فخ الكمال.. لماذا لا يجب أن تكون مثاليًا؟
خ الكمال مغرٍ لكنه معطل، إنه يدفع المرء للتأجيل والتسويف دائمًا، بل قد يتخذه المرء ذريعة لكي لا يعمل من الأساس. قد لا يبدو مستساغًا القول: لا تسعى إلى الكمال، لكن الأمور دائمًا ليست كما تبدو، فخلف السعي إلى الكمال مضار وسلبيات كثيرة _سنأتي على ذكرها بعد قليل_ كما أننا من حيث الأصل لم نوجد لكي لا نخطأ، أو نكون كاملين، الكمال أصلًا ليست صفة بشرية.
وكون النقص مركوز في فطرة الإنسان فهو دليل على أن المطلوب منه هو السعي الدائم والتحسين المستمر، ومن ينتظر سنوح الفرصة حتى يصل بعمله إلى ذروة الكمال فلن يعمل أبدًا؛ الناجحون والذين قاربوا بلوغ الكمال هم أولئك الذين طوعوا الظروف لحسابهم، أو على الأقل، تكيفوا معها، واستفادوا، في كل الأحوال، من أخطائهم وعثراتهم.
فخ الكمال وسلبياته
ما الضير في أن يكون المرء مثاليًا أو أن يسعى إلى الكمال؟! هناك الكثير من المعضلات التي يجرها عليك وقوعك في فخ الكمال المزمن ذاك، سيحاول «رواد الأعمال» الإشارة إلى بعضها وذلك على النحو التالي:
التسويف
الكمال سهل، أعني طلبه والسعي إليه، أما العمل عن حق، ونزول الميدان والبدء في تدوير العجلة هو ذاك الأمر العصب حقًا، تقول الكاتبة آنا كويندلين:
«الشيء الصعب حقًا والمدهش حقًا هو التخلي عن الكمال والبدء في العمل لتصبح نفسك».
الواقعون في فخ الكمال ينتظرون دومًا «اللحظة المثالية» _تلك التي لن تأتي أبدًا_ للبدء في مباشرة العمل، إنهم ينتظرون أن يكون كل شيء في مكانه، وأن تكون كل الظروف مواتية، ويبذلون جهودًا مضنية في التفكير بأصغر وأدق التفاصيل.
واللافت في الأمر أنهم يصابون بتعب وإعياء كبيرين؛ جراء الإفراط في الاهتمام بمثل هذه التفاصيل، حتى قبل أن يبدؤوا العمل، والنتيجة: فلنؤجل العمل ولنظفر بقسط من الراحة. وهو ما يحدث كل مرة عند محاولة البدء في العمل الحقيقي.
عدم إدراك الواقع
يقودك فخ الكمال إلى تكوين صورة غير واقعية عن العالم، أي أن إدراكك للواقع سيكون منحرفًا وغير مضبوط، ومن ثم لا يمكن الثقة في حكمك على الأشياء، وإنما يأتي عدم قدرة الساعين إلى الكمال على رؤية الواقع كما هو من استغراقهم التام في التفاصيل، وبالتالي عدم قدرتهم على رؤية الصورة الكاملة.
ولدى المصابين بـ «داء المثالية» المزمن، أيضًا، معايير غير منطقية لإنجاز الأشياء، فهم يضعون معايير للمهام الموكلة إليهم يصعب على أي أحد الوفاء بها. هذه المعايير أصلًا نابعة من عدم قدرتهم على تحديد ما ينبغي وما لا ينبغي، وأيضًا من عدم إدراكهم حدود الممكن. لا تظن أن السعي إلى الكمال أمر جيد إذًا، إنه فخ كبير، وأكبر معطل عن إنجاز العمل.
تعاسة عميقة الجذور
الأصل في الأشياء أننا نعمل ونسعى إلى تحقيق أهدافنا لكي نكون سعداء، لكن الأمر مع المثاليين غير ذلك، فهم دائمًا تعساء، ويائسون، وغير راضين عما يعملون.
وعادة ما نسمع أولئك المنزلقين في فخ الكمال يقولون: أنا شخص رديء، أنا شخص غير جيد، أو، وهذه ثالثة الأسافي، أنا أكره نفسي.
وبيت الداء هنا أنهم لا يدركون أن الخطأ الوارد وأن التحسين واجب، وأن الفشل خطوة على طريق النجاح، وأنه ليس نهاية المطاف، يمكن أن تفشل لا ضير في هذا، لكن لا يمكنك أن تستسلم لذلك.