{كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم.
تفسير قوله تعالى: ﴿ كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ﴾
قوله تعالى: ﴿ كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [البقرة: 28].
ذكَر الله عز وجل في الآيات السابقة عدمَ استفادة الكفار من النُّذُرِ وضرب الأمثال في القرآن الكريم، ثم أنكَر عليهم كفرَهم بالله، ووبَّخهم على ذلك في هذه الآية، فقال تعالى: ﴿ كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ﴾ الآية.
قوله تعالى: ﴿ كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ ﴾ الاستفهام للإنكار والتوبيخ والتعجب، وفي الكلام التفات من الغَيبة إلى الخطاب.
أي: كيف تكفرون بالله وتنكرون تفرُّدَه بالألوهية، وكماله في صفاته وأفعاله، وقدرته التامة على البعث، وتستكبرون عن عبادته؟!
﴿ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ﴾ الواو: حالية؛ أي: والحال أنكم كنتم أمواتًا؛ أي: عدمًا لا وجود لكم، وأجسامًا لا أرواح ولا حياة فيكم ﴿ فَأَحْيَاكُمْ ﴾ أي: فخلقكم ونفخ فيكم الأرواح وأوجد فيكم الحياة بقدرته التامة، كما قال تعالى في خطابه لزكريا عليه السلام: ﴿ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا ﴾ [مريم: 9]، وقال عز وجل: ﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا ﴾ [الإنسان: 1]؛ أي: قد أتى على الإنسان.
وقال تعالى: ﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ * ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ ﴾ [السجدة: 7 - 9].
وعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: حدَّثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق، قال: ((إن أحدكم يجمع في بطن أمِّه أربعين يومًا نُطفة، ثم يكون علقةً مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملَك فينفخ فيه الروح))[1].
﴿ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ﴾ ثانيةً بعد خروجكم إلى الدنيا بمفارقة الأرواح أجسادَكم عند انقضاء آجالكم.
﴿ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ﴾الحياة الآخرة التي لا موت بعدها.
وهذه الآية كقوله تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ ﴾ [الحج: 66].
وكقوله تعالى عن الكفار أنهم قالوا: ﴿ رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ ﴾ [غافر: 11]، وقوله تعالى: ﴿ قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الجاثية: 26].
﴿ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾:قرأ يعقوب: "تَرجِعون" بفتح التاء وكسر الجيم، وقرأ الباقون بضم التاء وفتح الجيم: ﴿ تُرْجَعُونَ ﴾؛ أي: ثم بعد إحيائكم الحياة الثانية، وبعثِكم من قبوركم إلى الله تردون، فيحاسبكم على أعمالكم ويجازيكم عليها، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ ﴾ [الغاشية: 25، 26].
وإنما استدل عليهم بإحيائهم مرة ثانية ورجوعهم إليه، مع أن هذا لم يحصل بعد؛ لما نصب لهم من الآيات والأدلة الكونية والشرعية على أحقية البعث بعد الموت، وردهم إليه للحساب والجزاء، ومن أعظم الأدلة على ذلك ما ذكَرَه في هذه الآية من إحيائهم بعد أن كانوا أمواتًا؛ فإن إعادة الخلق أهون عليه من ابتدائه، كما قال تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ ﴾ [الروم: 27].
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|