مضمار الركض

ثمة من يسعى إلى الحصول على ما يريد، بل قد يعتبر هذا السعي هو مضمار الركض في المدى المفتوح وهو الطريق الذي لابد أن يسير عليه حتى وإن كان ما سيعترضه مكلفاً، وما سيدفعه باهظاً! ترافقنا حاجاتنا ولكنها قد لا تستبقنا، لأنها تظل أسيرة لمدى تعلقنا بها ومدى قدرتنا على التفاعل مع الإحساس بقوتها! هي الحاجة بمعناها الشمولي والتعميمي لكنها تختلف من شخص إلى آخر وتتباين صورتها أيضاً من شخص إلى آخر في المقابل قد يصر شخص على الترافق مع حاجته والإصغاء إليها والإبحار بها إلى ميناء التحقق حتى وإن كانت العواصف تغلق المسارات، والوقوف في وجه أبواب مغلقة! يعتبر البعض أن تحقيق حاجاتهم مسؤولية صعبة، عليهم عدم الالتفاف عليها، أو الهروب منها بل لابد من ركوب ذلك القطار الذاهب إليها حتى وإن كان التدافع عليه شديداً! تحتاج فتلجأ إلى نفسك، وقد تحتاج فتلجأ إلى الآخر لأنه القادر على تحقيقها لكن الاحساس بالحاجة تختص به دون غيرك، وتفصّله وتفسّره وتصيغ مفرداته أنت وليس الآخر. الغريب أننا قد نسمع أحدهم يقول فلان لا يحتاج إلى شيء فلديه كل شيء الأسرة والمال، والتعليم، والمسكن وهي أضلاع الصورة التي يراها المتابع، وينسى من قيّم ذلك الشخص أن حاجات البشر تتعدد، وتختلف من شخص إلى آخر وأن ما يراه علناً قد يبتعد تماماً عن حقيقة احتياج ذلك الشخص المكتمل من وجهة نظر الآخرين والذي لا يخرج عن تلك الثوابت التي تقول إن أي إنسان لا يمكن أن يمتلك كل شيء لأنه في حالة الحصول على حاجات بسهولة قد تبدو بعض الحاجات رغم بساطتها وقدرة الآخرين على امتلاكها صعبة على غيرهم! فمثلاً وبعيداً عن التركيز على حاجات البشر العامة أو قدراتهم المالية أو اختلافاتهم، أو تباين مجتمعاتهم هناك من يحتاج إلى العمل إن كان عاطلاً بمعنى أن الحاجة إلى العمل هي التي تدفع في البحث عنه شخص آخر في حاجة إلى إكمال تعليمه ليحقق من خلال تحقيق هذه الحاجة ما يريد من حاجات أخرى شخص آخر وكحاجة طبيعية يحتاج لتكوين أسرة إلى الزواج، وآخر إلى تحقيق وظيفة مرموقة وثالث إلى إنجاب أطفال، ورابع إلى أولويات متقدمة وهي إنشاء مسكن له ولأسرته كحاجة أساسية يظل يقاتل من أجلها سنوات وخامس حاجته الأساسية هي الصحة والسعي إليها والحفاظ عليها إن كان متعافياً. فيما آخر حاجته أن يكون مشهوراً فتجده يقاتل من أجل أن يضع قدميه على حواف هذه الشهرة المستعصية شخص آخر حاجته بين فترة وأخرى أن يسافر، أن يبتعد بعيداً هناك في مكان لا يعرفه فيه أحد وبالذات عندما تغلق عليه الحياة أبوابها داخل قلعة المرار والألم. كثيرون تتركز حاجتهم إلى المال ليس كمسيّر للحياة ولكن كثروة وهي حاجة مشروعة ولكن إن ظل البحث عنها مشروعاً. هناك حاجات أخرى حسية وخاصة تختلف كثيراً عن الحالات العامة والحاجات التي تتقاطع مع أغلبية البشر من أبرزها حاجة البعض إلى الأمان وحاجة البعض إلى الهدوء، والابتعاد عن الضجيج حاجة البعض إلى ملامسة الفرح الغائب، وتبديد الحزن الساكن في المكان الحاجة إلى لحظة الاختلاء بالنفس عندما تكون محاصراً بالآخرين دوماً الحاجة إلى الهروب بعيداً حين تصبح جدران الزمن مصنوعة من الهموم الحاجة إلى لحظة فراغ عذبة تختار معها قاعدة الاستمتاع بنفسك. الحاجة إلى ان تجد نفسك التي أضعتها منذ زمن وعجزت عن الامساك بها الحاجة إلى استعادة حقوق ضائعة وعدم التراجع في البحث عنها الحاجة إلى النكد أحياناً عندما تصبح الحياة فارهة في ابتسامتها الحاجة إلى الحقيقة الغائبة والركض خلفها لتسليط اشعة الشمس عليها الحاجة إلى الحلم الذي تنصلت منه ذات يوم رغبة في الوقوف على الواقع الحاجة إلى صديق، أو ونيس وأخيراً الحاجة إلى الحب ولعلها حاجة تحمل الرؤية الأوسع لأغلب الحاجات لأن الحصول عليها قد يلغي الاحتياج لبعض ما سبق ولأنها تتشكل في حاجات عدة كحاجتك إلى ونيس، أو صديق أو ضجيج، أو أمل، أو حياة هي حاجات متعددة قد يعتقد البعض أنها مترفة لمن لم يعبر من خلاله قطار الترف وقد يرى البعض أنها منطقية ومتفاوتة، لكن في النهاية ليس هناك على سطح الأرض من البشر من ليس له حاجات خاصة وعامة ومتوارية!!!!