ننتظر تسجيلك هـنـا



( سجادة حمراء وأرائـك الهطول# حصريآت ال روآية )  
 
 

العودة   منتدى رواية عشق > ۩ القِسـم الإسلامـي ۩ > ۩ القُــرآن الكرِيــم ۩

الملاحظات

۩ القُــرآن الكرِيــم ۩ َيهتم بالقُرآن والتفسِير والقرَاءات ، والدرَاسات الحدِيثية ، ويَهتم بالأحادِيث والآثار وتخرِيجها .

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
#1  
قديم 01-03-2022
رحيل غير متواجد حالياً
United Arab Emirates     Female
قَدَاسَة طُهِّرَ | | أَوْسِمَتِي | |
 
 عضويتي » 1396
 اشراقتي ♡ » Dec 2019
 كُـنتَ هُـنا » منذ يوم مضى (04:17 AM)
آبدآعاتي » 11,225,293
 تقييمآتي » 6467666
 حاليآ في » ابو ظبي
دولتي الحبيبه » دولتي الحبيبه United Arab Emirates
جنسي  »  Female
 حالتي الآن » الحمد لله
آلعمر  » 28سنة
الحآلة آلآجتمآعية  » مرتبط ♡
تم شكري »  
شكرت »
مَزآجِي  »  1
 
افتراضي منزلة حافظ القرآن



منزلة حافظ القرآن
د. محمود بن أحمد الدوسري




إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ أمَّا بعد:
لم يترك النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم أمرًا فيه تشجيع على حِفْظِ القرآن العظيم إلاَّ سلكه، فكان يُفاضِل بين أصحابه الكرام في حفظ القرآن، فيعقد الرَّايةَ لأكثرهم حفظًا. وإذا بعث بَعْثًا جعل أميرَهم أحفَظَهم للقرآن، وإمامَهم في الصَّلاة أكثَرَهم قراءةً للقرآن، ويُقدِّم لِلَّحْد في القبر أكثرَهم أخذًا للقرآن، ورُبَّما زَوَّج الرَّجلَ على ما يحفظه في صدره من القرآن، وهذا هو محور حديثنا من خلال المطالب الآتية:
المطلب الأول: عُلُوُّ درجة الحافظ.
المطلب الثاني: الحافظ مُقَدَّمٌ في الدُّنيا والآخرة.
المطلب الثالث: فضائل متنوِّعة للحافظ.


المطلب الأول: عُلُوُّ درجة الحافظ:
حين يدخل المؤمنون الجنَّة فإنَّ حافظ القرآن له شأن آخر، حيث يعلو غيرَه في درجات الجنَّة لتعلوَ منزلته، وترتفعَ درجته في الآخرة، كما ارتفعت في الدُّنيا، ويتبيَّن ذلك جليًّا من خلال عدَّة أحاديث:
1- ارتفاع منزلة الحافظ: عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رَسُولُ الله صلّى الله عليه وسلّم: «يُقَالُ لِصَاحِبِ القُرآنِ[1]: اقْرَأ وَارْتَقِ[2]، وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ في الدُّنْيَا[3]، فَإِنَّ مَنْزِلَكَ عِنْدَ آخِرِ آيةٍ تَقْرَؤُهَا»[4]. أفاد الحديثُ التَّرغيبَ في حفظ القرآن، وتخصيصُ الصَّاحِبِ في الحديث بالحافظ عن ظهر قلب دون التَّالي من المصحف تكريمًا له وتشريفًا. قال ابن حجر الهيتمي رحمه الله: «الخبر المذكور خاصٌّ بمن يحفظه عن ظهر قلب، لا بمن يقرأ بالمصحف؛ لأنَّ مجرَّد القراءة في الخطِّ لا يختلف النَّاس فيها ولا يتفاوتون قلَّةً وكثرة، وإنما الذي يتفاوتون فيه كذلك هو الحفظ عن ظهر قلب، فلهذا تفاوتت منازلهم في الجنَّة بحسب تفاوت حفظهم، ومما يؤيِّد ذلك أيضًا أَنَّ حِفْظَ القرآن عن ظهر قلب فرض كفاية على الأمَّة، ومجرَّد القراءة في المصحف من غير حفظٍ لا يسقط بها الطلب، فليس لها كبير فضل كفضل الحفظ، فتعيَّن أنَّه - أعني الحفظَ عن ظهر قلب - هو المراد في الخبر، وهذا ظاهر من لفظ الخبر بأدنى تأمُّل، وقول الملائكة له: اقرأْ وارْقَ صريح في حفظه عن ظهر قلب كما لا يخفى»[5].

الغُنْمُ بالغُرْم: والفوز بهذه المنزلة له شروط، يوضِّحها الألبانيُّ رحمه الله بقوله: «ففيه فضيلة ظاهرة لحافظ القرآن، لكن بشرط أن يكون حِفْظُه لوجه الله تبارك وتعالى، وليس للدُّنيا والدِّرهم والدِّينار، وإلاَّ فقد قال صلّى الله عليه وسلّم: «أَكْثَرُ مُناَفِقِي أُمَّتِي قُرَّاؤُهَا»[6]»[7]. فيا لها من سعادة للحافظ المُخْلِص إذا قيل له: اقرأْ وارقَ ورتِّلْ، فإنَّ منزلتك عند آخر آية تقرؤها. تُرى إلى أين يرقى؟

جاء في (عون المعبود) عن الطِّيبي رحمه الله: «إنَّ التَّرقِّي يكون دائمًا، فكما أَنَّ قراءته في حال الاختتام استدعت الافتتاح الذي لا انقطاع له، كذلك هذه القراءة والتَّرقِّي في المنازل التي لا تتناهى، وهذه القراءة لهم كالتَّسبيح للملائكة لا تشغلهم من مستلذَّاتهم بل هي أعظم مستلذَّاتهم»[8].

تنبيه على أثر ضعيف: قال الخطَّابي رحمه الله: «جاء في الأثر[9]: أنَّ عدد آي القرآن على قدر دَرَج الجنَّة، يقال للقارئ: ارق في الدَّرج على قدر ما كنت تقرأ من آي القرآن، فَمَنِ استوفى قراءة جميع القرآن استولى[10] على أقصى درج الجنَّة، ومَنْ قرأ جزءًا منها كان رقيُّه في الدَّرج على قدر ذلك، فيكون منتهى الثَّواب عند منتهى القراءة»[11].

2- عدَّة كرامات للحافظ:عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «يَجِيءُ القُرآنُ يَوْمَ القيَامَةِ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ حَلِّه[12]، فَيُلْبَسُ تَاجَ الكَرَامَة، ثُمَّ يَقُولُ: يَارَبِّ زِدْهُ، فَيُلْبَسُ حُلَّةَ الكَرَامَةِ، ثُمَّ يَقُولُ: يَارَبِّ ارْضَ عَنْهُ، فَيُقَالُ: اقْرَأ وَارْقَ، وَيُزَادُ بِكُلِّ آيَةٍ حَسَنَةً»[13]. بَيَّنَ النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم أَنَّ القرآنَ العظيم يرفع شأن صاحبه يوم القيامة، وأنه يطلب من الله تعالى أن يُزَيِّنَ صاحبه ويحلِّيه ويلبسه تاج الكرامة ويرضى عنه عزّ وجل جزاءً وفاقًا، فكما أرضى صاحبُ القرآن كتابَ الله في الدُّنيا بقيامه به، وعمله به، وتدبُّره، والدَّعوة إليه؛ فإنَّ القرآن يسأل الله تعالى أن يرضى عن عبده الحافظ للقرآن العامل به.

ففي هذا الحديث عِدَّةُ كراماتٍ لحافظ القرآن وهي: الإنعام عليه بتاج الكرامة، وحُلَّة الكرامة، فهو يُعرف بها يوم القيامة بين الخلائق، وهي علامةٌ على كرامة لابسهما ومكانته عند الله عزّ وجل.

وهذا التَّاج وهذه الحُلَّة وسام شرف ورفعة، يتميَّز بها أصحاب القرآن عن غيرهم من المؤمنين، وجدير بمن لبس هذا التَّاج وهذه الحُلَّة أن يكون رفيع الدَّرجة عالي المقام. وإذا كان العبد في الدُّنيا يزهو ويفتخر ويمتلئ إعجابًا وخيلاء إذا ما خَلَعَ عليه سلطانٌ أو مَلِكٌ خِلْعَةً ما، فما بالك بصاحب القرآن يوم القيامة إذا أنعم عليه مولاه، خالِقُ الخلق جميعًا، ومَلِكُ النَّاس وإلهُهم بهذه النِّعمة العظيمة، والمنزلة الرَّفيعة، وأَلْبَسَهُ تاجَ الكرامة، وحُلَّةَ الكرامة على أعين الخلائق. ما بالك بالسَّعادة والغبطة والفرح الذي يملأ قلبه.

وأعظَمُ من ذلك كلِّه: رِضا اللهِ عنه، ثم يُزاد على كلِّ ذلك بكلِّ آية حَسَنة، فضلًا عن رفعِهِ درجات في الجنَّة بعدد الآيات التي يحفظها من القرآن. قال ابن الجَزَري رحمه الله - في فضائل حملة القرآن العظيم، وجزائهم عند الله تعالى:

وَبَعْدُ: فَالإِنْسَانُ لَيْسَ يَشْرُفُ
إلاَّ بِمَا يَحْفَظُهُ وَيَعْرِفُ

لِذَاكَ كَانَ حَامِلُو الْقُرْآنِ
أَشْرَافَ الأُمَّةِ أُوِلي الإِحْسَانِ

وَإِنَّهُمْ فِي النَّاسِ أَهْلُ اللهِ
وَإِنَّ رَبَّنَا بِهِمْ يُبَاهِي

وَقَالَ فِي الْقُرْآنِ عَنْهُمْ وَكَفَى
بِأَنَّهُ أَوْرَثَهُ مَنِ اصْطَفَى

وَهُوَ فِي الأُخْرَى شَافِعٌ مُشَفَّعُ
فِيهِ وقَوْلُهُ عَلَيْهِ يُسْمَعُ

يُعْطَى بِهِ المُلْكَ مَعَ الخُلْدِ إِذَا
تَوَّجَهُ تَاجَ الْكَرَامَةِ كَذَا

يَقْرَا وَيَرْقَى دَرَجَ الجِنْانِ
وَأَبَوَاهُ مِنْهُ يُكسَيَانِ

فَلْيَحْرِصِ السَّعِيدُ فِي تَحْصِيلِه
وَلاَ يَمَلَّ قَطُّ مِنْ تَرْتِيلِه[14]


فهل يعي المسلمون فضائِلَ حفظِ القرآن، ويُقْبِلون عليه بشوق، ورغبة، وَنَهَمٍ، ويُربُّون على ذلك أبناءَهم؟ ويا للأسف إنَّ أكثرهم يتسابقون على دنياهم أضعاف تسابقهم إلى آخرتهم. وقد حَذَّرنا اللهُ تعالى الدَّنيا ومتاعَها فقال تعالى: ﴿ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنْ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا ﴾ [النساء: 77]. فمن أظلم ممن زهد في كتاب ربِّه، فَأَعْرَضَ عنه حفظًا وفقهًا وتلاوة ودراسة وعملًا[15].

3- الحافظ مع السَّفرة الكرام البررة:عن عائشةَ رضي الله عنها، عن النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «مَثَلُ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرآنَ، وَهُوَ حَافِظٌ لَهُ، مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ»[16]. هؤلاء السَّفَرة الكرام اختارهم اللهُ تعالى، وشَرَّفهم بأن تكون بأيديهم الصُّحُف المطهَّرة، قال تعالى: ﴿ فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ * مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ * بِأَيْدِي سَفَرَةٍ * كِرَامٍ بَرَرَةٍ ﴾ [عبس: 13-16].

مغزى معيَّة السَّفرة:ومعنى كون الحافظ مع السَّفرة يحتمل أمرين: الأوَّل: أنَّ له في الآخرة منازلَ يكون فيها رفيقًا للملائكة السَّفَرة؛ لاتِّصافه بصفتهم مِنْ حَمْلِ كتاب الله تعالى. فَأُنزل منازلهم الرَّفيعة، وأُسكن مقاماتهم العالية من جوار الحقِّ تعالى: ﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ ﴾ [القمر: 54-55]. والثَّاني: أنه عامِلٌ بعملهم وسالِكٌ مسلكهم[[17]. «وما نفتأ نرى النَّاسَ اليوم يفتخرون حين يُنْسَبون إلى عظيم من العظماء، أو رجل يحمل الشُّهرة والاسم اللاَّمع ولو كان ذلك في ميدان الرِّياضة أو اللهو الباطل، فهنيئًا لهؤلاء ما اختاروه من هوانٍ لأنفسهم، وهنيئًا لحفظة كتاب الله حين اختاروا أن يكونوا مع السَّفَرة الكرام البررة»[18].

المطلب الثاني: الحافظ مُقَدَّمٌ في الدُّنيا والآخرة:
1- الحفَّاظ هم الأَولى بالإمارة:يرفع القرآن العظيم من شأن صاحبه في الدُّنيا؛ لحفظه إيَّاه، فصاحب القرآن هو أعلى النَّاس نسبًا، وأشرفهم منزلةً، وأرفعهم قدرًا، وهكذا يجب أن يُعامل، وهذا ما كان عليه السَّلف الصَّالح من إكرامٍ لصاحب القرآن، واعترافٍ بفضله، وتقديمٍ على غيره؛ حتَّى في منصب الإمارة، وإن كان مولى من مواليهم، والأمثلة على ذلك كثيرة؛ فممَّنْ رفعهم الله تعالى بالقرآن عبد الرَّحمن بن أبزى الخزاعي رضي الله عنه، وهو من أواخر صغار الصَّحابة، كان مولى لنافع بن عبد الحارث، وكان في عهد عمر رجلًا، وكان على خراسان لعليِّ بنِ أبي طالب رضي الله عنه[19].

فعَنْ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ؛ أَنَّ نَافِعَ بْنَ الحَارِثِ لَقِيَ عُمَرَ بِعُسْفَانَ. وَكَانَ عُمَرُ يَسْتَعْمِلُهُ عَلَى مَكَّةَ. فَقَالَ: مَنِ اسْتَعْمَلْتَ عَلَى أَهْلِ الوَادِي؟ فَقَالَ: ابْنَ أَبْزَى. قَالَ: وَمَنِ ابْنُ أَبْزَى؟ قَالَ: مَوْلًى مِنْ مَوَالِينَا. قَالَ: فَاسْتَخْلَفْتَ عَلَيْهِمْ مَوْلًى؟ قَالَ: إنَّهُ قَارِئٌ لِكِتَابِ اللهِ عزّ وجل. وَإِنَّهُ عَالِمٌ بِالفَرَائِضِ. قَالَ عُمَرُ: أَمَا إِنَّ نَبِيَّكُمْ صلّى الله عليه وسلّم قَدْ قَالَ: «إنَّ اللهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْكِتَابِ أقْوَامًا وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ»[20].

إِنَّ قارئ القرآن، العالِمَ بأحكامه، رفيعُ القدر، عظيمُ المنزلة، يفوق غيرَه وإن كان أشرفَ منه نسبًا، أو أعظم جاهًا، فهذا مولى مِنَ الموالي لا جاه له، ولا مال، ولا حسب، ولا مكانة عُليا في المجتمع، وربما كان في السُّلَّم الاجتماعي دون غيره بمقاييس أهل الدُّنيا، ولكنَّه بمقياس القرآن شيء آخر، وله مقام آخر. فقد رَفَعَه القرآن من مقام المولى إلى مقام الولاية، وَعِلْمُهُ بالقرآن أَهَّلَهُ لأن يحكم ويقضي بين الناس، وتكون له الكلمةُ النَّافذة، والرَّأي المسموع في المجتمع.


وها هو ذا عُمَرُ رضي الله عنه يعرف لهذا العالِمِ بالقرآن والحافظِ له مكانَتَه وفضلَه، فإذا به يُقِرُّ نافعًا على اختياره، ويذكر قولَه صلّى الله عليه وسلّم: «إِنَّ اللهَ يَرْفَعُ بِهَذا الكِتَابِ أَقْوَامًا» الحديث[21].

وليس اعتراف عمر رضي الله عنه هو مثار العَجَب، فإنَّ عمر رضي الله عنه أولى النَّاس بأن يعترف بفضل صاحب القرآن، ولكنَّ العَجَب كلَّ العجب ممَّنْ ولاَّه على مكَّة، وفي هذا إشارة إلى ما وصل إليه المجتمع المسلم من تحقيق الكرامة الإنسانيَّة على وجهها الصَّحيح، إذْ لا فضل لعربيٍّ على أعجمي، ولا لأبيض على أسود إلاَّ بالتَّقوى.

2- الحُفَّاظ هم الأَولى بالإمامة:عن أبي مسعودٍ الأنصاريِّ رضي الله عنه أن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللهِ»[22]. وعن أبي سعيد الخُدريِّ رضي الله عنه أن النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا كَانُوا ثَلاَثَةً فَلْيَؤُمَّهُمْ أَحَدُهُمْ، وأَحَقُّهُمْ بِالإِمَامَةِ أَقْرَؤُهُمْ»[23]. وهذا مقام آخر من مقامات الأفضلية للحافظ، بأن قُدِّمَ على كُلِّ مَنْ حضر في المسجد للصَّلاة.

فالأكثر قرآنًا هو المُقَدَّمُ في إمامة الصَّلاة وإنْ كان مولى: عن ابنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قال: «لَمَّا قَدِمَ المُهَاجِرُونَ الأَوَّلُونَ العَصْبَةَ - مَوْضِعٌ بِقُبَاءَ - قَبْلَ مَقْدَمِ رَسُولِ الله صلّى الله عليه وسلّم، كَانَ يَؤُمُّهُمْ سَالِمٌ، مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، وَكَانَ أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًَا»[24]. زاد الهيثم بن خالد الجهني: «وَفِيهم عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ وأبو سَلَمَةَ بنُ عَبْدِ الأَسَدِ»[25]. قال ابن حجر رحمه الله: «ووجه الدَّلالة منه إجماع كبار الصَّحابة القرشيين على تقديم سالمٍ عليهم، وكان سالمٌ المذكور مولى امرأة من الأنصار فأعتقته، وكأنَّ إمامتَه بهم كانت قبل أن يُعتق، وإنما قيل له مولى أبي حذيفة؛ لأنَّه لازَمَ أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة بعد أن أُعتق فتبنَّاه، فلمَّا نُهُوا عن ذلك قيل له مولاه. وقوله: (وَكَانَ أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًَا) إشارة إلى سبب تقديمهم له مع كونهم أشرفَ منه»[26].

والأكثر قرآنًا هو المُقَدَّمُ في إمامة الصَّلاة وإنْ كان صبيًّا مميِّزًا:عن عَمْرِو بْنِ سَلِمَةَ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا كانَتْ وَقْعَةُ أَهْلِ الفَتْحِ، بَادَرَ كُلُّ قَوْمٍ بإِسْلاَمِهِمْ، وَبَدَرَ أَبِي قَوْمِي بإسْلاَمِهِمْ، فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ: جِئْتُكُمْ واللهِ مِنْ عِنْدِ النَّبِيِّ صلّى الله عليه وسلّم حَقًّا، فَقَالَ: «صَلُّوا صَلاَةَ كَذَا في حين كَذَا، وَصَلُّوا صَلاَةَ كَذَا في حين كَذَا، فَإذَا حَضَرتِ الصَّلاَةُ فَلْيُؤَذِّنْ أَحَدُكُمْ، وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْثَرُكُمْ قُرآنًا». فَنَظَرُوا فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَكْثَرَ قُرْآنًا مِنِّي، لِمَا كُنْتُ أَتَلَقَّى مِنَ الرُّكْبَانِ، فَقَدَّمُوني بَيْنَ أيْدِيهِمْ، وَأَنَا ابْنُ سِتٍّ أوْ سَبْعِ سِنينَ[27]. قال ابن حجر رحمه الله: «وفي الحديث حُجَّةٌ للشَّافعيَّة في إمامة الصَّبيِّ المُميِّز في الفريضة، وهي خلافية مشهورة ولم يُنْصِفْ مَنْ قال إنهم فعلوا ذلك باجتهادهم، ولم يَطَّلِع النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم على ذلك؛ لأنَّها شهادة نفي، ولأنَّ زمن الوحي لا يقع التَّقرير فيه على ما لا يجوز»[28].

3- الحفَّاظ هم أصحاب الشُّورى: عن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: «كَانَ القُرَّاءُ أَصْحَابَ مَجْلِسِ عُمَرَ وَمُشَاوَرَتِهِ، كُهُولًا كانُوا أَوْ شُبَّانًا»[29].

4- الحفَّاظ هم المقدَّمون في البَرْزخ:وكما أعلى اللهُ تعالى شأنَ حافظِ القرآن في الدُّنيا فقد أعلى شأنه في الآخرة، فهو أَولى النَّاس بالتَّقديم حتَّى بعد موته: عَنْ جَابِرِ بنِ عبدِ الله رضي الله عنهما قال: كان النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم يَجْمَعُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ، ثُمَّ يَقُولُ: «أَيُّهُمْ أَكْثَرُ أَخْذًا لِلْقُرآنِ». فإذا أُشِيرَ لهُ إلَى أَحَدِهِما قَدَّمَهُ في اللَّحْدِ، فقال: «أَنَا شَهِيدٌ عَلَى هَؤُلاَءِ يَوْمَ القِيَامَةِ»[30]. قال ابن حجر رحمه الله: «وفيه فضيلةٌ ظاهرة لقارئ القرآن، وَيُلحق به أهل الفقه والزُّهد وسائر وجوه الفَضْل»[31].

ومع أنَّ مقام الشَّهادة فوق كلِّ مقام، ومع أنَّ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم شهد لقتلى أُحد عند الله تعالى بالصِّدق فيما عاهدوا عليه، وشهد لهم بالجنَّة، إلاَّ أنَّه في غمرة هذه الفضائل للشُّهداء، لم يَنْسَ صلّى الله عليه وسلّم الشَّهيدَ الأكثر حفظًا للقرآن في تقديمه في اللَّحد.

فصاحب القرآن، والأكثر أخذًا للقرآن، له الأفضلية حتَّى بين الشُّهداء، لعظمة القرآن الذي في صدره، وما تقديم الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم له في اللَّحد إِلاَّ رَمْزٌ لتقدُّمه على مَنْ سواه من الشُّهداء في الأجر والثَّواب، وفي المكانة والجنَّة.

وإذا كان التَّفاضل بالقرآن بين الشُّهداء، فالتَّفاضل به بين الأحياء ولا شَكَّ أكبر وأعظم: ﴿ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسْ الْمُتَنَافِسُونَ ﴾ [المطففين: 26]. فلْيتأمَّلِ المسلم هذا الأمرَ جيِّدًا، ويقف عنده طويلًا، وَمِنْ ثَمَّ يقوده للعناية بالحفظ والإكثار منه والصَّبر عليه[32].
يتبع



 توقيع : رحيل

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ

رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
منزلة, القرآن, دافع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
فصة حافظ القرآن مقدم في الدنيا والآخرة رحيل ۩ قِصص القُرآن الكرِيم ۩ 39 12-26-2024 08:35 PM
فصة حافظ القرآن له الدرجات العلا في الجنة رحيل ۩ قِصص القُرآن الكرِيم ۩ 28 12-26-2024 08:34 PM
منزلة السنة بجانب القرآن بنت الشام ۩ القُــرآن الكرِيــم ۩ 25 11-30-2024 02:42 PM
منزلة حامل القرآن الاقشر ۩ القُــرآن الكرِيــم ۩ 16 09-10-2024 06:50 PM
ما هى منزلة حافظ القرآن الكريم نور القمر ۩ إسلامِي هُو سر حَياتي ۩ 15 09-22-2022 08:54 AM


الساعة الآن 07:54 PM


Powered by vBulletin Hosting By R-ESHQ
HêĽм √ 3.1 BY: ! RESHQ ! © 2010
new notificatio by R-ESHQ
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2025 DragonByte Technologies Ltd.
تنويه : المشاركات المطروحة تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس بالضرورة تمثل رأي أدارة الموقع