من أبدع القصص هو القصص القرآني.. فيه العبرة والعظة والإثارة والمتعة أيضًا.. سنقدم لكم كل يوم من أيام شهر رمضان المعظم قصة من قصص القرآن الكريم.. (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَٰذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ) صدق الله العظيم .. وقصة اليوم هي قصة سبأ..
قال تعالي: (لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آَيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ). من هو سبأ؟
قال علماء النسب منهم محمد بن إسحاق: اسم سبأ عبد شمس بن يشجب بن يعرب بن قحطان، قالوا: وكان أول من سبى من العرب فسمي سبأ لذلك، وكان يقال له: الرائش، لأنه كان يعطي الناس الأموال من متاعه.
قال السهيلي: ويقال إنه أول من تتوج. وذكر بعضهم أنه كان مسلمًا، وكان له شعر بشر فيه برسول الله ﷺ:
سيملك بعدنا ملكا عظيما * نبي لا يرخص في الحرام
ويملك بعده منهم ملوك * يدينون العباد بغير ذام
ويملك بعدهم منا ما ملوك * يصير الملك فينا باقتسام
ويملك بعد قحطان نبي * تقي جبينه خير الأنام
يسمى أحمدًا يا ليت أني * أعمر بعد مبعثه بعام
فأعضده وأحبوه بنصري * بكل مدجج وبكل رام
متى يظهر فكونوا ناصريه * ومن يلقاه يبلغه سلامي
حكاه ابن دحية في كتابه (التنوير) في مولد البشير النذير.
وقال الإمام أحمد: حدثنا أبوعبدالرحمن، حدثنا ابن لهيعة، عن عبد الله بن دعلة، سمعت عبد الله بن العباس يقول:
إن رجلا سأل النبي ﷺ عن سبأ ما هو: أرجل أم امرأة أم أرض؟
قال "صلى الله عليه وسلم": «بل هو رجل، ولد عشرة فسكن اليمن منهم ستة، وبالشام منهم أربعة، فأما اليمانيون: فمذحج، وكندة، والأزد، والأشعريون، وأنمار، وحمير، وأما الشامية: فلخم، وجذام وعاملة، وغسان ».
وسكن قوم سبأ بأرض اليمن، أنعم الله عليهم من النعم الظاهرة والباطنه، وأصلح البال والحال، وبارك لهم في الأرض والمال، ووضع عنهم الأوزار والأحمال وجعل لهم الهواء نقيًا، ونزلت عليهم بركة من السماء، قال تعالي : "لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آَيَةٌ" أي علامة دالة على كمال قدرة المولي عز وجل وبديع صنعه، قال الإمام عبدالرحمن بن زيد: إن الآية التي كانت لأهل سبأ في مساكنهم أنهم لم يروا فيها بعوضة ولا ذبابًا ولا برغوثًا ولا قملا ولا عقربًا ولا حية ولا غير ذلك، وإذا جاءهم الركب في ثيابهم القمل ماتت عند رؤيتهم لبيوتهم.
"جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ" كان الماء يأتيهم بين جبلين وتجتمع إليه أيضًا السيول، فعمد ملوكهم الأوائل فبنو سدًا عظيمًا محكمًا (هوسد مأرب)، حتي ارتفع الماء، وحكم على حفات تلك الجبلين فغرسوا الأشجار، واستغلوا الثمار في غاية ما يكون من الكثرة والحسن، فكانت تثمر أجود وأنضج وأحلى الثمار بقدرة العزيز الغفار.
قال قتادة: إن المرأة كانت تمشي تحت الأشجار وعلى رأسها مكتمل أوزنبيل؛ وهو الذي تخترف فيه الثمار فيتساقط من الأشجار في ذلك ما يملؤه من غير أن يحتاج كلفة ولا قطاف؛ لكثرته ونضجه واستوائه.
قال الشوكاني: هاتان الجنتان كانتا عن يمين واديهم وشماله قد أحاطتا به من جهتيه وقيل: عن يمين من أتاهما وشماله، وكانت مساكنهم في الوادي، وكل طائفة من تلك الجماعتين في تقاربها وتضامها كأنها جنة واحدة. ماذا طلب الله منهم؟
قال تعالي: "كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ َاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ"
كانوا في رغد من العيش وسلامة الحال ورفاهيته، فأمروا بالصبر على العافية والشكرعلى النعمة، هذا أمر سهل يسير، ولكنهم أعرضوا عن الوفاق وكفروا بالنعمة وضيعوا الشكر، فبدلوا وبدل بهم الحال، قال بعض الصالحين: من لم يشكر الله على نعمه فقد تعرض لزوالها، ومن شكره عليها فقد قيدها بعقالها "فَأَعْرَضُوا" أي عن الشكر، وكفروا بالمنعم سبحانه، وكذبوا أنبياءه. عقاب الجحود بالنعم:
قال تعالي: "فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ" (سبأ 16)، أرسل الله عليهم سيل العرم
(سيل شديد) لا يطاق، فشق السد وهدمه، وقيل: فلم تغن شيئًا إذا حم القدر، ولم ينفع الحذر كلا لا وزر، فلما تحكم في أصله الفساد سقط وأنهار، فسلك الماء القرار، فقطعت تلك الجدول والأنهار، وانقطعت تلك الثمار، وحادت تلك الزروع والأشجار وتبدلوا بعدها برديء الأشجار والثمار، كما قال العزيز الجبار: (وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ) "سبأ 16"
كذلك من الناس من يكون في رغد من العيش، واتصال من التوفيق، وطرب من القلب، ومساعدة من الوقت، فيرتكب زلة، أويسيء أدبًا، أو يتبع شهوة، ولا يعرف قدر ما هو به من النعم، فيتغير عليه الحال، فلا وقت ولاحال، ولا طرب ولا وصال، قال ابن عباس رضى الله عنه: خمط: هو ثمر مُر لا يأكل، وأثل: هو شجر لا يثمر فيه، (وشيء من سدر قليل)؛ أي: قلة من شجر النبق، وهو ثمر قليل في شوك كثير. وما هو السبب؟
يقول الله تعالي: (ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ)"سبأ 17"
أي: نعاقب بهذه العقوبة الشديدة من كفر بنا، وكذب رُسلنا وخالف أمرنا، وانتهك محارمنا، فالجزاء من جنس العمل، ثم فرقهم الله تعالى في البلاد، وأذلهم بين العباد، وشردهم في كل وادٍ، قال الله تعالى: (فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ)
وفرقناهم تفريقًا، حتى اتخذهم الناس مثلًا مضروبًا، وفي قصصهم آيات لكل صبار على العاقبة شكور على النعمة.ً
لكم خالص تحياتى وتقديرى
الدكتــور علــى