البعد النفسي للجمهور ومهارات الترويح والترفيه د. نزار نبيل أبو منشار
البعد النفسي للجمهور:
الإنسان عموماً والمتحدث اللبق على وجه التحديد لا بد أن يكون متفهماً للبعد النفسي للجمهور الذي يتابعه.
ومن خلال فهم المتحدث لطبيعة الجمهور وردود الفعل الخاصة به، المتحدث عليه أن يعي تفاعل الجمهور وتقاعسه، ورغباته وتوجهاته، وما يحبه، وما يقربه من الملل، حتى يقوم بالتركيز على ما يفيده ويهمه ويبتعد عما يصيبه بالملل..
فإذا شعر المتحدث بملل الجمهور وعدم تفاعله مع المتحدث لسبب أو لآخر، عليه أن يبادر فورًا لابتكار أسلوب تغييري مباشر، كطرح طرفة بسيطة ومباغتة، أو تغيير مكان جلوس الآخرين أو تغيير نمط الخطاب من الإلقاء إلى طرح الأسئلة التفاعلية مع الجمهور لشد انتباههم.
مهارات الترويح والترفيه:
قد يلجأ الإنسان إلى مهارة الترفيه عن الجمهور بأسلوب يراه مناسبًا في ظل ظروف معينة، ربما يلجأ لها مضطراً وربما يلجأ لها من باب الجذب المقصود للجمهور.
في حال ملل الجمهور، أو وجود كلمات متعددة من قبل أشخاص وهيئات في فعالية واحدة، على المتحدث اللبق أن يلجأ لفرض ذاته وأسر جمهوره من خلال قوته وسعة ثقافته، وبدل أن يطلب منهم الاستماع اليه، أو يعتذر لهم عن الإطالة أو نحو ذلك من إشكاليات المتحدثين يمكن أن يلجأ لأسلوب الفكاهة ليرطب الأجواء ويزيد من حماس الجمهور للاستماع إليه، وهو أمر لا بد أن يتم في زمانه وبأسلوب يتفق مع الظرف والمكان والمناسبة وشخص المتحدث.
فطرح طرفة معينة، أو استجلاب مثل شعبي فكاهي له دلالة حقيقية في الترويح عن الناس. والذكاء هنا أن تطرح المثل أو الطرفة لتكون بدلالة معينة.
مثلا؛ كلنا يعرف قصص جُحا، ولكن لو قام متحدث سياسي بطرح تصوره لرأي خصومه بأنهم مثل جحا في هذا الموقف، ستتجدد الرغبة الضمنية لدى الجمهور بالاستماع للإنسان وانشدادهم إلى طرحه حتى ولو خالفوه الرأي.
هنا، أسلوب القصص القصيرة والرمزية له دلالاته وله أثره المباشر.
مثلا؛ أنت تريد أن يبتعد الجمهور عن فكرة الارتهان للغرب، أو الاعتماد على الدعم الغربي، أو الابتعاد عن العمالة للاحتلال أو نحو ذلك؛ يمكن لك أن تطرح كل هذه القيم من خلال القصص الرمزية المنتشرة بكثرة:
كانت هناك مجموعة من أشجار النخيل الكبيرة والمعمرة في بستان، وكان بينها عدد من شجيرات النخيل الصغيرة، ووقع في أحد الأيام فأس أو قدوم وسط البستان، فخافت النخلات الصغيرة وقالت: سيقطعنا كلنا!! فقالت النخلات الكبيرة: إن لم تقبل واحدة منكن أن تكون يد القدوم فلن يقوم بقطعنا.
هذا مثال صغير وقصير وله دلالته التي يفهمها الناس، بأكثر مما تريده أنت.
ويجب هنا أن يتحدث الإنسان بطريقة تناسب مقامه بين الناس، لا أن يتحدث خطيب جمعة أو سياسي بارز بطرفة لا تليق، لأنها ستكون سبّة عليه ووصمة عار على الجهة التي يمثلها، ولها دلالات لا تمحى مع الأيام.