لا إله إلا الله (1)
لا إله إلا الله (1)
إن لكلمة التوحيد فضائل عظيمة لا يمكن استقصاؤها، منها أنها كلمة الإسلام وأنها مفتاح دار السلام، فيا ذوي العقول السليمة، ويا ذوي البصائر والفلاح - جددوا إيمانكم في المساء والصباح بقول: لا إله إلا الله من أعماق قلوبكم، متأمِّلين لمعناها عاملين بمقتضاها، فما قامت السماوات والأرض، ولا صحت السنة والفرض، ولا نجا أحد يوم العرض، إلا بلا إله إلا الله، بل ما جردت السيوف، وأرسلت الرُّسل، إلا لتعليم لا إله إلا الله.
إنها كلمة الحق ودعوة الحق، وبراءة من الشرك، ونجاة من الهلاك، ولأجلها خُلِق الخَلْق؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾ [الأنبياء: 25]، وقال تعالى: ﴿ يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ ﴾ [النحل: 2].
قال ابن عيينة: "ما أنعم الله على عبد من العباد أفضل مِن أن عرَّفه لا إله إلا الله، وأنها لأهل الجَنَّة كالماء البارد لأهل الدنيا، ولأجلها أُعِدت دار الثواب ودار العقاب، ولأجلها أُمِرت الرسل بالجهاد، فمَن قالها عُصم ماله ودمه، ومَن أباها فماله ودمه حلال، وبها كلَّم الله موسى كفاحًا، بل إن هذه الكلمة الخفيفة السهلة هي أحسن الحسنات كما ثبت في المسند عن شداد بن أوس وعبادة بن الصامت رضي الله عنهما؛ أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال لأصحابه: ((ارفعوا أيديكم وقولوا: لا إله إلا الله، فرفعنا أيدينا ساعة، فوضع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يده وقال: ((الحمد الله، اللهم بعثْتَني بهذه الكلمة، وأمرتني بها، ووعدتني الجَنَّة وإنك لا تخلف الميعاد))، ثم قال: ((أبشروا؛ إن الله قد غفر لكم وهي أحسَن الحسنات، وهي تمحو الذنوب والخطايا)) "الترغيب والترهيب"، (2/415).
وعند ابن ماجه عن أم هانئ، عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((لا إله إلا الله، لا تترك ذنبًا، ولا يسبقها عمل))؛ رواه ابن ماجه، (2/ 1248)، وفي المسند أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال لأصحابه: ((جَدِّدوا إيمانكم، قالوا: كيف نجدِّد إيماننا؟ قال: قولوا: لا إله إلا الله، وهي التي لا بعدها شيء في الوزن؛ فلو وُزِنت بالسماوات والأرض، لَرَجَحَتْ بهنَّ))؛ رواه أحمد.
وهي كما في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما؛ أن موسى عليه الصلاة والسلام: "قال: يا رب، علمني شيئًا أذكرك وأدعوك به، قال: يا موسى، قُلْ: لا إله إلا الله، قال: لا إله إلا الله، إنما أريد شيئًا تخصُّني به، قال: يا موسى، لو أن السماوات والأرضين السبع وعامرهن غيري في كفَّة، ولا إله إلا الله في كفَّة، لمالت بهنَّ لا إله إلا الله"؛ "الترغيب والترهيب"، (2/694).
وهذه الكلمة السهلة الميسرة تخرق الحُجب؛ حتى تصل إلى الله عزَّ وجلَّ، وليس دونه حجاب لقول النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: ((لا إله إلا الله، ليس لها دون الله حجاب))؛ رواة الترمذي، ح (3518)، وتفتح لها أبواب السماء؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((ما مِن عبد قال: لا إلا الله مخلصًا، إلا فُتحَت له أبوابُ السماء؛ حتى تفضي إلى العرش)).
وهي أفضل ما قاله النبيُّون عليهم الصلاة والسلام، كما ورد في دعاء عرفة، وهي أفضل الذكْر وأفضل الأعمال، وأكثرها مضاعفة، وتعدل عتق الرقاب، وتكون حرزًا من الشيطان، وهي أمان من وحشة القبر، وهول المحشر؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((ليس على أهل لا إله إلا الله وحشة في قبورهم، ولا في نشورهم، وكأني بأهل لا إله إلا الله ينفضون الترابَ عن رؤوسهم، ويقولون: الحمد لله الذي أذهَب عنا الحزن)).
ومن فضائلها أنها تفتح لقائلها أبواب الجَنَّة الثمانية يَدخل مِن أيِّها شاء، فقد ثبت في الصحيحين عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه، عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((مَن شهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وأن الجَنَّة حق والنار حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يَبعَث مَن في القبور، فُتحَت له أبواب الجَنَّة الثمانية يَدخل مِن أيُّها شاء)).
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|