الحزن المشروع و الحزن الممنوع
الحزن المشروع والحزن الممنوع
بسم الله الرحمن الرحيم
الحياة الدنيا لهو ولعب وزينة وتفاخر، هي دار ممر، حكم الله بفنائها وزوالها، والحياة الآخرة هي الحياة الأبدية، فيها النعيم المقيم، والعيش الهني، والسعادة الحقيقية، وقلَّ أن يسلم أحد من هموم الدنيا، وغمومها، وأكدارها، ومنغصاتها، ومن يطلب غير ذلك في هذه الدنيا فهو مكلف الأيام ضد طباعها.
ليست الدنيا بدار قرار، والمنية لا بد آتية، ولذا يكثر في الدنيا الهم والحزن وهما قرينان، فالحزن على ما مضى، والهم على الحاضر والمستقبل، وقد جاء النهي صريحاً عن الحزن في القرآن، قال تعالى: [وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ](آل عمران)، وقال تعالى: [وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ](النحل).
بل إن أهل الجنة يحمدون الله الذي أذهب عنهم الحزن، قال تعالى: [وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ](فاطر).
وقد استعاذ نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من الحزن والهم، قال صلى الله عليه وسلم: (اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن)(متفق عليه).
عباد الله: الحزن لا فائدة من ورائه فهو لا يقدم شيئاً، لا يدفع مضرة ولا يجلب خيراً، بل هو مشتت للفكر، مشغل عن العمل، لا تستقيم معه الحال، ولا يهدأ لصاحبه بال، وهو يضعف القلب، ويوهن العزم، ويضر الإرادة، وهو مدخل من مداخل الشيطان ليقعد به عن عمل الصالحات، وكل ما قدر على المرء حاصل لا محالة، فما أصاب المرء لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وكل مصيبة قدرها الله فلا مدفع لها، قال تعالى: [مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ] (التغابن).
وبعض المصائب قد تكون نعمة على المصاب، فالله وحده هو الذي يعلم مآلات الأمور، فعسى أن يحب المرء شيئاً وهو شر له، وعسى أن يكره شيئاً وفيه خير كثير [فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً].
عباد الله: وينبغي للمسلم إذا حزن على شيء يكرهه ألا يتسخط ولا يعترض على قدر الله، بل يسلم ويرضى، ويفعل الأسباب الدافعة لهذا الهم والحزن، وله برسولنا صلى الله عليه وسلم أسوة وقدوة، فهو القائل (إن العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون)(متفق عليه).
كما ينبغي للمسلم عند حصول الهم والحزن أن يبث شكايته إلى الله، ويكثر من الدعاء الصادق الخالص، وله بيعقوب عليه الصلاة والسلام أسوة وقدوة حيث قال: (إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ)(يوسف).
ولا ينبغي أن يكون لليأس طريق إلى قلبه فذلك شأن الغافلين عن الله، المعرضين عن أبوابه، ولذا حذر يعقوب أبناءه من ذلك فقال [يَا بَنِي اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الكَافِرُونَ](يوسف).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والعظات والذكر الحكيم فاستغفروا الله يغفر لي ولك
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ
|