تفسير قوله تعالى: (فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكراً ...)
تفسير قوله تعالى: (فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكراً ...)
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الأحد من يوم السبت- ندرس كتاب الله عز وجل، راجين أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، على رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ قال: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).وقوله صلى الله عليه وسلم: ( من أتى هذا المسجد لا يأتيه إلا لخير يعلمه أو يتعلمه كان كالمجاهد في سبيل الله )، فلنحمد الله على هذا الإنعام وهذا الإفضال. وها نحن مع هذه الآيات المباركات، فاسمعوها وتأملوها قبل أن نأخذ في تدريسها وشرحها وبيان معانيها.أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ * وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * أُوْلَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ * وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ [البقرة:200-203].هذا كلام من؟ كلام الله، فالحمد لله أن عرفنا الله وعرفنا رسوله صلى الله عليه وسلم، وأنزل علينا كتابه، فأصبحنا نتلو كلامه، ونسمع كلامه تعالى، وما رأيناه لضعفنا وقصور طاقتنا عن رؤية ربنا، إذ لو كشف الحجاب عن وجهه لاحترق الكون، ولكن الحمد لله فهذا كلامه نتلوه، ونتدبره، ونعمل بهداية الله فيه، فأية نعمة أعظم من هذه النعمة؟! والله! لا توجد، وفي الشرق والغرب ملايين البشر لا يعرفون الله عز وجل، ولا يسمعون به، ولا يعرفون له كلاماً، ولا شرعا، يعيشون كالبهائم، والله! لأشر من البهائم: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ [البينة:6]، من هم شر البرية؟ لا تقل: الحيات والذئاب والثعابين. لا؛ تلك طاهرة، شر البرية من كفروا بربهم، وتنكروا له وأعرضوا عن ذكره، وخرجوا عن طاعته، وعبدوا الشهوات والأهواء والشياطين، ومثلوها في أصنام وتماثيل، أولئك شر الخلق.