إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. عباد الله: كل المخلوقات تسبح بحمد الله تبارك وتعالى كل ما خلق الله يسبح الله، وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ [سورة الإسراء:44]، وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ [سورة الحـج:18]، وكثير يسجدون لله، ومن ذلك هذا الشجر الذي ذكره الله، يتفيؤ الظلال، الظل يسجد لله تعالى، وهذا الشجر يسجد لله تعالى، وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ [سورة الرحمن:6]، هذا الشجر شأنه عجيب، ولو نظرنا في كتاب الله؛ لوجدنا عبرة، فأول شجرة وأعظمها شجرة التوحيد، أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ [سورة إبراهيم:24] هي النخلة، أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء لا يسقط ورقها، ويستفاد منها دائمًا، صيفًا وشتاءً، غذاء ودواء، فاكهة وطعامًا، ويصنع منها ما يصنع، ولذلك فإن النبي ﷺ قال: أخبروني عن شجرة مثلها مثل المؤمن[1] الله ضرب المثل بها فقال: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءفشجرة التوحيد إذاً كانت تسقى بماء العلم والإيمان، فماذا ستكون الثمار -يا عباد الله؟ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ [سورة إبراهيم:2]، الأكل والثمار هي هذه الأعمال الصالحة، ضرب لك -يا مسلم- مثلاً بشجرة أصلها ثابت في ثبات الإيمان، ورسوخه، وقوته، واستقراره، ونمائه، وإزهاره، وإثماره لهذه الأعمال الصالحة. تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ، الأكل والثمار هي هذه الأعمال الصالحة، ضرب لك -يا مسلم- مثلاً بشجرة أصلها ثابت في ثبات الإيمان، ورسوخه، وقوته، واستقراره، ونمائه، وإزهاره، وإثماره لهذه الأعمال الصالحة. ثم ضرب مثلاً آخر، وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ [سورة إبراهيم:26]؛ إذًا، الكلمة الطيبة كلمة التوحيد، لا إله إلا الله، مثلها كمثل هذه الشجرة الطيبة؛ شجرة النخلة، ومثل كلمة خبيثة، كلمة الكفر والشرك؛ كمثل شجرة خبيثة، قيل: الحنظل، اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ [سورة إبراهيم:26]، فماذا تنتج هواء في هواء، وضلال في ضلال، لا أصل ولا استقرار، وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِدًا [سورة الأعراف:58]، من هذه الأعمال الطالحة، والشر، وذكر لنا شجرة عجيبة، نادى الله منها موسى، جاءه الصوت منها، بشاطئ الوادي الأيمن من البقعة المباركة من الشجرة، ناداه، سمع الصوت من هناك، إِنِّي أَنَا اللَّهُ، يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ [سورة القصص:31] إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي [سورة طـه:14] عرفه بنفسه، وأمره بتوحيده، وعبادته، والدعوة إليه، وأخبره أنه رسول، كانت لتلك الشجرة، كان فيها، وعندها موقف عظيم من إرسال موسى ، وشجرة ثالثة أو رابعة، تلك التي كانت امتحانًا لأبينا وأمنا، فإن الله قال لهما: لما أسكنهما الجنة: كُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا [سورة البقرة:35]، من أي شجرة، ومن أي ثمرة، ومما طاب لكما. الخيار متاح في كل أشجار الجنة، إلا واحدة، عينها قال: وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ [سورة الأعراف:19]، واحدة بعينها؛ ابتلاء وامتحانًا؛ والله يعطي ما يشاء، ويمنع ما يشاء، ويحل ما يشاء، ويحرم ما يشاء، فقال: كُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ [سورة البقرة:35]، ابتلاء واختبار ؛طاعة امتحان، فجاء الشيطان، وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ [سورة الأعراف:20] أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ وفي قراءة ملِكين أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ، يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى [سورة طـه:120]، دغدغ الرغبة في البقاء، دغدغ الرغبة في الملك، مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ وأقسم وحلف؛ وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ [سورة الأعراف:21]، فدلاهما وأهبطهما من المنزلة العالية بغرور، وفعلاً انطلت هذه الخدعة الشيطانية، وأكلا آدم وحواء من الشجرة، وظهرت السوءة، وسميت العورة سوءة؛ لأنه يسوء الإنسان ظهورها، وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة، محاولين ستر هذه العورة التي كانت مستورة، ثم انكشفت بالمعصية، فكانت تلك الشجرة ابتلاء، ونحن نأخذ الدرس، عندما يبيح الله لنا النكاح ويحرم علينا الزنا، ويبيح لنا البيع، ويحرم علينا الربا، ويبيح لنا العصائر ويحرم علينا الخمر، إنما حرم واحدًا من أصناف كثيرة حلال، لكن الشيطان، والنفس الأمارة بالسوء، والهوى. ثلاثة إذا تسلطت على الجوارح تبعتها، ولذلك -يا عباد الله- لا بدّ من معصية الشيطان، وطاعة الرحمن، شجرة أخرى، ضرب الله بها مثلاً في زيتها الذي يخرج منها، في نقائه، وصفائه، اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [سورة النـور:35] ينور السموات والأرض، وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا [سورة الزمر:69]، وله نور هداية، ونور فقه، يقذفه في قلوب من يشاء من عباده، هذا النور في قلب المؤمن صافي جداً، نور الهداية، ونور العلم، ونور الإيمان، نور من الله في قلوب المؤمنين، كيف هو في صفائه داخل هذا القلب؟ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ، فتحها في الجدار،كوة، طاقة فيها مصباح، فتيلة توقد يمكن إشعالها، الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ، حتى يظهر بشفافية بالغة ذلك النقاء، والصفاء، والتوهج لهذه الفتيلة المشتعلة، لكن الفتيلة لا بدّ أن تستمد من شيء توقد منه؛ مادة وقوت، مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ، الزجاجة في توهجها ونورها كأنها كوكب دري، هل رأيته في السماء؟ كذلك النور يوقد من شجرة مباركة، زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ، فيأتيها ضوء الشمس في الصباح فقط، وَلَا غَرْبِيَّةٍ يأتيها ضوء الشمس في آخر النهار فقط، بل هي متوسطة، يأتيها ضوء الشمس دائمًا، فذلك أزكى لزيتونها، وأنقى لزيتها، لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ، يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ، هذه الزيتونة قد ذكرها في آية أخرى، وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَاء تَنبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِّلْآكِلِينَ [سورة المؤمنون:20]، يصبغون بها، إدام لطعامهم، كلوا الزيتون وادهنوا به[2]، كما قال ﷺ: من بركتها هذه تلي النخلة في البركة من أشجار العالم، حتى قيل: أول ما ظهر من أشجار الأرض بعد الطوفان، في عهد نوح ، هذه منن من الله، ونعم. نسأل الله أن يثبت علينا الإيمان، اللهم نور قلوبنا بالإيمان، واليقين، واجعل نفوسنا راسخة على الحق المبين، يا مقلب المقلوب ثبت قلوبنا على دينك، وأتمم نعمتك علينا، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم. و ستة و ستة و عشرين و و أربعة و خمسة و تسعة و خمسة و عشرين و و خمسة و ثلاثين و تسعة و ستين