♦ الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي: ﴿ سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ... ﴾ الآية، أخبر الله تعالى عن تنازعٍ يجري في عدَّة أصحاب الكهف، فجرى ذلك بالمدينة حين قدم وفد نصارى نجران، فجرى ذكر أصحاب الكهف، فقالت اليعقوبيَّة منهم: كانوا ثلاثةً رابعُهم كلبهم، وقالت النِّسطورية: كانوا خمسةً سادسهم كلبهم، وقال المسلمون: كانوا سبعةً وثامنهم كلبهم؛ فقال الله تعالى: ﴿ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ ﴾ من النَّاس، قال ابن عباس: أنا في ذلك القليل، ثمَّ ذكرهم بأسمائهم، فذكر سبعة. ﴿ فَلَا تُمَارِ ﴾ فلا تجادل في أصحاب الكهف ﴿ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا ﴾ بما أنزل عليك؛ أَيْ: أَفْتِ في قصَّتهم بالظَّاهر الذي أنزل إليك، وقل: لا يعلمهم إلَّا قليل كما أنزل الله: ﴿ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ ﴾ ﴿ وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ ﴾ في أصحاب الكهف ﴿ مِنْهُمْ ﴾ من أهل الكتاب ﴿ أَحَدًا ﴾.
♦ تفسير البغوي "معالم التنزيل": ﴿ سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ ﴾ رُوي أن السيد والعاقب وأصحابهما من نصارى أهل نجران كانوا عند النبي صلى الله عليه وسلم، فجرى ذكر أصحاب الكهف، فقال السيد - وكان يعقوبيًّا -: كانوا ثلاثة رابعهم كلبهم، وقال العاقب - وكان نسطوريًّا -: كانوا خمسة سادسهم كلبهم، وقال المسلمون: كانوا سبعة ثامنهم كلبهم، فحقَّق الله قول المسلمين بعدما حكى قول النصارى، فقال: ﴿ سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ ﴾؛ أي: ظنًّا وحدسًا من غير يقين، ولم يقل هذا في حق السبعة، فقال: ﴿ وَيَقُولُونَ ﴾ يعني: المسلمين ﴿ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ ﴾ اختلفوا في الواو في قوله: ﴿ وَثَامِنُهُمْ ﴾ قيل: تركها وذكرها سواء، وقيل: هي واو الحكم والتحقيق كأنه حكى اختلافهم، وتم الكلام عند قوله: ﴿ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ ﴾، ثم حقَّق هذا القول بقوله: ﴿ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ ﴾ والثامن لا يكون إلا بعد السابع، وقيل: هذه واو الثمانية، وذلك أن العرب تعدُّ فتقول: واحد، اثنان، ثلاثة، أربعة، خمسة، ستة، سبعة، وثمانية؛ لأن العقد عندهم سبعة كما هو اليوم عندنا عشرة، نظيره قوله تعالى: ﴿ التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ ﴾ [التوبة: 112] إلى قوله: ﴿ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ ﴾ [التوبة: 112]، وقال في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم: ﴿ عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا ﴾ [التحريم: 5].
﴿ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ﴾؛ أي: بعددهم ﴿ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ ﴾؛ أي: إلا قليل من الناس؛ قال ابن عباس: أنا من القليل، كانوا سبعة.
وقال محمد بن إسحاق: كانوا ثمانية، قرأ: ﴿ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ ﴾؛ أي: حافظهم، والصحيح هو الأول.
ورُوي عن ابن عباس أنه قال: هم: "مكسلمينا" و"يمليخا" و"مرطونس" و"بينونس" و"سارينونس" و"ذو نوانس" و"كشفيططنونس" وهو الراعي والكلب قطمير.
﴿ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ ﴾؛ أي: لا تجادل، ولا تقل في عددهم وشأنهم ﴿ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا ﴾ إلا بظاهر ما قصصنا عليك يقول: حسبك ما قصصت عليك فلا تزد عليه وقِفْ عنده ﴿ وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ ﴾ من أهل الكتاب ﴿ أَحَدًا ﴾؛ أي: لا ترجع إلى قولهم بعد أن أخبرناك.