متى يكون سوء الفهم آفة؟
أولاً: ليس غريباً أن يسيء المرء الفهم، وهذا كثيراً ما يحصل في حياتنا؛ فقد تسمع كلاماً من أحد الناس فتفهم منه خلاف ما كان يقصد.
بل إن الخطأ في الفهم حصل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وهناك مواقف كثيرة لاتخفى عليكم لعلي أشير إلى بعضها إشارة عاجلة.
* حين قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه في غزوة بني قريظة في قصة مشهورة :"لا يصلين أحدكم العصر إلا في بني قريظة" كان منهم من صلى في بني قريظة فأخر صلاة العصر حتى وصل بعد خروج الوقت؛ ففهم أن المقصود أن يصلي العصر نفسها في بني قريظة، ومنهم من فهم النص فهماً آخر، ففهم أن النبي صلى الله عليه وسلم يريد منهم أن يعجلوا في المسير إلى بني قريظة؛ ومِن ثمّ أدّوا الصلاة في الطريق.
* صورة أخرى: حين نزل قول الله عز وجل (و كلوا وأشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر)) جاء عدي رضي الله عنه فوضع عقالين عند وسادة- خيطين أبيض وأسود- وأصبح ينظر إليهما، فلما استبان له الأبيض من الأسود أمسك، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له مداعباً:"إن وسادك لعريض" أي كأنك قد توسّدت الأفق، إنما هو سواد الليل وبياض النهار.
* وقال عز وجل (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضلّ إذا اهتديتم)) لقد خطب أبو بكر الصديق رضي الله عنه فقال إنكم تقرؤون هذه الآية وتضعونها على غير موضعها. أي بعبارة أخرى أنكم تخطئون في فهم المقصود من هذه الآية، إذن فكان هناك من يخطئ في فهم هذه الآية ممن كان يخاطبهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه.
* وقال عز وجل (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا والله يحب المحسنين))، وقد فهم بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من هذه الآية فهما آخر، فمنهم من شرب الخمر متأولاً هذه الآية في عصر عمر رضي الله عنه. ثم دعاهم وقرّرهم بالحكم. لا يهمنا بقية القصة وما يتعلق بها إنما الشاهد أن هناك من فهم من هذه الآية خلاف مادلت عليه.
* وقال عز وجل (إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ومن تطوع خيراً فإن الله شاكر عليم)) ، سأل عروة بن الزبير رضي الله عنه عائشة رضي الله عنها فقال: أرأيتِ قوله تعالى ثم ذكر الآية .. ففهم عروة رضي الله عنه من هذه الآية أنها تدل على أن الطواف بالصفا والمروة ليس واجباً، فصححت له عائشة رضي الله عنها هذا الفهم وأخبرته بسبب نزول هذه الآية الكريمة.
لعلّي أقتصر على هذه الأمثلة وهي أمثلة كثيرة نراها تقع لبعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أو الجيل الأول أو غيرهم ممّن يخطئ في فهم نص من النصوص، وقصدت أن أمثل لخطئهم في فهم النصوص الشرعية لماذا؟ لأنهم ومع احترازهم وتعاملهم مع النصوص الشرعية بعقلية تختلف عن غيرها من النصوص إلا أنهم وقعوا في هذا الفهم.
إن سوء الفهم أمر لا ينجو منه إنسان أيًّا كان؛ لأنه بشر؛ ولأن المتحدث قد لا يزن حديثه، أو قد يكون حديثه ملبساً، أو مدعاة لسوء الفهم، فإما أن نطالب الجميع بالتخلي عن سوء الفهم أو أن نحاكم الجميع عند سوء الفهم ونرى أن الجميع يجب أن تصح أفهامهم بنسبة 100% فهذا مطلب غير معقول، فلا بد أن يقع المرء في الخطأ في الفهم لكن متى يكون سوء الفهم آفة؟ .
في نظري أنه آفة حينما يكون قاعدة نحكم بها على الآخرين، من خلال فهمنا لكلماتهم أو أقوالهم أو أعمالهم أو مواقفهم، فنحاكمهم إلى فهمنا، بل قد يتجاوز الأمر ذلك، فنقول: هو يقصد كذا ويريد كذا، ويظهر خلاف ما يريد …وغيرها من الكلمات التي تعبر عن أعمال قلبية ، كأننا نملك وسيلة نستطيع بها أن نحكم ونطّلع على نوايا الآخرين.
وقد يعترض معترض بأننا قد عرضنا قائمة وأمثلة طويلة من أمور اجتهد فيها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فأخطؤوا الفهم مع نص شرعي فكيف لا يراد من غيرهم أن يخطئ؟
إنه من حقك أن تخطئ في الفهم، وهذا شيء طبعي –وقد يكون بعض الناس عقله لا يؤدي به إلا إلى الفهم السقيم- لكن هذا شيء وأن تجعل فهمك قاعدة تحاكم الآخرين إليها شيء آخر.
حين أنقل عن الآخرين يجب أن أكون دقيقاً في النقل فأقول قال كذا وكذا أو فعل كذا وكذا وفهمت أنا أنه يقصد كذا وأنه يريد كذا.
ناقشني شاب في مقال كتبته فقال لي: إن الناس الذين تقصدهم في هذا الكلام عندهم كذا وكذا فقلت له يا أخي لم أكن أقصد أحداً بعينه إنماالقضية وهم في ذهنك. فقال :بل أنت تقصد. فقلت :أنت الآن تخبرني بمن أقصد أنا وماذا أريد، إذا كنت متهماً عندك بالكذب فلا داعي للنقاش لأني أصبحت عندك كذاباً، ومن حقك أن تفهم أني أقصد أمراً بعينه، لكن يجب أن يبقى فهماً لك ولا تلزمني به.
أسباب الظاهرة:
السبب الأول: سوء النية:
فقد يكون الرجل صاحب نية سيئة، فهو يسمع لفلان ويقرأ لآخر لا لأجل أن يستفيد ، ويقرأ لفلان ليس من أجل الفائدة، إنما يبحث عن مدخل. فهو إذن سيئ النية ابتداء.
وسوء النية ليس بالضرورة إرادة حرب الإسلام والمسلمين؛ فالحسد والهوى والتنافس الحزبي صورة من صور سوء النية.
وكم واجه شيخ الإسلام ابن تيمية وعبدالغني المقدسي – وغيرهم – من أئمة أهل السنة – كم واجهوا من مضايقات ومن تحميل كلامهم ما لا يحتملون فيقال خالف الإجماع في هذه القضية وفعل كذا وفعل كذا … لماذا؟ لأن عنده من كان يقرأ ليبحث عن الزلل، ودافعهم لذلك الحسد والبغي.
ومن هذا القبيل ما يحصل من المستشرقين من أخطاء شنيعة حين كانوا يقرؤون نصوص الشرع والتراث الإسلامي بسوء نية.
السبب الثاني: سوء الظن:
عندما يسيء الإنسان الظن بشخص أياً كان، فلا بد أن يسيء الفهم تلقائياً فهو يقصد كذا أو يريد كذا وهذا لا يحتمل إلا هذا الشيء…إلخ هذه القائمة.
لماذا نحمل مقاصد الناس على المحمل السيئ؟ إن المنطق العقلي البحت ومنطق العدل المجرد مع الناس أياً كانوا يجعلني أتجرد من كل هذه القضايا. وأنظر إلى الكلام مجرداً عن كل الأوهام التي عندي. ثم أحاكم هذا الكلام إلى ما يقوله هو في مناسبة أخرى إلى أعماله الأخرى فسأصل إلى نتيجة سليمة قطعاً.
كم نجد أحياناً من الناس من يقول كلاماً في كتاب أو مجلس أو في مناسبة، ونفهم من هذا الكلام أنه يريد أمراً ما، ثم في مجال آخر يصرح تصريحاً قاطعاً بخلاف هذا ، ومع ذلك نرفض هذا الكلام الصريح، ونسلط الضوء على هذه العبارة المحتملة. ولسان حالنا: نحن أعلم منك بما في نفسك، وأعلم منك بما تريد وما تقول.
أما عندما يكون عندي أنا صورة متخيلة في الذهن عن شخص من الأشخاص فقد أصل إلى خلاف الحقيقة، ولهذا كان الظن أكذب الحديث "اتقوا الظن فإن الظن أكذب الحديث".
السبب الثالث: الخلفية السابقة:
حين يصلي الشخص خلف خطيب، أو يحضر عند أستاذ، أو يقرأ لكاتب، وقد أعطي خلفية معينة عن هذا الرجل فسوف يسمع ويقرأ منتظراً للشواهد التي تؤيد الخلفية الموجودة عنده .
إنك لو أعطيت كتاباً لاثنين متساويين في الفهم والإدراك والتربية، وقلت للأول خذ الكتاب لتقرأه، وقلت للثاني اقرأ الكتاب لكن احذر؛ فهذا الكاتب عليه ملاحظات ما النتيجة؟
لابد أن الثاني سيصل إلى نتائج وأخطاء لم يصل إليها الأول؛ لأن الأول قرأ بدون خلفية، بخلاف الثاني الذي يقرأ محاولاً اكتشاف الملاحظات والأخطاء، وقد يكون لبعض هذه الأخطاء رصيد من الواقع، لكن كثيراً منها سيكون متوهماً، قد حمله صاحبنا أكثر مما يحتمل.
السبب الرابع: إهمال الظروف المتعلقة بالشخص:
إن الناس تختلف طبائعهم وسماتهم، فبعضهم –على سبيل المثال- حاد وسريع الغضب، وقد يقول كلاماً لا يعبر عن حقيقة ما في نفسه، وحين يغضب ويغلظ عليك الكلام فكأن الأرض لن تحملك بعد ذلك، بينما قلبه سليم تجاهك.
أذكر أستاذاً -لا أدري ما أخباره غفر الله لنا وله وجزاه عنا خيراً-كان شديد الغضب، حين يغضب عليك تضيق عليك الأرض بما رحبت، وتتخيل أنه يهم بالبطش بك الآن ، وفي نهاية المحاضرة تخرج معه فتجده مبتسماً طليق الوجه، فلم نعد نقلق حين عرفنا طبيعته.
ومن الناس من يكون على العكس من ذلك، فمنهم ما في نفسه أشد مما قد يبديه لك.
ومن ذلك أيضاً ظروف الزمان والمكان، فقد يقول المرء كلاماً في مكان معين، لملابسات ودوافع معينة - بغض النظر عن مدى عذره في ذلك- فلا يصبح هذا الكلام معبراً عن رأيه الحقيقي.
ومن ذلك حديث الشخص عن موضوع معين وحماسه له –كالقراءة مثلاً- فقد يفهم بعض الناس من ذلك أنه يقلل من حضور مجالس العلم، وحين يتحدث آخر عن الاعتناء بالبارزين والموهوبين فقد يفهم سامع أنه يهمل دعوة آحاد الناس، وهكذا حتى أصبح كل متحدث بحاجة لأن يختم حديثه بقيود عديدة، أنه لايلزم من كلامه كذا وكذا، ولايقصد كذا وكذا.
السبب الخامس: الحرص تنزيل الكلام على معين:
حين يتحدث متحدث عن قضية من القضايا، ويأتي في ثنايا حديثه أن بعض الكتاب أو بعض الدعاة يقول كذا أو يقع في هذا الخطأ، فسوف يتساءل الناس من يقصد؟ أهو يقصد فلاناً أم فلاناً؟
وربما لم يكن في ذهن المتحدث شخص بعينه، إنما هو يتحدث عن ظاهرة من الظواهر.
السبب السادس: القول باللازم:
حين أقول إن المعلمين في المدارس هم البوابة للمجتمع، وهم الذين يصنعون الجيل إلى غير ذلك. قد يأتي شخص ويقول يلزم من كلامك أن العلماء ليس لهم قيمة ، يلزم من كلامك أن الخطباء ليس لهم قيمة، أن القضاة ليس لهم قيمة…وهكذا.
ومن المقرر عند أهل العلم في التعامل مع اللازم أن لازم الكتاب والسنة حق، أما في كلام البشر فله ثلاث حالات:
الحالة الأولى: أن يذكر له اللازم فليتزمه. وذلك بأن تقول لي يلزم من كلامك كذا وكذا، فأقول نعم وأنا أعتقد ذلك.
الحالة الثانية: أن يذكر له اللازم فلا يلتزمه. وذلك بأن تقول إن كلامك يلزم منه كذا وكذا، فأقول لا يلزم منه هذا.
والأمر في الحالتين واضح لا إشكال فيه.
الحالة الثالثة: وهي موضع النقاش: ألا يثبته الشخص أو ينفيه، فحينها لاينسب له؛ لأن الإنسان بشر يغيب عنه اللازم ويعتريه الذهول والغفلة والنسيان.
وليس هذا مجال تقرير هذه المسألة الأصولية؛ إنما المقصود منها التوسع في إلزام الناس بما لم يقولوه غير صحيح.
سابعاً: عدم إدراك أطراف الموضوع:
حين يقرأ أحد القراء جزءاً مما قاله أحد الكتاب، فقد يفهم خلاف ماقصده، لكن لو عرف أطراف الموضوع فسيفهمه فهماً آخر.
دعونا نضرب مثالاً قريباً: في المحاضرة هذه لو أن إنساناً لم يحضر معنا الجزء الأول، فسيقول أنت الآن تشنّ حملة على من يسيء الفهم، وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وقعوا في خطأ في الفهم وهذا يلزم منه أنك تنتقص أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، لكن لو أدرك أطراف الموضوع كله مثلاً لعلم أنني تحدثت عن هذه القضية وأنه لو كان لازم كلامي هذا فأنا على الأقل لا ألتزم به.
السبب الثامن: الربط المتكلف:
وذلك حين يعمد إلى كلام هنا وكلام هناك فيربط بينهما برابط ويخلص إلى نتيجة معينة، غير حقيقية.
ومن ذلك إلزام الشخص بآراء مدرسة فكرية أثنى عليها في موطن، أو استشهد ببعض عباراتها في آخر.
إن هذا المسلك دفع بكثير من الناس إلى ترك الاستشهاد بأقوال بعض المعاصرين حذراً من أن يوصم بأنه على منهجهم أو خطهم، وهذا مظهر من مظاهر التخلف الفكري الذي نعاني منه.
تاسعاً : التصحيف وركاكة الفهم:
والتصحيف أمر معروف لدى المحدثين، فقد يقرأ الراوي الكلمة قراءةً خاطئةً، أو يسمعها سماعاً خاطئاً ، فحديث احتجر النبي صلى الله عليه وسلم موضعاً في المسجد رواه أحد الرواة احتجم النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد.
وحديث: "من صام رمضان واتبعه ستاً من شوال…" تصحف على أحد الرواة فرواه وأتبعه شيئاً من شوال.
ومن التصحيف ما يكون في الفهم، فمثلاً أبو موسى العنزي قال: صلى إلينا النبي صلى الله عليه وسلم وهو من قبيلة عنزه، وذكر الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى إلى عنزة ظناً منه أن الراوي يريد قبيلة عنزة، بينما العنزة العصا.
وأحياناً يكون السبب ركاكة الفهم، فبعض الناس كما يقال: أقول زيداً ويسمع عمراً ويكتب خالداً.
من وسائل العلاج
إن ذكر الأسباب يختصر علينا خطوات كثيرة في علاج الظاهرة، لذا سنشير هنا إشارات عاجلة وموجزة لبعض خطوات العلاج:
أولا: حسن الظن بالمسلمين:
وهو منهج شرعي أخل به كثير من المسلمين اليوم، بل نرى بعضهم يتشبه بهدي الخوارج الذين يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان، فالمجرمون والطغاة والمفسدون في الأرض يتأول لهم ويجد لهم ألف عذر وحجة، أما إخوانه فلا يمكن أن يجد لهم تأويلاً.
إن الواجب على المسلم حين يرى ما قاله أخوه يحتمل أمرين أن يحمله على أحسن محمل، فيقول –على سبيل المثال - فلان قال هذا لكن هذا القول لا يليق به فلا أتصور أنه يقصد كذا أو يريد كذا، فلعله يريد الأمر الآخر.
وحين أحسن الظن بفلان، وأكتشف بعد أنه على خلاف ظني، فما النتيجة؟ إنها التزام الأدب الشرعي وسلامة القلب للمسلمين.
ومما لايقبل بحال أن يكون مصدر الحكم على إخواننا المسلمين مانقرأه في الصحف، أو نسمعه من وسائل الإعلام السيئة، أو ينقله عنهم النمامون والوشاة. وكم جربنا على هؤلاء الكذب والتضليل.
ثانياً: الابتعاد عن تتبع عورات المسلمين:
فمن تتبع عورة إخوانه المسلمين تتبع الله عورته حتى يفضحه ولو في جوف بيته، وتتبع الزلات والعورات والأخطاء وتصيدها مظهر من مظاهر مرض القلب.
إن البشر لا بد أن يقعوا في الخطأ أياً كانوا، وحين لا نسأل إلا عن الزلات والأخطاء فلا بد أن نصل إلى مثل هذه النتائج.
ثالثاً: الأمانة والانضباط في النقل:
وذلك بأن تسعى لأن تنقل الكلام بلفظه وحروفه قدر الإمكان، ثم بعد ذلك من حقك أن تذكر فهمك، لكن يجب أن يعلم الجميع أن هذا فهمك وليس هذا ما يقصده من نقلت عنه.
ولابد أن يرتفع مستوى فهمنا فنفرق بين مايرويه الثقة من مواقف الناس، وبين فهمه لها وتفسيره؛ فالأصل في قول الثقة أن يقبل، أما فهمه واستنتاجه فليس بالضرورة كذلك.
رابعاً: الجمع بين المتفرق:
إنه من العجب أن يلزم شخص بعبارة قالها وهو قد صرح بنفيها في موضع آخر، ومن الأمثلة على ذلك مانسب إلى سيد قطب رحمه الله وهو رجل أديب والأديب يستطرد -وهنا أذكركم بما ذكرنا آنفاً من أنه لابد أن تضع في ذهنك طبيعة الشخص الذي تريد أن تقيمه- فحين قال رحمه الله في تفسير سورة الإخلاص عبارة توهم أنه يرى وحده الوجود، فجاء البعض وقال إنه يرى وحدة الوجود، بينما هو صرح في موطن آخر بانتقاد أصحاب وحدة الوجود بالاسم وانتقاد ما هم عليه.
ألا يعطيك هذا الكلام قناعة أن الرجل لا يعتقد هذا وإلا لما صرح به؟
صورة أخرى أيضاً عن الشخص نفسه ، فقد قال كلاماً حينما تحدث عن الكون وخلق الله عز وجل، ذكر فيه أن المسلم يحب كل ما في هذا الكون لأنه يرى أن هذا الكون صادر عن الله عز وجل، فجاء شخص ليس سيئ النية بل رجل فاضل فقال هذا يترتب عليه أنه يحب الشياطين ويحب الكفار كيف يكون هذا والرجل له مواقف واضحة من كلام اليهود والنصارى والكفار !!
وغيره من علماء الإسلام السابقين قد أُلزموا بلوازم لا يقولون بها أصلاً.
لهذا يجب أن ندرك شخصية الإنسان إذا أردنا أن نحكم عليه وعلى منطلقاته.
هذه خواطر عاجلة حول هذا الموضوع وأرجو أن لا أكون أنا وقعت في سوء الفهم حين تحدثت عن سوء الفهم، وألا يساء فهم ما قلته، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح وأن يجنبنا وإياكم الزلل في القول والعمل … آمين.