08-23-2021
|
08-23-2021
|
#2
|


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
الحلقة (45)
سورة المائدة (2)
وَمِنَ الْخَفْضِ بِالْمُجَاوَرَةِ فِي الْعَطْفِ ، قَوْلُ زُهَيْرٍ : [ الْكَامِلُ ]
لَعِبَ الزَّمَانُ بِهَا وَغَيَّرَهَا بَعْدِي سَوَافِي الْمَوْرِ وَالْقَطْرِ
بِجَرِّ " الْقَطْرِ " لِمُجَاوَرَتِهِ لِلْمَخْفُوضِ مَعَ أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى " سَوَافِي " الْمَرْفُوعِ ، بِأَنَّهُ فَاعِلُ غَيَّرَ .
وَمِنْهُ فِي التَّوْكِيدِ قَوْلُ الشَّاعِرِ : [ الْبَسِيطُ ]
يَا صَاحِ بَلِّغْ ذَوِي الزَّوْجَاتِ كُلَّهُمُ أَنْ لَيْسَ وَصْلٌ إِذَا انْحَلَّتْ عُرَى الذَّنَبِ
بِجَرِّ " كُلِّهِمْ " عَلَى مَا حَكَاهُ الْفَرَّاءُ ، لِمُجَاوَرَةِ الْمَخْفُوضِ ، مَعَ أَنَّهُ تَوْكِيدُ " ذَوِيِ " الْمَنْصُوبِ بِالْمَفْعُولِيَّةِ .
وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ فِي الْعَطْفِ - كَالْآيَةِ الَّتِي نَحْنُ بِصَدَدِهَا - قَوْلُهُ تَعَالَى : وَحُورٌ عِينٌ كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ [ 56 \ 22 ] ، عَلَى قِرَاءَةِ حَمْزَةَ ، وَالْكِسَائِيِّ .
وَرِوَايَةُ الْمُفَضَّلِ عَنْ عَاصِمٍ بِالْجَرِّ لِمُجَاوَرَتِهِ لِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ ، إِلَى قَوْلِهِ : وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ [ 56 \ 21 ] ، مَعَ أَنَّ قَوْلَهُ : وَحُورٌ عِينٌ ، حُكْمُهُ الرَّفْعُ ، فَقِيلَ : إِنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى فَاعِلِ " يَطُوفُ " الَّذِي هُوَ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ [ 56 \ 17 ] .
وَقِيلَ : هُوَ مَرْفُوعٌ عَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ ، دَلَّ الْمَقَامُ عَلَيْهِ .
أَيْ : وَفِيهَا حُورٌ عِينٌ ، أَوْ لَهُمْ حُورٌ عِينٌ .
[ ص: 333 ] وَإِذَنْ فَهُوَ مِنَ الْعَطْفِ بِحَسَبِ الْمَعْنَى .
وَقَدْ أَنْشَدَ سِيبَوَيْهِ لِلْعَطْفِ عَلَى الْمَعْنَى قَوْلَ الشَّمَّاخِ ، أَوْ ذِي الرُّمَّةِ : [ الْكَامِلُ ]
بَادَتْ وَغَيَّرَ آيَهُنَّ مَعَ الْبِلَا إِلَّا رَوَاكِدَ جَمْرُهُنَّ هَبَاءُ
وَمُشَجَّجٌ أَمَّا سَوَاءُ قِذَالِهِ فَبَدَا وَغَيَّبَ سَارَهُ الْمَعْزَاءُ
لِأَنَّ الرِّوَايَةَ بِنَصْبِ " رَوَاكِدَ " عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ ، وَرَفْعِ مُشَجَّجٍ عَطْفًا عَلَيْهِ ; لِأَنَّ الْمَعْنَى لَمْ يَبْقَ مِنْهَا إِلَّا رَوَاكِدُ وَمُشَجَّجٌ ، وَمُرَادُهُ بِالرَّوَاكِدِ أَثَافِي الْقِدْرِ ، وَبِالْمُشَجَّجِ وَتَدُ الْخِبَاءِ ، وَبِهِ تَعْلَمُ أَنَّ وَجْهَ الْخَفْضِ فِي قِرَاءَةِ حَمْزَةَ ، وَالْكِسَائِيِّ هُوَ الْمُجَاوَرَةُ لِلْمَخْفُوضِ ، كَمَا ذَكَرْنَا خِلَافًا لِمَنْ قَالَ فِي قِرَاءَةِ الْجَرِّ : إِنَّ الْعَطْفَ عَلَى أَكْوَابٍ ، أَيْ يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِأَكْوَابٍ ، وَبِحُورٍ عِينٍ ، وَلِمَنْ قَالَ : إِنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى جَنَّاتِ النَّعِيمِ ، أَيْ هُمْ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ، وَفِي حُورٍ عَلَى تَقْدِيرِ حَذْفِ مُضَافٍ ، أَيْ فِي مُعَاشَرَةِ حُورٍ .
وَلَا يَخْفَى مَا فِي هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ ، لِأَنَّ الْأَوَّلَ يُرَدُّ ، بِأَنَّ الْحُورَ الْعِينَ لَا يُطَافُ بِهِنَّ مَعَ الشَّرَابِ ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى :حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ [ 55 \ 72 ] .
وَالثَّانِي فِيهِ أَنَّ كَوْنَهُمْ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ، وَفِي حُورٍ ظَاهِرُ السُّقُوطِ كَمَا تَرَى ، وَتَقْدِيرُ مَا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ لَا وَجْهَ لَهُ .
وَأُجِيبَ عَنِ الْأَوَّلِ بِجَوَابَيْنِ ، الْأَوَّلُ : أَنَّ الْعَطْفَ فِيهِ بِحَسَبِ الْمَعْنَى ، لِأَنَّ الْمَعْنَى : يَتَنَعَّمُونَ بِأَكْوَابٍ وَفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ وَحُورٍ . قَالَهُ الزَّجَّاجُ وَغَيْرُهُ .
الْجَوَابُ الثَّانِي : أَنَّ الْحُورَ قِسْمَانِ :
1 - حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ .
2 - وَحُورٌ يُطَافُ بِهِنَّ عَلَيْهِمْ
قَالَهُ الْفَخْرُ الرَّازِيُّ وَغَيْرُهُ ، وَهُوَ تَقْسِيمٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ ، وَلَا يُعْرَفُ مِنْ صِفَاتِ الْحُورِ الْعِينِ كَوْنُهُنَّ يُطَافُ بِهِنَّ كَالشَّرَابِ ، فَأَظْهَرُهَا الْخَفْضُ بِالْمُجَاوَرَةِ ، كَمَا ذَكَرْنَا .
وَكَلَامُ الْفَرَّاءِ ، وَقُطْرُبٍ ، يَدُلُّ عَلَيْهِ ، وَمَا رُدَّ بِهِ الْقَوْلُ بِالْعَطْفِ عَلَى أَكْوَابٍ مِنْ كَوْنِ الْحُورِ لَا يُطَافُ بِهِنَّ يُرَدُّ بِهِ الْقَوْلُ بِالْعَطْفِ عَلَى وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ ، فِي قِرَاءَةِ الرَّفْعِ ; لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْحُورَ يَطُفْنَ عَلَيْهِمْ كَالْوِلْدَانِ ، وَالْقَصْرُ فِي الْخِيَامِ يُنَافِي ذَلِكَ .
وَمِمَّنْ جَزَمَ بِأَنَّ خَفْضَ وَأَرْجُلِكُمْ ; لِمُجَاوَرَةِ الْمَخْفُوضِ الْبَيْهَقِيُّ فِي " السُّنَنِ [ ص: 334 ] الْكُبْرَى " ، فَإِنَّهُ قَالَ مَا نَصُّهُ : بَابُ قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ " وَأَرْجُلَكُمْ " نَصْبًا ، وَأَنَّ الْأَمْرَ رَجَعَ إِلَى الْغَسْلِ ، وَأَنَّ مَنْ قَرَأَهَا خَفْضًا ، فَإِنَّمَا هُوَ لِلْمُجَاوَرَةِ ، ثُمَّ سَاقَ أَسَانِيدَهُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَعَلِيٍّ ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ ، وَمُجَاهِدٍ ، وَعَطَاءٍ ، وَالْأَعْرَجِ ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ غَيْلَانَ ، وَنَافِعِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نُعَيْمٍ الْقَارِئِ ، وَأَبِي مُحَمَّدٍ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ يَزِيدَ الْحَضْرَمِيِّ أَنَّهُمْ قَرَءُوهَا كُلُّهُمْ : وَأَرْجُلَكُمْ ، بِالنَّصْبِ .
قَالَ : وَبَلَغَنِي عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ التَّيْمِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا نَصْبًا ، وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ الْيَحْصَبِيِّ ، وَعَنْ عَاصِمٍ بِرِوَايَةِ حَفْصٍ ، وَعَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ مِنْ رِوَايَةِ الْأَعْشَى ، وَعَنِ الْكِسَائِيِّ ، كُلُّ هَؤُلَاءِ نَصَبُوهَا .
وَمَنْ خَفَضَهَا فَإِنَّمَا هُوَ لِلْمُجَاوَرَةِ ، قَالَ الْأَعْمَشُ : كَانُوا يَقْرَءُونَهَا بِالْخَفْضِ ، وَكَانُوا يَغْسِلُونَ ، اهـ كَلَامُ الْبَيْهَقِيِّ .
وَمِنْ أَمْثِلَةِ الْخَفْضِ بِالْمُجَاوَرَةِ فِي الْقُرْآنِ فِي النَّعْتِ قَوْلُهُ تَعَالَى : عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ [ 11 \ 84 ] ، بِخَفْضِ مُحِيطٍ مَعَ أَنَّهُ نَعْتٌ لِلْعَذَابِ . وَقَوْلُهُ تَعَالَى : عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ [ 11 \ 26 ] ، وَمِمَّا يَدُلُّ أَنَّ النَّعْتَ لِلْعَذَابِ ، وَقَدْ خُفِضَ لِلْمُجَاوَرَةِ ، كَثْرَةُ وُرُودِ الْأَلَمِ فِي الْقُرْآنِ نَعْتًا لِلْعَذَابِ . وَقَوْلُهُ تَعَالَى : بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ [ 85 \ 22 ] ، عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ بِخَفْضِ مَحْفُوظٍ كَمَا قَالَهُ الْقُرْطُبِيُّ وَمِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ : " هَذَا جُحْرُ ضَبٍّ خَرِبٍ " بِخَفْضِ خَرِبٍ لِمُجَاوَرَةِ الْمَخْفُوضِ مَعَ أَنَّهُ نَعْتُ خَبَرِ الْمُبْتَدَأِ ; وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنَّ دَعْوَى كَوْنِ الْخَفْضِ بِالْمُجَاوَرَةِ لَحْنًا لَا يُتَحَمَّلُ إِلَّا لِضَرُورَةِ الشِّعْرِ بَاطِلَةٌ ، وَالْجَوَابُ عَمَّا ذَكَّرُوهُ مِنْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إِلَّا عِنْدَ أَمْنِ اللَّبْسِ ، هُوَ أَنَّ اللَّبْسَ هُنَا يُزِيلُهُ التَّحْدِيدُ بِالْكَعْبَيْنِ ، إِذْ لَمْ يَرِدْ تَحْدِيدُ الْمَمْسُوحِ ، وَتُزِيلُهُ قِرَاءَةُ النَّصْبِ ، كَمَا ذَكَرْنَا ، فَإِنْ قِيلَ قِرَاءَةُ الْجَرِّ الدَّالَّةُ عَلَى مَسْحِ الرِّجْلَيْنِ فِي الْوُضُوءِ هِيَ الْمُبَيِّنَةُ لِقِرَاءَةِ النَّصْبِ بِأَنْ تَجْعَلَ قِرَاءَةَ النَّصْبِ عَطْفًا عَلَى الْمَحَلِّ ; لِأَنَّ الرُّءُوسَ مَجْرُورَةٌ بِالْبَاءِ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى حَدِّ قَوْلِ ابْنِ مَالِكٍ فِي الْخُلَاصَةِ : [ الرَّجَزُ ]
وَجَرُّ مَا يَتْبَعُ مَا جُرَّ وَمَنْ رَاعَى فِي الِاتْبَاعِ الْمَحَلَّ فَحَسَنْ
وَابْنُ مَالِكٍ وَإِنْ كَانَ أَوْرَدَ هَذَا فِي " إِعْمَالِ الْمَصْدَرِ " فَحُكْمُهُ عَامٌّ ، أَيْ وَكَذَلِكَ الْفِعْلُ وَالْوَصْفُ ، كَمَا أَشَارَ لَهُ فِي الْوَصْفِ بِقَوْلِهِ : [ الرَّجَزُ ]
وَاجُرُرْ أَوِ انْصِبْ تَابِعَ الَّذِي انْخَفَضْ كَمُبْتَغِي جَاهٍ وَمَالًا مَنْ نَهَضْ
[ ص: 335 ] فَالْجَوَابُ أَنَّ بَيَانَ قِرَاءَةِ النَّصْبِ بِقِرَاءَةِ الْجَرِّ ، كَمَا ذَكَرَ ، تَأْبَاهُ السُّنَّةُ الصَّرِيحَةُ الصَّحِيحَةُ النَّاطِقَةُ بِخِلَافِهِ ، وَبِتَوَعُّدِ مُرْتَكِبِهِ بِالْوَيْلِ مِنَ النَّارِ بِخِلَافِ بَيَانِ قِرَاءَةِ الْخَفْضِ بِقِرَاءَةِ النَّصْبِ ، فَهُوَ مُوَافِقٌ لِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الثَّابِتَةَ عَنْهُ قَوْلًا وَفِعْلًا .
فَقَدْ أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا .
قَالَ : تَخَلَّفَ عَنَّا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَفْرَةٍ سَافَرْنَاهَا فَأَدْرَكَنَا ، وَقَدْ أَرْهَقَتْنَا الصَّلَاةُ صَلَاةُ الْعَصْرِ وَنَحْنُ نَتَوَضَّأُ ، فَجَعَلْنَا نَمْسَحُ عَلَى أَرْجُلِنَا ، فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ : " أَسْبِغُوا الْوُضُوءَ ، وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ " ، وَكَذَلِكَ هُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : " أَسْبِغُوا الْوُضُوءَ ، وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ " ، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ وَالْحَاكِمُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَارِثِ بْنِ جُزْءٍ ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ : " وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ ، وَبُطُونِ الْأَقْدَامِ مِنَ النَّارِ " ; وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ ، وَابْنُ مَاجَهْ ، وَابْنُ جَرِيرٍ ، عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : " وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ " .
وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ مُعَيْقِيبٍ ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : " وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ " ، وَرَوَى ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ " ، قَالَ : فَمَا بَقِيَ فِي الْمَسْجِدِ شَرِيفٌ وَلَا وَضِيعٌ إِلَّا نَظَرْتُ إِلَيْهِ يُقَلِّبُ عُرْقُوبَيْهِ يَنْظُرُ إِلَيْهِمَا .
وَثَبَتَ فِي أَحَادِيثِ الْوُضُوءِ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ ، وَعَلِيٍّ ، وَابْنِ عَبَّاسٍ ، وَمُعَاوِيَةَ ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ ، وَالْمِقْدَادِ بْنِ مَعْدِيَكَرِبَ : " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَسَلَ الرِّجْلَيْنِ فِي وُضُوئِهِ ، إِمَّا مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا " عَلَى اخْتِلَافِ رِوَايَاتِهِمْ .
وَفِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ : " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ فَغَسَلَ قَدَمَيْهِ " . ثُمَّ قَالَ : " هَذَا وُضُوءٌ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ الصَّلَاةَ إِلَّا بِهِ " .
وَالْأَحَادِيثُ فِي الْبَابِ كَثِيرَةٌ جِدًّا ، وَهِيَ صَحِيحَةٌ صَرِيحَةٌ فِي وُجُوبِ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ فِي الْوُضُوءِ ، وَعَدَمِ الِاجْتِزَاءِ بِمَسْحِهِمَا .
وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : الْمُرَادُ بِمَسْحِ الرِّجْلَيْنِ غَسْلُهُمَا . وَالْعَرَبُ تُطْلِقُ الْمَسْحَ عَلَى الْغَسْلِ أَيْضًا ، وَتَقُولُ تَمَسَّحْتُ بِمَعْنَى تَوَضَّأْتُ ، وَمَسَحَ الْمَطَرُ الْأَرْضَ أَيْ غَسَلَهَا ، [ ص: 336 ] وَمَسَحَ اللَّهُ مَا بِكَ أَيْ غَسَلَ عَنْكَ الذُّنُوبَ وَالْأَذَى ، وَلَا مَانِعَ مِنْ كَوْنِ الْمُرَادِ بِالْمَسْحِ فِي الْأَرْجُلِ هُوَ الْغَسْلُ ، وَالْمُرَادُ بِهِ فِي الرَّأْسِ الْمَسْحُ الَّذِي لَيْسَ بِغَسْلٍ ، وَلَيْسَ مِنْ حَمْلِ الْمُشْتَرَكِ عَلَى مَعْنَيَيْهِ ، وَلَا مِنْ حَمْلِ اللَّفْظِ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ ، لِأَنَّهُمَا مَسْأَلَتَانِ كُلٌّ مِنْهُمَا مُنْفَرِدَةٌ عَنِ الْأُخْرَى مَعَ أَنَّ التَّحْقِيقَ جَوَازُ حَمْلِ الْمُشْتَرَكِ عَلَى مَعْنَيَيْهِ ، كَمَا حَقَّقَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ تَيْمِيَّةَ فِي رِسَالَتِهِ فِي عُلُومِ الْقُرْآنِ ، وَحَرَّرَ أَنَّهُ هُوَ الصَّحِيحُ فِي مَذَاهِبِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ ، وَجَمَعَ ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ بَيْنَ قِرَاءَةِ النَّصْبِ وَالْجَرِّ بِأَنَّ قِرَاءَةَ النَّصْبِ يُرَادُ بِهَا غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ ، لِأَنَّ الْعَطْفَ فِيهَا عَلَى الْوُجُوهِ وَالْأَيْدِي إِلَى الْمَرَافِقِ ، وَهُمَا مِنَ الْمَغْسُولَاتِ بِلَا نِزَاعٍ ، وَأَنَّ قِرَاءَةَ الْخَفْضِ يُرَادُ بِهَا الْمَسْحُ مَعَ الْغَسْلِ ، يَعْنِي الدَّلْكَ بِالْيَدِ أَوْ غَيْرِهَا .
وَالظَّاهِرُ أَنَّ حِكْمَةَ هَذَا فِي الرِّجْلَيْنِ دُونَ غَيْرِهِمَا ; أَنَّ الرِّجْلَيْنِ هُمَا أَقْرَبُ أَعْضَاءِ الْإِنْسَانِ إِلَى مُلَابَسَةِ الْأَقْذَارِ لِمُبَاشَرَتِهِمَا الْأَرْضَ فَنَاسَبَ ذَلِكَ أَنْ يُجْمَعَ لَهُمَا بَيْنَ الْغَسْلِ بِالْمَاءِ وَالْمَسْحِ أَيِ الدَّلْكِ بِالْيَدِ لِيَكُونَ ذَلِكَ أَبْلَغُ فِي التَّنْظِيفِ .
وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : الْمُرَادُ بِقِرَاءَةِ الْجَرِّ : الْمَسْحُ ، وَلَكِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيَّنَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا عَلَى الْخُفِّ .
وَعَلَيْهِ فَالْآيَةُ تُشِيرُ إِلَى الْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ فِي قِرَاءَةِ الْخَفْضِ ، وَالْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ ، إِذَا لَبِسَهُمَا طَاهِرًا ، مُتَوَاتِرٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، لَمْ يُخَالِفْ فِيهِ إِلَّا مَنْ لَا عِبْرَةَ بِهِ ، وَالْقَوْلُ بِنَسْخِهِ بِآيَةِ الْمَائِدَةِ يَبْطُلُ بِحَدِيثِ جَرِيرٍ أَنَّهُ بَالَ ثُمَّ تَوَضَّأَ ، وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ ، فَقِيلَ لَهُ : تَفْعَلُ هَكَذَا ؟ قَالَ : نَعَمْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَالَ ، ثُمَّ تَوَضَّأَ ، وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ ، قَالَ إِبْرَاهِيمُ : فَكَانَ يُعْجِبُهُمْ هَذَا الْحَدِيثَ ، لِأَنَّ إِسْلَامَ جَرِيرٍ كَانَ بَعْدَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَيُوَضِّحُ عَدَمَ النَّسْخِ أَنَّ آيَةَ الْمَائِدَةِ نَزَلَتْ فِي غَزْوَةِ " الْمُرَيْسِيعِ " .
وَلَا شَكَّ أَنَّ إِسْلَامَ جَرِيرٍ بَعْدَ ذَلِكَ ، مَعَ أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ رَوَى الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ ، وَهِيَ آخِرُ مَغَازِيهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - .
وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِنُزُولِ آيَةِ الْمَائِدَةِ فِي غَزْوَةِ " الْمُرَيْسِيعِ " ابْنُ حَجَرٍ فِي " فَتْحِ الْبَارِي " ، وَأَشَارَ لَهُ الْبَدَوِيُّ الشِّنْقِيطِيُّ فِي " نَظْمِ الْمَغَازِي " ، بِقَوْلِهِ فِي غَزْوَةِ الْمُرَيْسِيعِ : [ الرَّجَزُ ]
وَالْإِفْكُ فِي قُفُولِهِمْ وَنُقِلَا أَنَّ التَّيَمُّمَ بِهَا قَدْ أُنْزِلَا
[ ص: 337 ] وَالتَّيَمُّمُ فِي آيَةِ الْمَائِدَةِ ، وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ الَّذِي هُوَ مِنَ الْجُلُودِ ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَا كَانَ مِنْ غَيْرِ الْجِلْدِ إِذَا كَانَ صَفِيقًا سَاتِرًا لِمَحَلِّ الْفَرْضِ ، فَقَالَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ : لَا يُمْسَحُ عَلَى شَيْءٍ غَيْرِ الْجِلْدِ ; فَاشْتَرَطُوا فِي الْمَسْحِ أَنْ يَكُونَ الْمَمْسُوحَ خُفًّا مِنْ جُلُودٍ ، أَوْ جَوْرَبًا مُجَلَّدًا ظَاهِرُهُ وَبَاطِنُهُ ، يَعْنُونَ مَا فَوْقَ الْقَدَمِ وَمَا تَحْتَهَا لَا بَاطِنَهُ الَّذِي يَلِي الْقَدَمَ .
وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفِّ رُخْصَةٌ ، وَأَنَّ الرُّخَصَ لَا تَتَعَدَّى مَحَلَّهَا ، وَقَالُوا : إِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَمْسَحْ عَلَى غَيْرِ الْجِلْدِ ; فَلَا يَجُوزُ تَعَدِّيهِ إِلَى غَيْرِهِ ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى شَطْرِ قَاعِدَةٍ أُصُولِيَّةٍ مُخْتَلَفٍ فِيهَا ، وَهِيَ : هَلْ يَلْحَقُ بِالرُّخَصِ مَا فِي مَعْنَاهَا ، أَوْ يُقْتَصَرُ عَلَيْهَا وَلَا تُعَدَّى مَحَلَّهَا ؟ .
وَمِنْ فُرُوعِهَا اخْتِلَافُهُمْ فِي بَيْعِ " الْعَرَايَا " مِنَ الْعِنَبِ بِالزَّبِيبِ الْيَابِسِ ، هَلْ يَجُوزُ إِلْحَاقًا بِالرُّطَبِ بِالتَّمْرِ أَوْ لَا ؟ .
وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمُ الشَّافِعِيُّ ، وَأَبُو حَنِيفَةَ ، وَأَحْمَدُ ، وَأَصْحَابُهُمْ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْجِلْدِ ، لِأَنَّ سَبَبَ التَّرْخِيصِ الْحَاجَةُ إِلَى ذَلِكَ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ فِي الْمَسْحِ عَلَى غَيْرِ الْجِلْدِ ، وَلِمَا جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَنَّهُ مَسَحَ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ ، وَالْمُوقَيْنِ .
قَالُوا : وَالْجَوْرَبُ : لِفَافَةُ الرِّجْلِ ، وَهِيَ غَيْرُ جِلْدٍ .
وَفِي الْقَامُوسِ : الْجَوْرَبُ لِفَافَةُ الرِّجْلِ ، وَفِي اللِّسَانِ : الْجَوْرَبُ لِفَافَةُ الرِّجْلِ ، مُعَرَّبٌ وَهُوَ بِالْفَارِسِيةِ " كَوْرَبُ " .
وَأَجَابَ مَنِ اشْتَرَطَ الْجِلْدَ بِأَنَّ الْجَوْرَبَ هُوَ الْخُفُّ الْكَبِيرُ ، كَمَا قَالَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ ، أَمَّا الْجُرْمُوقُ وَالْمُوقُ ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا مِنَ الْخِفَافِ .
وَقِيلَ : إِنَّهُمَا شَيْءٌ وَاحِدٌ ، وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ أَهْلِ اللُّغَةِ . وَقِيلَ : إِنَّهُمَا مُتَغَايِرَانِ ، وَفِي الْقَامُوسِ : الْجُرْمُوقُ : كَعُصْفُورٍ الَّذِي يُلْبَسُ فَوْقَ الْخُفِّ ، وَفِي الْقَامُوسِ أَيْضًا : الْمُوقُ خُفٌّ غَلِيظٌ يُلْبَسُ فَوْقَ الْخُفِّ ، وَفِي اللِّسَانِ : الْجُرْمُوقُ ، خُفٌّ صَغِيرٌ ، وَقِيلَ : خُفٌّ صَغِيرٌ يُلْبَسُ فَوْقَ الْخُفِّ ، فِي اللِّسَانِ أَيْضًا : الْمُوقُ الَّذِي يُلْبَسُ فَوْقَ الْخُفِّ ، فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ ، وَالْمُوقُ : الْخُفُّ اهـ .
قَالُوا : وَالتَّسَاخِينُ : الْخِفَافُ ، فَلَيْسَ فِي الْأَحَادِيثِ مَا يُعَيِّنُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسَحَ [ ص: 338 ] عَلَى غَيْرِ الْجِلْدِ ، وَالْجُمْهُورُ قَالُوا : نَفْسُ الْجِلْدِ لَا أَثَرَ لَهُ ، بَلْ كُلُّ خُفٍّ صَفِيقٍ سَاتِرٍ لِمَحَلِّ الْفَرْضِ يُمْكِنُ فِيهِ تَتَابُعُ الْمَشْيِ ، يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ ، جِلْدًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ .
مَسَائِلُ تَتَعَلَّقُ بِالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ
الْأُولَى : أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ ; وَقَالَ الشِّيعَةُ وَالْخَوَارِجُ : لَا يَجُوزُ ، وَحَكَى نَحْوَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ دَاوُدَ ، وَالتَّحْقِيقُ عَنْ مَالِكٍ ، وَجُلِّ أَصْحَابِهِ ، الْقَوْلُ بِجَوَازِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ .
وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ الْمَنْعُ مُطْلَقًا ، وَرُوِيَ عَنْهُ جَوَازُهُ فِي السَّفَرِ دُونَ الْحَضَرِ .
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ : لَا أَعْلَمُ أَحَدًا أَنْكَرَهُ إِلَّا مَالِكًا فِي رِوَايَةٍ أَنْكَرَهَا أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ ، وَالرِّوَايَاتُ الصَّحِيحَةُ عَنْهُ مُصَرِّحَةٌ بِإِثْبَاتِهِ ، وَمُوَطَّأُهُ ، يَشْهَدُ لِلْمَسْحِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ ، وَعَلَيْهِ جَمِيعُ أَصْحَابِهِ ، وَجَمِيعُ أَهْلِ السُّنَّةِ .
وَقَالَ الْبَاجِيُّ : رِوَايَةُ الْإِنْكَارِ فِي " الْعُتْبِيَّةِ " وَظَاهِرُهَا الْمَنْعُ ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهَا أَنَّ الْغَسْلَ أَفْضَلُ مِنَ الْمَسْحِ ، قَالَ ابْنُ وَهْبٍ : آخِرُ مَا فَارَقْتُ مَالِكًا عَلَى الْمَسْحِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ ; وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ ، فَمَا قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ عَنْ مَالِكٍ مِنْ جَوَازِهِ فِي السَّفَرِ دُونَ الْحَضَرِ غَيْرُ صَحِيحٍ ، لِأَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفِّ مُتَوَاتِرٌ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، قَالَ الزُّرْقَانِيُّ فِي شَرْحِ " الْمُوَطَّأِ " : وَجَمَعَ بَعْضُهُمْ رُوَاتُهُ فَجَاوَزُوا الثَّمَانِينَ ، مِنْهُمُ الْعَشَرَةُ ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَغَيْرُهُ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ ، حَدَّثَنِي سَبْعُونَ مِنَ الصَّحَابَةِ بِالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ ، اهـ .
وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ " الْمُهَذَّبِ " : وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي كِتَابِ " الْإِجْمَاعِ " ، إِجْمَاعَ الْعُلَمَاءِ عَلَى جَوَازِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الْمُسْتَفِيضَةُ فِي مَسْحِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ ، وَأَمَرَهُ بِذَلِكَ وَتَرْخِيصُهُ فِيهِ ، وَاتِّفَاقُ الصَّحَابَةِ ، فَمَنْ بَعْدَهُمْ عَلَيْهِ . قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ : رُوِّينَا جَوَازَ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ عَنْ عُمَرَ ، وَعَلِيٍّ ، وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ ، وَحُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ ، وَأَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ ، وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ ، وَعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ ، وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ، وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، وَسَهْلِ بْنِ سَعْدٍ ، وَأَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ ، وَالْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ ، وَالْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ ، وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، [ ص: 339 ] وَجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ ، وَأَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ جُزْءٍ ، وَأَبِي زَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ .
قُلْتُ : وَرَوَاهُ خَلَائِقٌ مِنَ الصَّحَابَةِ ، غَيْرُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ ذَكَرَهُمُ الْبَيْهَقِيُّ ، وَأَحَادِيثُهُمْ مَعْرُوفَةٌ فِي كُتُبِ السُّنَنِ وَغَيْرِهَا .
قَالَ التِّرْمِذِيُّ : وَفِي الْبَابِ عَنْ عُمَرَ ، وَسَلْمَانَ ، وَبُرَيْدَةَ ، وَعَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ ، وَيَعْلَى بْنِ مُرَّةَ ، وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ ، وَأُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ ، وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ ، وَصَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ ، وَعَوْفِ بْنِ مَالِكٍ ، وَابْنِ عُمَرَ ، وَأَبِي بَكْرَةَ ، وَبِلَالٍ ، وَخُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ .
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : وَرُوِّينَا عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ ، قَالَ : حَدَّثَنِي سَبْعُونَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ .
قَالَ : وَرُوِّينَا عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ ، قَالَ : لَيْسَ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ اخْتِلَافٌ . اهـ .
وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسَحَ عَلَى الْخُفِّ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ ، وَهِيَ آخِرُ مُغَازِيهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسَحَ عَلَى الْخُفِّ ، وَلَا شَكَّ أَنَّ ذَلِكَ بَعْدَ نُزُولِ آيَةِ الْمَائِدَةِ كَمَا تَقَدَّمَ ، وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ أَنَّهُمْ لَمَّا قَالُوا لِجَرِيرٍ : إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ ، قَالَ : مَا أَسْلَمْتُ إِلَّا بَعْدَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ .
وَهَذِهِ النُّصُوصُ الصَّحِيحَةُ الَّتِي ذَكَرْنَا تَدُلُّ عَلَى عَدَمِ نَسْخِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ ، وَأَنَّهُ لَا شَكَّ فِي مَشْرُوعِيَّتِهِ ، فَالْخِلَافُ فِيهِ لَا وَجْهَ لَهُ الْبَتَّةَ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي غَسْلِ الرِّجْلِ وَالْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ ؟ فَقَالَتْ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ : غَسْلُ الرِّجْلِ أَفْضَلُ مِنَ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ ، بِشَرْطِ أَنْ لَا يَتْرُكَ الْمَسْحَ رَغْبَةً عَنِ الرُّخْصَةِ فِي الْمَسْحِ ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ ، وَمَالِكٍ ، وَأَبِي حَنِيفَةَ ، وَأَصْحَابِهِمْ ، وَنَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَابْنِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا . وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ .
وَحُجَّةُ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ غَسْلَ الرِّجْلِ هُوَ الَّذِي وَاظَبَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مُعْظَمِ [ ص: 340 ] الْأَوْقَاتِ ، وَلِأَنَّهُ هُوَ الْأَصْلُ ، وَلِأَنَّهُ أَكْثَرُ مَشَقَّةً .
وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّ الْمَسْحَ أَفْضَلُ ، وَهُوَ أَصَحُّ الرِّوَايَاتِ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ ، وَبِهِ قَالَ الشَّعْبِيُّ ، وَالْحَكَمُ ، وَحَمَّادٌ .
وَاسْتَدَلَّ أَهْلُ هَذَا الْقَوْلِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ : " بِهَذَا أَمَرَنِي رَبِّي " .
وَلَفْظُهُ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَسِيتَ ؟ قَالَ : " بَلْ أَنْتَ نَسِيتَ ; بِهَذَا أَمَرَنِي رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ " .
وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ الْآتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى : " أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نَمْسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ " الْحَدِيثَ .
قَالُوا : وَالْأَمْرُ إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْوُجُوبِ ، فَلَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِلنَّدْبِ ، قَالَ مُقَيِّدُهُ - عَفَا اللَّهُ عَنْهُ - : وَأَظْهَرُ مَا قِيلَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عِنْدِي ، هُوَ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْقَيِّمِ ، وَعَزَاهُ لِشَيْخِهِ تَقِيِّ الدِّينِ ، وَهُوَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَكُنْ يَتَكَلَّفُ ضِدَّ حَالِهِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا قَدَمَاهُ ، بَلْ إِنْ كَانَتَا فِي الْخُفِّ مَسَحَ عَلَيْهِمَا ، وَلَمْ يَنْزِعْهُمَا ، وَإِنْ كَانَتَا مَكْشُوفَتَيْنِ غَسَلَ الْقَدَمَيْنِ ، وَلَمْ يَلْبَسِ الْخُفَّ لِيَمْسَحَ عَلَيْهِ ، وَهَذَا أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ، اهـ .
وَيُشْتَرَطُ فِي الْخُفِّ : أَنْ يَكُونَ قَوِيًّا يُمْكِنُ تَتَابُعُ الْمَشْيِ فِيهِ فِي مَوَاضِعِ النُّزُولِ ، وَعِنْدَ الْحَطِّ وَالتَّرْحَالِ ، وَفِي الْحَوَائِجِ الَّتِي يَتَرَدَّدُ فِيهَا فِي الْمَنْزِلِ ، وَفِي الْمُقِيمِ نَحْوُ ذَلِكَ ، كَمَا جَرَتْ عَادَةُ لَابِسِي الْخِفَافِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : إِذَا كَانَ الْخُفُّ مُخَرَّقًا ، فَفِي جَوَازِ الْمَسْحِ عَلَيْهِ خِلَافٌ بَيْنِ الْعُلَمَاءِ ، فَذَهَبَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ إِلَى أَنَّهُ إِنْ ظَهَرَ مِنْ تَخْرِيقِهِ قَدْرُ ثُلُثِ الْقَدَمِ لَمْ يَجُزِ الْمَسْحُ عَلَيْهِ ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهِ ، وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ الشَّرْعَ دَلَّ عَلَى أَنَّ الثُّلُثَ آخِرُ حَدِّ الْيَسِيرِ ، وَأَوَّلُ حَدِّ الْكَثِيرِ .
وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ : لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى خُفٍّ فِيهِ خَرْقٌ يَبْدُو مِنْهُ شَيْءٌ مِنَ الْقَدَمِ ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ، وَالشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ ، وَمَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ .
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
08-23-2021
|
#3
|


بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن
صَاحِبِ الْفَضِيلَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الشِّنْقِيطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
الحلقة (49)
سُورَةُ الْمَائِدَةِ (4)
[ ص: 341 ] وَاحْتَجَّ أَهْلُ هَذَا الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمُنْكَشِفَ مِنَ الرِّجْلِ حُكْمُهُ الْغَسْلُ ، وَالْمَسْتُورُ حُكْمُهُ الْمَسْحُ ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْمَسْحِ وَالْغَسْلِ لَا يَجُوزُ ، فَكَمَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَغْسِلَ إِحْدَى رِجْلَيْهِ وَيَمْسَحَ عَلَى الْخُفِّ فِي الْأُخْرَى ، لَا يَجُوزُ لَهُ غَسْلُ بَعْضِ الْقَدَمِ مَعَ مَسْحِ الْخُفِّ فِي الْبَاقِي مِنْهَا .
وَذَهَبَ الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ إِلَى أَنَّ الْخَرْقَ الْكَبِيرَ يَمْنَعُ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفِّ دُونَ الصَّغِيرِ . وَحَدَّدُوا الْخَرْقَ الْكَبِيرَ بِمِقْدَارِ ثَلَاثَةِ أَصَابِعَ .
قِيلَ : مِنْ أَصَابِعِ الرِّجْلِ الْأَصَاغِرِ ، وَقِيلَ : مِنْ أَصَابِعِ الْيَدِ .
وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ : يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى جَمِيعِ الْخِفَافِ ، وَإِنْ تَخَرَّقَتْ تَخْرُّقًا كَثِيرًا مَا دَامَتْ يُمْكِنُ تَتَابُعُ الْمَشْيِ فِيهَا ; وَنَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، وَإِسْحَاقَ ، وَيَزِيدَ بْنِ هَارُونَ ، وَأَبِي ثَوْرٍ .
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ الْكُبْرَى عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، أَنَّهُ قَالَ : امْسَحْ عَلَيْهِمَا مَا تَعَلَّقَا بِالْقَدَمِ ، وَإِنْ تَخَرَّقَا ، قَالَ : وَكَانَتْ كَذَلِكَ خِفَافُ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ مُخَرَّقَةً مُشَقَّقَةً ، اهـ .
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ : قَوْلُ مَعْمَرِ بْنِ رَاشِدٍ فِي ذَلِكَ أَحَبُّ إِلَيْنَا ، وَهَذَا الْقَوْلُ الَّذِي ذَكَرْنَا عَنِ الثَّوْرِيِّ ، وَمَنْ وَافَقَهُ هُوَ اخْتِيَارُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ .
وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : وَبُقُولِ الثَّوْرِيِّ أَقُولُ ، لِظَاهِرِ إِبَاحَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ قَوْلًا عَامًا يَدْخُلُ فِيهِ جَمِيعُ الْخِفَافِ . اهـ ، نَقَلَهُ عَنْهُ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ ، وَهُوَ قَوِيٌّ .
وَعَنِ الْأَوْزَاعِيِّ إِنْ ظَهَرَتْ طَائِفَةٌ مِنْ رِجْلِهِ مَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ ، وَعَلَى مَا ظَهَرَ مِنْ رِجْلِهِ . هَذَا حَاصِلُ كَلَامِ الْعُلَمَاءِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ .
وَأَقْرَبُ الْأَقْوَالِ عِنْدِي ، الْمَسْحُ عَلَى الْخُفِّ الْمُخَرَّقِ مَا لَمْ يَتَفَاحَشْ خَرْقُهُ حَتَّى يَمْنَعَ تَتَابُعَ الْمَشْيِ فِيهِ لِإِطْلَاقِ النُّصُوصِ ، مَعَ أَنَّ الْغَالِبَ عَلَى خِفَافِ الْمُسَافِرِينَ ، وَالْغُزَاةِ عَدَمُ السَّلَامَةِ مِنَ التَّخْرِيقِ ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي جَوَازِ الْمَسْحِ عَلَى النَّعْلَيْنِ ، فَقَالَ قَوْمٌ : يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى النَّعْلَيْنِ وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ ، وَاسْتَدَلَّ الْقَائِلُونَ بِالْمَسْحِ عَلَى [ ص: 342 ] النَّعْلَيْنِ بِأَحَادِيثَ ، مِنْهَا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، عَنْ وَكِيعٍ ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، عَنْ أَبِي قَيْسٍ الْأَوْدِيِّ ، هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ ثَرْوَانَ ، عَنْ هُزَيْلِ بْنِ شُرَحْبِيلَ ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ : " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ وَمَسَحَ الْجَوْرَبَيْنِ وَالنَّعْلَيْنِ " ، قَالَ أَبُو دَاوُدَ : وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ لَا يُحَدِّثُ بِهَذَا الْحَدِيثِ ، لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ عَنِ الْمُغِيرَةِ ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ ، وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ الْبَيْهَقِيُّ .
ثُمَّ قَالَ : قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ : رَأَيْتُ مُسْلِمَ بْنَ الْحَجَّاجِ ضَعَّفَ هَذَا الْخَبَرَ ، وَقَالَ أَبُو قَيْسٍ الْأَوْدِيُّ ، وَهُزَيْلُ بْنُ شُرَحْبِيلَ : لَا يَحْتَمِلَانِ مَعَ مُخَالَفَتِهِمَا الْأَجِلَّةَ الَّذِينَ رَوَوْا هَذَا الْخَبَرَ عَنِ الْمُغِيرَةِ ، فَقَالُوا : مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ ، وَقَالَ : لَا نَتْرُكُ ظَاهِرَ الْقُرْآنِ بِمِثْلِ أَبِي قَيْسٍ وَهُزَيْلٍ ، فَذَكَرْتُ هَذِهِ الْحِكَايَةَ عَنْ مُسْلِمٍ لِأَبِي الْعَبَّاسِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّغُولِيِّ ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ : عَلِيُّ بْنُ شَيْبَانَ يَقُولُ : سَمِعْتُ أَبَا قُدَامَةَ السَّرَخْسِيَّ يَقُولُ : قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ : قُلْتُ لِسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ : لَوْ حَدَّثْتَنِي بِحَدِيثِ أَبِي قَيْسٍ عَنْ هُزَيْلٍ مَا قَبِلْتُهُ مِنْكَ ، فَقَالَ سُفْيَانُ : الْحَدِيثُ ضَعِيفٌ أَوْ وَاهٍ ، أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا ، اهـ .
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّهُ قَالَ حَدَّثْتُ أَبِي بِهَذَا الْحَدِيثِ ، فَقَالَ أَبِي : لَيْسَ يُرْوَى هَذَا إِلَّا مِنْ حَدِيثِ أَبِي قَيْسٍ ، قَالَ أَبِي : إِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مَهْدِيٍّ ، يَقُولُ : هُوَ مُنْكَرٌ ، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ أَنَّهُ قَالَ : حَدِيثُ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ فِي الْمَسْحِ رَوَاهُ عَنِ الْمُغِيرَةِ أَهْلُ الْمَدِينَةِ ، وَأَهْلُ الْكُوفَةِ ، وَأَهْلُ الْبَصْرَةِ ، وَرَوَاهُ هُزَيْلُ بْنُ شُرَحْبِيلَ عَنِ الْمُغِيرَةِ ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ : وَمَسَحَ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ ، وَخَالَفَ النَّاسَ .
وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ ، أَنَّهُ قَالَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ : النَّاسُ كُلُّهُمْ يَرْوُونَهُ عَلَى الْخُفَّيْنِ غَيْرَ أَبِي قَيْسٍ ، ثُمَّ ذَكَرَ أَيْضًا مَا قَدَّمْنَا عَنْ أَبِي دَاوُدَ مِنْ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مَهْدِيٍّ كَانَ لَا يُحَدِّثُ بِهَذَا الْحَدِيثِ ، لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ عَنِ الْمُغِيرَةِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ ، وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ : وَرُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ أَيْضًا عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَلَا بِالْمُتَّصِلِ ، وَبَيَّنَ الْبَيْهَقِيُّ مُرَادَ أَبِي دَاوُدَ بِكَوْنِهِ غَيْرَ مُتَّصِلٍ وَغَيْرَ قَوِيٍّ ، فَعَدَمُ اتِّصَالِهِ ، إِنَّمَا هُوَ لِأَنَّ رَاوِيَهُ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ هُوَ الضَّحَّاكُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ : وَالضَّحَّاكُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ : لَمْ يَثْبُتْ سَمَاعُهُ مِنْ أَبِي مُوسَى ، وَعَدَمُ قُوَّتِهِ ; لِأَنَّ فِي إِسْنَادِهِ عِيسَى بْنَ سِنَانٍ ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ : وَعِيسَى بْنُ سِنَانٍ ضَعِيفٌ ، اهـ .
[ ص: 343 ] وَقَالَ فِيهِ ابْنُ حَجَرٍ فِي " التَّقْرِيبِ " : لَيِّنُ الْحَدِيثِ ، وَاعْتَرَضَ الْمُخَالِفُونَ تَضْعِيفَ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ وَالنَّعْلَيْنِ ، قَالُوا : أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ ، وَسَكَتَ عَنْهُ ، وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَأَقَلُّ دَرَجَاتِهِ عِنْدَهُ الْحَسَنُ ، قَالُوا : وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ : حَسَنٌ صَحِيحٌ ، قَالُوا : وَأَبُو قَيْسٍ وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ ، وَقَالَ الْعِجْلِيُّ : ثِقَةٌ ثَبْتٌ ، وَهُزَيْلٌ وَثَّقَهُ الْعِجْلِيُّ ، وَأَخْرَجَ لَهُمَا مَعًا الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ ، ثُمَّ إِنَّهُمَا لَمْ يُخَالِفَا النَّاسَ مُخَالَفَةَ مُعَارَضَةٍ ، بَلْ رَوَيَا أَمْرًا زَائِدًا عَلَى مَا رَوَوْهُ بِطْرِيقٍ مُسْتَقِلٍّ غَيْرِ مُعَارَضٍ ، فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُمَا حَدِيثَانِ قَالُوا : وَلَا نُسَلِّمُ عَدَمَ سَمَاعِ الضَّحَّاكِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مِنْ أَبِي مُوسَى ، لِأَنَّ الْمُعَاصَرَةَ كَافِيَةٌ فِي ذَلِكَ كَمَا حَقَّقَهُ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ فِي مُقَدِّمَةِ صَحِيحِهِ ; وَلِأَنَّ عَبْدَ الْغَنِيِّ قَالَ فِي " الْكَمَالِ " : سَمِعَ الضَّحَّاكُ مِنْ أَبِي مُوسَى ، قَالُوا : وَعِيسَى بْنُ سِنَانٍ ، وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَضَعَّفَهُ غَيْرُهُ ، وَقَدْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ فِي " الْجَنَائِزِ " حَدِيثًا فِي سَنَدِهِ عِيسَى بْنُ سِنَانٍ هَذَا ، وَحَسَّنَهُ .
وَيَعْتَضِدُ الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ أَيْضًا بِمَا جَاءَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الثَّابِتِ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ عُبَيْدَ بْنَ جُرَيْجٍ قَالَ لَهُ : يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ رَأَيْتُكُ تَصْنَعُ أَرْبَعًا لَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِكَ يَصْنَعُهَا ، قَالَ : مَا هُنَّ ؟ فَذَكَرَهُنَّ ، وَقَالَ فِيهِنَّ : رَأَيْتُكَ تَلْبَسُ النِّعَالَ السَّبْتِيَّةَ ، قَالَ : أَمَّا النِّعَالُ السَّبْتِيَّةُ ، " فَإِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَلْبَسُ النِّعَالَ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا شَعْرٌ وَيَتَوَضَّأُ فِيهَا ، فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَلْبَسَهَا " .
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ ، بَعْدَ أَنْ سَاقَ هَذَا الْحَدِيثَ بِسَنَدِهِ : وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ مَالِكٍ ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى ، وَرَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ ، وَرَوَاهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ عَنِ الْمَقْبُرِيِّ ، فَزَادَ فِيهِ : وَيَمْسَحُ عَلَيْهَا ; وَهُوَ مَحَلُّ الشَّاهِدِ ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ : وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ وَإِنْ كَانَتْ مَحْفُوظَةً فَلَا يُنَافِي غَسْلَهُمَا ، فَقَدْ يَغْسِلُهُمَا فِي النَّعْلِ ، وَيَمْسَحُ عَلَيْهِمَا .
وَيَعْتَضِدُ الِاسْتِدْلَالُ الْمَذْكُورُ أَيْضًا فِي الْمَسْحِ عَلَى النَّعْلَيْنِ بِمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ ، قَالَ : بَالَ عَلِيٌّ ، وَهُوَ قَائِمٌ ثُمَّ تَوَضَّأَ ، وَمَسَحَ عَلَى النَّعْلَيْنِ ، ثُمَّ قَالَ : وَبِإِسْنَادِهِ قَالَ : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ ، عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ ، قَالَ : " بَالَ عَلِيٌّ وَهُوَ قَائِمٌ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى النَّعْلَيْنِ ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الظُّهْرَ " .
وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا نَحْوَهُ عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ بِسَنَدٍ آخَرَ ، وَيَعْتَضِدُ الِاسْتِدْلَالُ الْمَذْكُورُ [ ص: 344 ] بِمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ رَوَّادِ بْنِ الْجَرَّاحِ ، عَنْ سُفْيَانَ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً ، وَمَسَحَ عَلَى نَعْلَيْهِ " .
ثُمَّ قَالَ : هَكَذَا رَوَاهُ رَوَّادُ بْنُ الْجَرَّاحِ ، وَهُوَ يَنْفَرِدُ عَنِ الثَّوْرِيِّ بِمَنَاكِيرَ هَذَا أَحَدُهَا ، وَالثِّقَاتُ رَوَوْهُ عَنِ الثَّوْرِيِّ دُونَ هَذِهِ اللَّفْظَةِ .
وَرُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ الْحُبَابِ عَنِ الثَّوْرِيِّ هَكَذَا ، وَلَيْسَ بِمَحْفُوظٍ ، ثُمَّ قَالَ : أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ عَبْدَانَ ، أَنْبَأَ سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الطَّبَرَانِيُّ ، ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ الْوَكِيعِيُّ ، حَدَّثَنِي أَبِي ، ثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ ، ثَنَا سُفْيَانُ فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ : " أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسَحَ عَلَى النَّعْلَيْنِ " ، اهـ .
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ بَعْدَ أَنْ سَاقَهُ : وَالصَّحِيحُ رِوَايَةُ الْجَمَاعَةِ ، وَرَوَاهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ الدَّرَاوَرْدِيُّ ، وَهِشَامُ بْنُ سَعْدٍ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ، فَحَكَيَا فِي الْحَدِيثِ : " رَشًّا عَلَى الرِّجْلِ وَفِيهَا النَّعْلُ " ، وَذَلِكَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ غَسَلَهَا فِي النَّعْلِ .
فَقَدْ رَوَاهُ سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَجْلَانَ ، وَوَرْقَاءُ بْنُ عُمَرَ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ، فَحَكَوْا فِي الْحَدِيثِ غَسْلَهُ رِجْلَيْهِ ، وَالْحَدِيثُ حَدِيثٌ وَاحِدٌ .
وَالْعَدَدُ الْكَثِيرُ أَوْلَى بِالْحِفْظِ مِنَ الْعَدَدِ الْيَسِيرِ ، مَعَ فَضْلِ حِفْظِ مَنْ حَفِظَ فِيهِ الْغَسْلَ بَعْدَ الرَّشِّ عَلَى مَنْ لَمْ يَحْفَظْهُ ، وَيَعْتَضِدُ الِاسْتِدْلَالُ الْمَذْكُورُ أَيْضًا بِمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ الرُّوذْبَارِيُّ ، أَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ دَاسَةَ ، ثَنَا أَبُو دَاوُدَ ، ثَنَا مُسَدَّدٌ ، وَعَبَّادُ بْنُ مُوسَى ، قَالَا : ثَنَا هُشَيْمٌ ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ عَبَّادٌ : قَالَ : أَخْبَرَنِي أَوْسُ بْنُ أَبِي أَوْسٍ الثَّقَفِيُّ قَالَ : " رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى نَعْلَيْهِ وَقَدَمَيْهِ " .
وَقَالَ مُسَدَّدٌ : إِنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَرَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ ، عَنْ أَوْسٍ الثَّقَفِيِّ : " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى نَعْلَيْهِ " وَهُوَ مُنْقَطِعٌ ، أَخْبَرَنَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ فُورَكَ ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ ، ثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ ، ثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ ، ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، فَذَكَرَهُ .
وَهَذَا الْإِسْنَادُ غَيْرُ قَوِيٍّ ، وَهُوَ يَحْتَمِلُ مَا احْتَمَلَ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ ، اهـ كَلَامُ الْبَيْهَقِيِّ .
وَلَا يَخْفَى أَنَّ حَاصِلَهُ أَنَّ أَحَادِيثَ الْمَسْحِ عَلَى النَّعْلَيْنِ مِنْهَا مَا هُوَ ضَعِيفٌ لَا يُحْتَجُّ [ ص: 345 ] بِهِ ، وَمِنْهَا مَا مَعْنَاهُ عِنْدَهُ : " أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَسَلَ رِجْلَيْهِ فِي النَّعْلَيْنِ " .
ثُمَّ اسْتَدَلَّ الْبَيْهَقِيُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوُضُوءِ فِي النَّعْلَيْنِ غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ فِيهِمَا بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ ، الثَّابِتِ فِي الصَّحِيحَيْنِ ، أَنَّهُ قَالَ : " أَمَّا النِّعَالُ السَّبْتِيَّةُ فَإِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَلْبَسُ النِّعَالَ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا شَعْرٌ ، وَيَتَوَضَّأُ فِيهَا ، فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَلْبَسَهَا " اهـ .
وَمُرَادُ الْبَيْهَقِيِّ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ " وَيَتَوَضَّأُ " فِيهَا أَنَّهُ يَغْسِلُ رِجْلَيْهِ فِيهَا ، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّا قَدَّمْنَا رِوَايَةَ ابْنِ عُيَيْنَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا الْبَيْهَقِيُّ عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ ، عَنِ الْمَقْبُرِيِّ ، وَفِيهَا زِيَادَةٌ " وَيَمْسَحُ عَلَيْهَا " .
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي مَنْعِ الْمَسْحِ عَلَى النَّعْلَيْنِ وَالْجَوْرَبَيْنِ : وَالْأَصْلُ وُجُوبُ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ إِلَّا مَا خَصَّتْهُ سُنَّةٌ ثَابِتَةٌ ، أَوْ إِجْمَاعٌ لَا يُخْتَلَفُ فِيهِ ، وَلَيْسَ عَلَى الْمَسْحِ عَلَى النَّعْلَيْنِ وَلَا عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ وَاحِدٌ مِنْهُمَا ، اهـ .
وَأُجِيبَ مِنْ جِهَةِ الْمُخَالِفِينَ بِثُبُوتِ الْمَسْحِ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ وَالنَّعْلَيْنِ ، عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالُوا : إِنَّ التِّرْمِذِيَّ صَحَّحَ الْمَسْحَ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ وَالنَّعْلَيْنِ ، وَحَسَّنَهُ مِنْ حَدِيثِ هُزَيْلٍ عَنِ الْمُغِيرَةِ ، وَحَسَّنَهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ الضَّحَّاكِ عَنْ أَبِي مُوسَى ، وَصَحَّحَ ابْنُ حِبَّانَ الْمَسْحَ عَلَى النَّعْلَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَوْسٍ ، وَصَحَّحَ ابْنُ خُزَيْمَةَ حَدِيثَ ابْنِ عُمَرَ فِي الْمَسْحِ عَلَى النِّعَالِ السَّبْتِيَّةِ .
قَالُوا : وَمَا ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ الْحُبَابِ ، عَنِ الثَّوْرِيِّ فِي الْمَسْحِ عَلَى النَّعْلَيْنِ ، حَدِيثٌ جَيِّدٌ قَالُوا : وَرَوَى الْبَزَّارُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَتَوَضَّأُ وَنَعْلَاهُ فِي رِجْلَيْهِ ، وَيَمْسَحُ عَلَيْهِمَا .
وَيَقُولُ : " كَذَلِكَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَفْعَلُ " ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ .
وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ : الْمَنْعُ مِنَ الْمَسْحِ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ خَطَأٌ ، لِأَنَّهُ خِلَافُ السُّنَّةِ الثَّابِتَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخِلَافُ الْآثَارِ . هَذَا حَاصِلُ مَا جَاءَ فِي الْمَسْحِ عَلَى النَّعْلَيْنِ وَالْجَوْرَبَيْنِ .
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
08-23-2021
|
#4
|
تميز في الانتقاء
سلم لنا روعه طرحك
نترقب المزيد من جديدك الرائع
دمت ودام لنا عطائك
لكـ خالص احترامي
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
08-23-2021
|
#5
|
طرحت فابدعت دمت ودام عطائك
سلمت اناملك الذهبيه على ماخطته لنا
اعذب التحايا لك
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
08-23-2021
|
#6
|
,,~
جَزآگ اللهُ خَيرَ آلجَزآءْ..،
جَعَلَ يومَگ نُوراً وَسُروراً
وَجَبآلاُ مِنِ آلحَسنآتْ تُعآنِقُهآ بُحوراً..
جَعَلَهُا آلله في مُوآزيَنَ آعمآلَگ
دَآمَ لَنآعَطآئُگ..
دُمْت بــِطآعَة الله ..~
,,~
|
|
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|
تعليمات المشاركة
|
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك
كود HTML معطلة
|
|
|
الساعة الآن 01:52 AM
| | | | | |