البركة
الحمد لله الذي ينشر رحمته على عباده الصالحين، ويطمئنهم بالإيمان، والصلاة والسلام
على محمد بن عبدالله، وعلى آله وصحبه والتابعين بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فالبركة جند من جند الله يرسله إلى من شاء من خلقه، وهبة إلهية على المخلوقين، فمتى حلَّت
في شيء شرف وكرم وعظم ونال قبولًا.
(مفهوم البركة):
البركة لغةً: النماء والزيادة.
واصطلاحًا: هي ثبوت الخير النافع المؤثِّر قلَّ أو كثر.
(أنواع البركة):
البركة نوعان: فطري ومكتسب.
1- الفطري: هو البركة التي تكون مخلوقة مع الخلق؛ كما قال تعالى على لسان عيسى عليه السلام
﴿ وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا ﴾ [مريم: 31].
2- المكتسب: هو البركة التي تنال بسبب من الأسباب؛ كالدعاء في الصلاة الإبراهيمية، عن أبي مسعود الأنصاري قال:
أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجلس معنا في مجلس سعد بن عبادة، فقال له بشير بن سعد- وهو أبو النعمان بن بشير-:
أمرنا الله أن نصلِّي عليك يا رسول الله، فكيف نصلِّي عليك؟ قال: فصمت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتَّى تمنينا أنه لم يسأله
ثمّ قال: ((قولوا اللَّهُمَّ صلِّ على محمَّد وعلى آل محمَّد كما صلَّيت على إبراهيم، وبارك على محمَّد وعلى آل محمَّد
كما باركت على إبراهيم في العالمين إنَّك حميد مجيد والسَّلام كما قد عَلِمْتُم))؛ رواه مسلم.
(أسباب البركة):
من أسباب حصول البركة:
1- رضى الخالق عن المخلوق ومحبته له واختياره من نفسه دون سؤال كالأنبياء والرسل.
2- طاعة أوامر الله سبحانه وتعالى.
3- خدمة الناس لوجه الله.
4- المداومة على ذكر الله وكثرة الدعاء.
5- بر الوالدين.
7- الإنفاق في سبيل الله.
(أماكن البركة):
وقد وضع الله البركة في كثير من الأمور؛ كأسماء الله سبحانه وتعالى، والأشخاص والأعمار والأوقات والأموال
والأسر والأقوات والبيوت والبقع والفواكه والمياه والأقوال والأفعال والأمكنة والأزمنة وأخرى.
1- فأسماء الله سبحانه وتعالى كلُّها مباركة؛ قال الله تعالى: ﴿ تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ﴾ [الرحمن: 78].
2- البركة في رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد بارك الله في أقواله وأفعاله ومعاملاته وحركاته وفي أمره كلِّه.
3- البركة في بعض الكتب كالقرآن الكريم؛ قال الله تعالى: ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [ص: 29].
4- البركة في الذرية؛ قال الله تعالى على لسان الملائكة: ﴿ قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ﴾ [هود: 73].
5- البركة في البقعة والقوم والقوت؛ قال تعالى: ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ
الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الإسراء: 1].
عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((اللهم بارك لهم في مكيالهم
وبارك لهم في صاعهم ومُدِّهم)) يعني أهل المدينة؛ رواه البخاري ومسلم.
عن أنس رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((اللهم اجعل بالمدينة ضعفي ما جعلت بمكة من البركة))؛ رواه البخاري ومسلم.
عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((اللهم حَبِّبْ إلينا المدينة كما حببت
إلينا مكة أو أشدَّ، وانقل حُمَّاها إلى الجُحْفة، اللهم بارك لنا في مُدِّنا وصاعنا))؛ رواه البخاري ومسلم.
6- البركة في ماء السماء وزمزم؛ قال تعالى: ﴿ وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ ﴾ [ق: 9].
7- البركة في البكور؛ عن صَخْر بن وَدَاعَة الغامدي رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: ((اللهم بارك لأمتي في بُكُورها))؛ رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وأحمد.
8- البركة في العلوم والأموال.
(أسباب زوال البركة):
البركة تزول بالمعصية والتكبُّر وكفران النعم والرياء والظلم.
الخاتمة:
البركة ثمينة، فمن رزقه الله بركة فليُقيِّدها بالشكر وإلا رحَلَتْ.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يبارك لنا فينا وفي علومنا وذرياتنا وأموالنا ومعاشنا وحركاتنا
إنه ولي ذلك والقادر عليه، وهو السميع المجيب.
_ عبد الإله جاورا أبو الخير.
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|