استلهامًا من روح معجزة «الإسراء والمعراج»، ي
ؤكد علماء الدين أن الرحلة،
إذ تحين ذكراها هذه الأيام؛ مملوءة بالدروس والعبر،
التى تجعل المرء يثق فى نصر الله،
وأنه يأتى فى وقته، كما تؤكد
قدسية المسجد الأقصى المبارك بفلسطين المحتلة،
فى وجدان الأمة، وما يجب على المسلمين نحوه،
من الذود عنه، والانتصار له.
ويضيف العلماء
أن «الإسراء والمعراج»
تبعث برسائلها وعطاءاتها المتجددة،
المطمئنة الباعثة على التفاؤل والأمل،
إلى كل قلب مهموم ومغموم،
وإلى كل نفس ضاقت عليها الأرض بما رحبت،
أن تكون على يقين تام بأن الله تعالى يجعل
دائما بعد الشدة فرجا، وبعد العسر يسرا،
وبعد الظلام النور، وبعد الهزيمة النصر،
وأن المِنح تخرج من المِحن،
وأن عبور التحديات، وتجاوز المشكلات،
يتحقق بالإيمان والعمل معا.
الدكتور حشمت المفتى،
أستاذ التفسير وعلوم القرآن
بكلية أصول الدين والدعوة بأسيوط،
يروى أن النبى المصطفى، صلى الله عليه وسلم،
قبل حدوث معجزة الإسراء والمعراج،
مرَّ بسلسلة متتابعة من المحن والابتلاءات،
منها المقاطعة القرشية الجائرة له،
عليه الصلاة والسلام، وصحبه الكرام،
ثم كان موت عمه أبى طالب وزوجته السيدة خديجة
عقب انتهاء تلك المقاطعة مباشرة،
ثم رحلة الطائف المؤلمة،
ثم إعراض قبائل العرب فى موسم الحج
ذلك العام عن دعوته إعراضا تاما،
كل ذلك مع جحود قريش لدعوته.
ويتابع أن هذه الأمور جعلت نفس النبى الكريم،
صلى الله عليه وسلم، مهمومة هما شديدا،
لما يرى من إعراض الناس عن الحق،
وتعصبهم لما هم عليه من الشرك والضلال،
بل عانى رسول الله، صلى الله عليه وسلم،
فى تلك الفترة، شدة الحزن،
والضيق، والوحشة، والغربة، والانقطاع..
فى جاهلية قريش، وقبائل العرب.
مِنحة ربانية
ويوضح الدكتور المفتى أن رحلة «الإسراء والمعراج»،
تبعث لنا فى ذكرى حدوثها رسائل متنوعة،
فهى كما جاءت منحة ربانية
ونعمة إلهية ونفحة قدسية،
إذهابا لهمِّ النبى المصطفى
(صلى الله عليه وسلم)،
وتطييبا لقلبه، وإيناسا لوحشته،
وتسرية له عما لاقاه من الشدائد والمحن،
فإننا نتعلم أنه مهما تضيق بالمؤمن دروب الحياة،
وتطغى عليه الشدائد والكرب،
فليكن على يقين بأن الله تبارك وتعالى لن يتركه،
وأن فيض العناية الإلهية سيدركه
وأن رحمات ربه ستنزل عليه تباعا،
متى أخذ بالأسباب وصبر ورضى،
ولجأ بقلبه وروحه
إلى رب الأرض والسماوات.
ويواصل:
كذلك تعلمنا رحلة «الإسراء والمعراج»
أنه كلما عظم البلاء، واشتدت المحن
على طريق الحق، عظمت النفحات
والبركات والخيرات والمنح للسالكين فيه،
كما تبين لنا علو منزلة
نبينا محمد، صلى الله عليه وسلم،
ورفعة قدره، وعظيم شأنه، إذ اصطفاه ربه،
دون رسله أجمعين، وخصه بهذا المعراج
المعجز للسماوات العلا.
ويشير إلى أن فى إمامته،
صلى الله عليه وسلم،
لرسل الله أجمعين،
واصطفافهم خلفه فى المسجد الأقصى،
بتلك الرحلة المباركة، دليلا على أن رسالته
الرسالة الجامعة لخير الرسالات كلها،
وأن دعوة جميع الرسل والأنبياء
جاءت واحدة فى عبادة الله وعمارة الأرض
ونشر السلام، وأن فى تصديق الصحب
الكرام لرسولهم الكريم، صلى الله عليه وسلم،
وفى مقدمتهم صِدِّيق هذه الأمة،
أبو بكر الصديق، رضى الله عنه،
حين أخبره بتلك الرحلة، دليلا على قوة
إيمانهم ووثوقهم التام فى صدقه،
عليه الصلاة والسلام.
نعلم من هذا - كما يقول الدكتور المفتى-
أن المؤمن الصادق لا يسعه إلا التصديق
التام بكل ما أخبر به النبى، عليه الصلاة والسلام،
مما نُقل إلينا عنه بسند صحيح،
كما أن فرض الصلاة فى تلك الرحلة المباركة،
من الله مباشرة، دليل على أهمية تلك الفريضة،
وأن لها عند الله قدرا وشأنا، وأنها باب
العروج الروحانى إلى الله رب العالمين،
وسبيل القرب من الحضرة الإلهية،
وأنه لا حظ لمن فرط فى تلك الفريضة
فى شيء من ذلك، مهما قدم من الخيرات،
أو فعل من القربات.
ويضيف أنه: «إلى المسجد الأقصى كانت
رحلة الإسراء، ومنه كانت بداية رحلة المعراج،
فهو نهاية الإسراء، وبداية المعراج،
وإليه توجه النبى صلى الله عليه وسلم فى صلاته،
قبل تحويل القبلة، إلى الكعبة ببيت الله الحرام فى مكة،
مما يجعل له فى قلوب المسلمين منزلة عظيمة،
ومكانة سامية، وقدرا جليلا، وقد تكاثرت
الأدلة فى بيان ما خص الله تعالى به المسجد الأقصى،
وما حوله.. من البركات والخيرات،
وعليه فإن تعظيم وإجلال وتقديس
هذا المسجد، وأرضه.. واجب على كل مسلم
ومسلمة فى مشارق الأرض ومغاربها،
من الدفاع عنه، والانتصار له».
نلتقى بالجزء الثانى
إن شاء الله
لكم خالص تحياتى وتقديرى
الدكتــور علــى