القرآن والتوحيد:
إن كل آية في القرآن فهي متضمنة للتوحيد، شاهدة به، داعية إليه، فإن القرآن:
إما خبر عن الله، وأسمائه وصفاته وأفعاله، فهو التوحيد العلمي الخبري، وإما دعوة إلى عبادته وحده لا شريك له، وخلع كل ما يعبد من دونه، فهو التوحيد الإرادي الطلبي، وإما أمر ونهي، وإلزام بطاعته في نهيه وأمره، فهي حقوق التوحيد ومكملاته، وإما خبر عن كرامة الله لأهل توحيده وطاعته، وما فعل بهم في الدنيا، وما يكرمهم به في الآخرة، فهو جزاء توحيده وإما خبر عن أهل الشرك، وما فعل بهم في الدنيا من النكال، وما يحل بهم في العقبى من العذاب، فهو خبر عمن خرج عن حكم التوحيد.).اهـ [1].
(اقرأ كتاب الله من أوله إلى آخره تجد بيان التوحيد والأمر به، وبيان الشرك والنهي عنه، مقررا في كل سورة، وفي كثير من سور القرآن يقرره في مواضع منها، يعلم ذلك من له بصيرة وتدبر. ففي فاتحة الكتاب: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الفاتحة: 2] نوعا التوحيد: توحيد الألوهية، وتوحيد الربوبية، وفي: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: 5] النوعان، وقصر العبادة، والاستعانة على الله عز وجل أي: لا نعبد غيرك، ولا نستعين إلا بك.
وأول أمر في القرآن يقرع سمع السامع والمستمع، قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 21] إلى قوله: ﴿ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 21]، فأمرهم بتوحيد الإلهية، واستدل عليه بالربوبية، ونهاهم عن الشرك به، وأمرهم بخلع الأنداد، التي يعبدها المشركون من دون الله.
وافتتح سبحانه كثيرا من سور القرآن بهذا التوحيد: ﴿ الم * اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ﴾ [آل عمران: 1-2]: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ﴾ [الأنعام: 1] إلى قوله: ﴿ وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ ﴾ [الأنعام: 3] أي: المألوه، المعبود في السماوات، والمألوه المعبود في الأرض؛ وفي هذه السورة، من أدلة التوحيد، ما لا يحصر، وفيها من بيان الشرك والنهي عنه، كذلك.
وافتتح سورة هود بهذا التوحيد، فقال تعالى: ﴿ الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ * أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ اللهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ ﴾ [هود: 1، 2] فأحكم تعالى آيات القرآن، ثم فصلها، ببيان توحيده، والنهي عن الإشراك به، وفي أول: سورة طه، قال تعالى: ﴿ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ﴾ [طه: 8] وافتتح، سورة الصافات بهذا التوحيد، وأقسم عليه، فقال: ﴿ وَالصَّافَّاتِ صَفًّا * فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا * فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا * إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ * رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ ﴾ [الصافات: 1-5] وافتتح، سورة: الزمر، بقوله: ﴿ تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ * إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ﴾ [الزمر: 1-3] وفي هذه السورة من بيان التوحيد والأمر به، وبيان الشرك والنهي عنه، ما يستضيء به قلب المؤمن. وفي السورة بعدها كذلك، وفي سورة ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ﴾ [الكافرون: 1] نفي الشرك في العبادة، في قوله تعالى: ﴿ لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ﴾ [الكافرون: 2] إلى آخرها، وفي سورة: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 1] توحيد الإلهية، وتوحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات؛ وهذا ظاهر لمن نور الله قلبه.
وفي خاتمة المصحف ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ ﴾ [الناس: 1-3] بين أن ربهم وخالقهم ورازقهم، هو المتصرف فيهم بمشيئته، وإرادته، وهو ملكهم الذي نواصي الملوك، وجميع الخلق في قبضته: يعز هذا ويذل هذا، ويهدي من يشاء ويضل من يشاء، ﴿ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴾ [الرعد: 41] وهو: معبودهم، الذي لا يستحق أن يعبد سواه) [2].
نواقض التوحيد ومنقصاته:
هي الأمور التي إذا وجدت عند العبد خرج من دين الله بالكلية، وأصبح بسببها كافرًا أو مرتدًّا عن دين الإسلام، وهي كثيرة، تجتمع في الشرك الأكبر، والكفر الأكبر، والنفاق الأكبر (الاعتقادي).
أما منقصات التوحيد: فهي الأمور التي تنافي كمال التوحيد ولا تنقضه بالكلية، فإذا وجدت عند المسلم قدحت في توحيده ونقص إيمانه، ولم يخرج من دين الإسلام، وهي المعاصي التي لا تصل إلى درجة الشرك الأكبر أو الكفر الأكبر أو النفاق الأكبر، وعلى رأسها: وسائل الشرك الأكبر، والشرك الأصغر، والكفر الأصغر، والنفاق الأصغر، والبدعة.. [3]
ومن نواقض التوحيد[4]:
1- الشرك في عبادة الله تعالى.
2- اتخاذ الوسائط بين العبد وربه، يدعوهم ويسألهم الشفاعة، ويتوكل عليهم.
3- من لم يكفِّر المشركين، أو شكَّ في كفرهم، أو صحَّح مذهبهم.
4- الاعتقاد بأن غير هدي النبي -صلّى الله عليه وسلّم- أكمل من هديه، أو أنّ حكم غيره أحسن من حكمه.
5- بغض شيء مما جاء به النبي صلّى الله عليه وسلّم.
6- الاستهزاء بشيء من دين الرسول صلّى الله عليه وسلّم.
7- السحر.
8- مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين.
9- الاعتقاد بأن بعض الناس يسعه الخروج عن شريعة محمد صلّى الله عليه وسلّم.
10- الإعراض عن دين الله تعالى.