل الهروي: (الورع توقٍّ مستقصًى على حذر وتحرج على تعظيم). وبين ابن تيمية معنى الورع بقوله: (وأما الورع فإنه الإمساك عما قد يضر فتدخل فيه المحرمات والشبهات لأنها قد تضر فإنه من اتقى الشبهات استبرأ لعرضه ودينه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي حول الحمى يوشك أن يواقعه. وأما الورع عما لا مضرة فيه أو فيه مضرة مرجوحة لما تقترن به من جلب منفعة راجحة أو دفع مضرة أخرى راجحة فجهل وظلم وذلك يتضمن ثلاثة أقسام لا يتورع عنها المنافع المكافئة والراجحة والخالصة كالمباح المحض أو المستحب أو الواجب فإن الورع عنها ضلالة(. وقال ابن القيم: (وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم الورع كله في كلمة واحدة فقال: (مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ). فهذا يعم الترك لما لا يعني: من الكلام والنظر والاستماع والبطش والمشي والفكر وسائر الحركات الظاهرة والباطنة فهذه كلمة شافية في الورع). فالورع عام في كل قول وفعل وعلم وعمل وعبادة ومعاملة وعادة وعلاقة وليس خاصا في باب أو مسألة.
والورع عمل قلبي يفتقر إلى الإخلاص ولا يصح بلا إخلاص ومن ترك شيئا تحرزا منه لمخالفته لطبعه أو لعادة قومه ولم يحتسب الثواب من الله فلا يصح ورعه ولا يكون متورعا قال ابن تيمية: (واعلم أن الورع لا ينفع صاحبه ويكون له ثواب إلا بفعل المأمور به من الإخلاص).
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|