قصة معاوية بن أبي سفيان مع وائل بن حجر
«امشِ في ظل الناقة»، قول نطق به وائل بن حجر الحضرمي في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، قاله في حادثة حصلت ليصبح الآن دلالة على أن دوام الحال من المحال، فالأيام تتداول بين الناس، إنها سنة الله في خلقه، ولا تبديل لسننه، ولهذا القول قصة من قصص التاريخ الإسلامي.
فيروى أن وائل بن حجر الحضرمي، وهو سليل أحد ملوك اليمن، فأبوه أحد ملوك حضرموت، ويقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بشر أصحابه قبل قدومه به، قائلا «يأتيكم بقية أبناء الملوك».
فحصل ما بشر به رسول الله، فقد قدم وائل على رسول الله صلى الله عليه وسلم معلنا إسلامه، فرحب به النبي وأدناه من نفسه، وقرب مجلسه، وبسط له رداءه، وقال له: اللهم بارك في وائل وولده وولد ولده، بعد ذلك استعمله عليه السلام على ممالك حضرموت، وأكرمه بأرضٍ نظير ما ترك خلفه من المُلك والزعامة، ثم أرسل معه معاوية بن أبي سفيان ليدله على تلك الأرض.
كان معاوية، وقتها، ولشدة فقره لا يملك حتى نعالا، فلما لسعه حر الرمضاء قال معاوية لوائل: أردفني معك على الناقة، فقال وائل متكبرا: ليس شحا بالناقة، ولكنك لست رديف الملوك، فقال معاوية: إذاً أعطني نعلك، فقال له وائل: ليس شحا بالنعل، ولكنك لست ممن ينتعل أحذية الملوك، ولكن «امشِ في ظل الناقة»، وانتعل ظلها.
ودارت الأيام، وآلت الخلافة إلى معاوية بن أبي سفيان، وصادف أن جاء وائل إلى الشام وقد جاوز الثمانين، فدخل على معاوية، وكان جالسا على كرسي الملك، فلما رآه نزل عن كرسيه وأجلس وائلا مكانه، ثم ذكّره بالذي كان بينهما فيما مضى، وأمر له بمالٍ، فقال له وائل: أعطه لمن هو أحق به مني، ولكني وددت بعد ما رأيت من حلمك لو رجع بنا الزمان لأحملك يومها بين يدي.
فالعبرة هنا، أن لا غنى يدوم، ولا فقر يبقى، فليكن المرء حكيماً متواضعاً لا يستهين بمن هو أدنى منه، وليعتبر الناس بما قيل سابقاً في الأثر، «وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ»، فكم من طاغية أصبح مدحورا مذموما، وكم من ضعيف مظلوم أصبح صاحب ملك ومكان.
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|