قصص_ مسجد ضرار
عندما هاجر رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلى المدينة، ووصل إلى حومة المدينة، إلى منطقة تدعى « قبا » وذلك في اليوم الثّاني عشر من شهر ربيع الأوّل، السّنة الحادية عشر للبعثة، فنزل بالقرب من قبيلة بني عمرو بن عوف، وانتظر قدوم أمير المؤمنين عليّ (عليه السّلام) مع النّساء، وقد طال الأمر خمسة عشر يومًا، وكان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قبل قدومه إلى المدينة قد ابتاع أرضًا من يتيمَيْن بضعف ثمنها، وذلك من أجل إقامة مسجد عليها، وبذلك تمَّ التّخطيط لإقامة أوّل مسجد على وجه المعمورة، ثمّ أنّ بني عمرو بن عوف اتّخذوا مسجد قباء وبعثوا إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أن يأتيهم فأتاهم وصلّى فيه، فحسدهم جماعة من المنافقين من بني غنم بن عوف، فقالوا: نبني مسجدًا فنصلّي فيه ولا نحضر جماعة محمّد، وكانوا اثنَيْ عشر رجلاً وقيل خمسة عشر رجلاً منهم ثعلبة بن حاطب ومعتب بن قشير ونبتل بن الحرث فبنوا مسجدًا إلى جنب مسجد قباء، فلمّا فرغوا منه أتوا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وهو يتجهّز إلى تبوك، فقالوا: يا رسول الله إنّا قد بنينا مسجدًا لذي العلّة والحاجة واللّيلة المطيرة واللّيلة الشّاتية وإنّا نحبّ أن تأتينا فتصلّي فيه لنا وتدعو بالبركة، فقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إنّي على جناح سفر ولو قدمنا لأتيناكم إن شاء الله فصلّينا لكم فيه، فلمّا انصرف رسول الله من تبوك نزلت عليه الآية في شأن المسجد. ﴿ وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَاداً لِّمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (107) لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108) أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (109) لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْاْ رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [213] .
وبذلك كشف المولى تعالى السّتار عن نيّة هؤلاء الجماعة والهدف من بناء مسجدهم، وسوء نيّتهم، ونهى الرّسول عن الإقامة فيه للصّلاة، ثمّ بعد ذلك أمر رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أن يحرق المسجد ويخرب ويزال كلّ أثر له. وكانوا قد أرصدوا ذلك المسجد واتّخذوه وأعدّوا لأبي عامر الرّاهب ـ وهو الّذي حارب الله ورسوله من قبل ـ وكان من قصّته أنَّه كان قد ترهّب في الجاهليّة ولبس المسوح، فلمّا قدم النّبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) المدينة حسده وحزَّب عليه الأحزاب، ثمّ هرب بعد فتح مكّة إلى الطّائف، فلمّا أسلم أهل الطّائف لحق بالشّام وخرج إلى الرّوم وتنصّر.
وسمّى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أبا عامر الفاسق وكان قد أرسل إلى المنافقين أن استعدّوا وابنوا مسجدًا فإنّي أذهب إلى قيصر وآتي من عنده بجنود وأخرج محمّدًا من المدينة، فكان هؤلاء المنافقون يتوقّعون أن يجيئهم أبو عامر فمات قبل أن يبلغ ملك الرّوم [214] .
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|