بل كذبوا بالحق لما جاءهم فهم في : الآية رقم 5 من سورة ق
تفسير الآية
ثم كشف- سبحانه- عن حقيقة أحوالهم، وعن الأسباب التي دفعتهم إلى إيثار الباطل على الحق فقال: بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ، فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ.
أى: إن هؤلاء الكافرين لم يكتفوا بإنكارهم للبعث.
.
بل جاءوا بما هو أشنع وأفظع منه، وهو تكذيبهم لنبوتك- أيها الرسول الكريم- تلك النبوة الثابتة بالمعجزات الناصعة، ومن مظاهر هذا التكذيب أنهم تارة يقولون عنك ساحر، وتارة يقولون عنك كاهن وتارة يصفونك بالجنون.
فهم في أمر مريج، أى: مضطرب مختلط.
بحيث لا يستقرون على حال.
يقال: مرج الأمر- بزنة طرب- إذا اختلط وتزعزع، وفقد الثبات والاستقرار والصلاح.
.
ومنه قولهم:مرجت أمانات الناس، إذا فسدت وعمتهم الخيانة، ومرج الخاتم في إصبع فلان، إذا تخلخل واضطرب لشدة هزال صاحبه.
وفي هذا الرد عليهم تصوير بديع معجز، حيث بين- سبحانه- بأنه عليم بما تأكله الأرض من أجسادهم المغيبة فيها، وبتناقص هذه الأجساد رويدا رويدا، وأن كل أحوالهم مسجلة في كتاب حفيظ، وأنهم عند ما فارقوا الحق الثابت وكذبوه، مادت الأرض من تحتهم واضطربت، واختلطت عليهم الأمور والتبست، فصاروا يلقون التهم جزافا دون أن يستقروا على رأى، أو يجتمعوا على كلمة.
.
» تفسير القرطبي: مضمون الآية
قوله تعالى : بل كذبوا بالحق لما جاءهم أي : القرآن في قول الجميع ; حكاه الماوردي .
وقال الثعلبي : بالحق : القرآن .
وقيل : الإسلام .
وقيل : محمد صلى الله عليه وسلم .
فهم في أمر مريج أي : مختلط .
يقولون مرة ساحر ومرة شاعر ومرة كاهن ; قاله الضحاك وابن زيد .
وقال قتادة : مختلف .
الحسن : ملتبس ; والمعنى متقارب .
وقال أبو هريرة : فاسد ، ومنه مرجت أمانات الناس أي : فسدت ; ومرج الدين والأمر اختلط ; قال أبو دؤاد :مرج الدين فأعددت له مشرف الحارك محبوك الكتدوقال ابن عباس : المريج الأمر المنكر .
وقال عنه عمران بن أبي عطاء : مريج مختلط .
وأنشد :فجالت فالتمست به حشاها فخر كأنه خوط مريجالخوط الغصن .
وقال عنه العوفي : في أمر ضلالة وهو قولهم : ساحر شاعر مجنون كاهن .
وقيل : متغير .
وأصل المرج الاضطراب والقلق ; يقال : مرج أمر الناس ومرج أمر الدين ومرج الخاتم في إصبعي إذا قلق من الهزال .
وفي الحديث : كيف بك يا عبد الله إذا كنت في قوم قد مرجت عهودهم وأماناتهم واختلفوا فكانوا هكذا وهكذا وشبك بين أصابعه .
أخرجه أبو داود وقد ذكرناه في كتاب " التذكرة " .