عن أبي إدريس الخولاني قال : دخلت مسجد دمشق فإذا فتى براق الثنايا ( يلمع بياضا في مقدمة أسنانه ) إذ الناس معه إذا اختلفوا في شيء أسندوه إليه ، وصدورا عن قوله ، فسألت عنه ، فقيل :
هذا معاذ بن جبل – رضي الله عنه – فلما كان من الغد هجّرت ( بكّرت ) فوجدته قد سبقني بالتهجير ، ووجدته يصلي فانتظرته حتى قضى صلاته ، ثم جئته من قبل وجهه فسلمت عليه ثم قلت :
والله إني لأحبك ، فقال: ألله ؟ فقلت الله ، فقال : ألله ؟ فقلت : الله ، فقال : ألله ؟ فقلت : الله ، فأخذ بحبوة ردائي، فجبذني إليه ( ملتقى طرفيه من الصدر ) فقال :
أبشر ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ” قال تبارك وتعالى : وجبت محبتي للمتحابين فيّ ، والمتجالسين فيّ ، والمتزاورين فيّ ، والمتباذلين فيّ ” ( حديث صحيح رواه مالك في الموطأ ) .
***
سأل الفاروق عمر – رضي الله عنه – عن رجل كان قد آخاه ثم خرج إلى الشام ، فقالوا له : ذاك أخو الشيطان ، إنه قارف الكبائر حتى وقع في الخمر ، فكتب إليه عمر : ” من عمر بن الخطاب إلى فلان ، سلام عليك ، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو إليه المصير ” ، ثم قال لأصحابه :
ادعوا لأخيكم أن يقبل بقلبه ويتوب الله عليه ، فلما بلغ الرجل كتاب عمر – رضي الله عنه – جعل يقرؤه ويردده ، ويقول : غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ، قد حذرني عقوبته ووعدني أن يغفر لي ، فلم يزل يرددها على نفسه ، حتى بكى ، ثم نزع ( أي تاب ) فأحسن النزع .
فلما بلغ عمر خبره قال : هكذا فاصنعوا ، إذا رأيتم أخا لكم زل زلة فسددوه ووثقوه ( أي افتحوا له باب الأمل والثقة ) وادعوا الله له أن يتوب عليه ولا تكونوا أعوانا للشيطان عليه .